باحث وعميل «شاباك»: الصراع مع الفلسطينيين غير قابل للحل والمستوطنات حوّلت إسرائيل لدولة ثنائية القومية

حجم الخط
0

الناصرة – «القدس العربي»: يؤكد روني شاكيد، أكاديمي إسرائيلي، ورجل مخابرات وصحافي سابق، أن الصراع مع الفلسطينيين غير قابل للتسوية، وأن المستوطنات حولت البلاد لدولة ثنائية القومية. ويكشف التقرير الصحافي عن تفاصيل أو مذكرة اعتقال للرئيس الراحل ياسر عرفات، ويتوقف عند قصة الراديو الخاص به الذي رفض استرجاعه من رئيس المخابرات الإسرائيلية «الشاباك»، مصمما على إبقائه هدية تذكارية.
جاء ذلك في حديث أجراه معه أبرز المعلقين الصحافيين الإسرائيليين، نحوم برنيع، الذي قابل زميله الصحافي سابقا شاكيد في رام الله للحديث عن كتابه الجديد «ما وراء الكوفية». وسبب هذا الاختيار أن شاكيد وقبل أن يعمل صحافيا في «يديعوت أحرونوت» طيلة 31 عاما عمل في مخابرات الاحتلال (الشاباك) وكان مكتبه في المقاطعة مقر الرئاسة الفلسطينية قبل ولادة السلطة الوطنية نتيجة اتفاق أوسلو 1993.
ويلتقي في متحف عرفات في رام الله الصحافي برنيع وزميله السابق شاكيد الذي انتقل منذ سنوات للتعليم الجامعي بعدما استكمل دراسة الدكتوراة في موضوع الصراع الفلسطيني وعلى أساسها وضع كتابه المذكور. ويقول شاكيد في الحديث إن مكتبه كمركز مسؤول في الشاباك بدءا من 1974 صار مكتب الرئيس الراحل عرفات لاحقا.

مذكرة اعتقال عرفات

وقتها وفور احتلال 1967 عمم الشاباك ضمن ملاحقته والبحث عنه مذكرة اعتقال تحمل صورته بالكوفية والعقال فيها أوصافه الدقيقة. ونشرت «يديعوت أحرونوت» للمرة الأولى نسخة من هذه المذكرة التي حفظها شاكيد في أرشيفه الخاص وهي تشمل تفاصيل شخصية كثيرة في محاولة لمساعدة رجال المخابرات والمخبرين للتعرف على القائد المطلوب. المذكرة المؤرخة من 1967 والمعنونة بالعبرية بـ «أبو عمار» تقول إنه أحد مؤسسي « فتح»، قائد ومنظم موجود في الضفة الغربية، وشخصية مهمة جدا.
أما في خانة الوصف فجاء في المذكرة: عمره 45 عاما وهو قصير القامة، إذ يتراوح طوله ما بين 160-155 سم، ولون بشرته حنطي، ومبنى الجسد سمين قليلا وأصلع جزئيا وبجوانب الرأس يميل شعره للشيب، حليق الشارب، شفته السفلى بارزة، ويتكلم باللهجة المصرية، وحركاته عصبية وعيناه تتحركان بسرعة كل الوقت».
وفي خانة اللباس قالت مذكرة الاحتلال «عربي تقليدي – بشكل عام ويرتدي ثيابا أوروبية وربما يستخدم نظارة الآن».
وتشمل المذكرة المخابراتية خانة خاصة باسمه وكنياته:» أبو عمار، ياسر عرفات، والدكتور محمد رؤوف، والدكتور يوسف عمار، وفايز محمود عرفات وهو معروف بلقب «الدكتور».
كما تشمل المذكرة شرحا ناقصا شحيحا عن بعض أقربائه: «في غزة له ابن عم يدعى سامي عرفات صاحب محل تصوير.
وبشأن أصله فقد جاء أنه « إما من نابلس أو غزة «. وذيلت المذكرة بملاحظة: «حين يعتقل ينبغي تبليغ القيادة العامة فورا».

أبو عمار توارى بسرعة الريح

وتوقف برنيع وشاكيد داخل المتحف عند راديو ترانزيستور صغير يذكر بنضال الرئيس عرفات وبملاحقة الشاباك له بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967. ويروي شاكيد أن أبو عمار نشط سرا وقتها في منطقة رام الله. ويستذكر برنيع ما رواه شاكيد في كتابه، فيقول إن الشاباك اكتشف يوما ما أن أبو عمار يختبىء داخل بيت في إحدى قرى رام الله، وحينما داهمت قوات الاحتلال البيت وجدوه فارغا والنافذة مفتوحة. ويضيف «حينما تحسس قائد القوة المداهمة فرشة السرير داخل غرفة نافذتها مفتوحة وجد أنها ما زالت دافئة مما يعني أن عرفات قفز من النافذة وتمكن من التواري عن الأنظار بسرعة الريح فيما كان راديو ترانزيستور شغالا بجانب السرير فأخذه معه ولاحقا وبعد توقيع أوسلو أهدي الراديو لأبو عمار».
يشار هنا الى أن النائب الإسرائيلي رئيس الشاباك الأسبق يعقوب بيري قد روى في مذكراته القصة بطريقة مغايرة، مؤكدا أنه هو قائد القوة التي داهمت عرفات في منطقة رام الله وصادر الراديو ولاحقا وبعد توقيع أوسلو قدمه كهدية لعرفات لكنه رفض تسلمه وقال «احتفظ به كذكرى مني».
ويبدو أن الرئيس عرفات رفض تسلمه لاعتبارات أمنية إذ عرف عنه حسه الأمني العالي لدرجة أنه حينما استقبل وفودا فلسطينية حملت معها رزما من الحلويات كان يقوم بنفسه بتقديمها لهم، لكنه لم يتناول أي قطعة منها.
لكن الترانزيستور وجد طريقه للمتحف الخاص بالرئيس عرفات في رام الله مع بقية أغراضه كمسدسه وكوفيته ومصحفه ونظارته.
وردا على سؤال يقول شاكيد لبرنيع إن عمله السابق في الشاباك لم يشوش على عمله كصحافي يغطي الضفة الغربية في صحيفة «يديعوت أحرونوت». ويقول أيضا إن عمله سابقا في المخابرات لم يدفع الفلسطينيين للتحفظ منه لأنه حرص على « تغطيات نزيهة وذات مصداقية». ويتابع مزاعمه «بالعكس ففي إحدى المرات التي قابلت فيها اسماعيل هنية وقلت له إنني صهيوني وصحافي، كان استقباله لي محترما».

لماذا غابت سهى من متحف عرفات

ويستعرض موجودات المتحف حول فلسطين بدءا من قبل نكبة 1948 وما ليس فيه و»تغييب سهى عرفات من الذاكرة عمدا» ، ويقول إن الفلسطينيين كالإسرائيليين مهتمون جدا بالذاكرة وتكريسها وإبراز سير أبطالهم. ويروي بعض ما جاء في حديثه مع شاكيد الذي يصطحبه في جولة داخل رام الله، ويقول إن خطاب الرئيس عباس الأخير جاء غاضبا بسبب الغضب من الموقف الأمريكي والهجوم الإسرائيلي عليه. ويتابع عاكسا ما جاء في كتابه الجديد «ما وراء الكوفية» : «أبو مازن لم يشذ يوما عن الرواية التاريخية الفلسطينية قيد أنملة وبموجبه ان الاستيطان الصهيوني هو مبادرة استعمارية بعدما رفضت أوروبا اليهود فدفعتهم إلى هنا للقيام بأعمالها في الشرق. أبو مازن يريد كل شيء لكنه يعرف أنه يقف أمام جدار حديدي اسمه إسرائيل، فلا خيار له إلا التسليم بوجودها. لم يفاجئني اعتقاد أبو مازن حول الصهيونية لكنني فوجئت بتعبيره عن ذلك بفظاظة. هو غاضب وأحد أسباب غضبه يتعلق بوصفنا له كأسوأ عدو لإسرائيل في الوقت الذي قدم مساهمة في الحفاظ على أمنها بما لا يقل عن مساهمة الشاباك، وهذا ما يقولونه لي في الشاباك».

ثنائية القومية

وردا على سؤال ينفي شاكيد اتهامات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للرئيس عباس ويقول إنه لم يلبس دوما قناعا وهو يثابر منذ 2005 في قيادة مشروع دولة فلسطينية على 22% من المساحة بين النهر والبحر عاصمتها القدس الشرقية. صحيح انه ينفي وجود إسرائيل كدولة أخلاقية، لكنه مستعد للتسليم بها سياسيا.
ويرد برنيع «ولكن من يلغي وجود إسرائيل أخلاقيا لا يستطيع توقيع اتفاق ينهي الصراع معها؟».
ويقول شاكيد «صحيح وهذا ما استنتجته أنا للأسف ولكن ليس الجانب الفلسطيني المذنب فقط فنحن مذنبون أيضا، فحكومة نتنياهو تقودنا لدولة ثنائية القومية ومشروع المستوطنات خلق في الواقع دولة ثنائية القومية».

صمود الفلسطينيين

شاكيد الذي خدم في الجيش ضمن وحدة خاصة قبل التحاقه بالمخابرات يتابع موضوع الذاكرة الفلسطينية ويقول إن الفلسطينيين ينظرون للخلف للأماكن التي «تركوها» في 1948. وردا على سؤال يوضح أنهم يترجمون تطلعاتهم الوطنية على الأرض، لافتا الى أن ذلك ينعكس باعتقال 600 ألف منهم في السجون الإسرائيلية منذ 1967 لافتا إلى أن الرقم يصبح 750 ألفا حسب المعطيات الفلسطينية. كما يقول شاكيد المهتم بالموضوع الفلسطيني منذ خمسة عقود إن الفلسطينيين طوروا الصمود حيث يعملون داخل إسرائيل وفي المستوطنات ويواصلون المقاومة. ويتابع «في إسرائيل يستمعون لتصريحات الفلسطينيين ويسارعون للصراخ بأنهم يحرضون. الإسرائيليون لا يفهمون أن هذا ما يعتقدون ويشعرون به حقيقة».
ويشير برنيع الى أن «ما وراء الكوفية» كتاب متشائم، فيقول مؤلفه شاكيد إنه ألّف الكتاب دون فكرة مسبقة وجاءت مضامينه بخلاف رؤيته السياسية الشخصية. ويضيف أنه توقع وجود عدد أكبر من الفلسطينيين ممن يؤيدون التسوية. ويلفت الكتاب لاستثمار حركة حماس طاقات كثيرة في التربية وفي تنشئة جيل مؤمن بعقيدتها، أما طلاب «فتح» الجامعيون فيلتقطون صورا مع أحزمة ناسفة بعد 25 عاما من توقيع أوسلو. ويخلص شاكيد للاستنتاج في كتابه أن الصراع غير قابل للتسوية، وأن «الشعبين راديكاليان ويقيم كل منهما داخل الآخر ولا طريق للتجسير بينهما وهذا محبط جدا. الكتاب متشائم لأن الواقع متشائم».
ويتساءل «ولماذا إذن تغضب حينما تسمع نتنياهو ووزراءه يقولون ما تقوله أنت الآن؟.
ويرد شاكيد «لأننا نحتاج للعيش معهم».
ـ ولكنك تقول إنهم لا يريدون العيش معنا؟
– «فلنفترق إذن. اعتقد أن تسوية الدولتين ما زالت ممكنة. لا يوجد في التاريخ وضع غير قابل للقلب».

باحث وعميل «شاباك»: الصراع مع الفلسطينيين غير قابل للحل والمستوطنات حوّلت إسرائيل لدولة ثنائية القومية

وديع عواودة:

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية