الناصرة – «القدس العربي»: يستذكر الشيخ الفلسطيني أبو زهير نمر جميل صالح قهوجي بعض ملامح محبوبته الأولى والأخيرة، مدينة طبرية، أولى المدن الفلسطينية التي احتلتها القوات الصهيونية بدعم بريطاني مباشر في أبريل/نيسان 1948. طبرية، مسقط رأس أبي زهير، التي هُجّر منها فتى في نكبة 1948، ووجد نفسه منذ ذلك الحين لاجئًا في مدينة إربد في الأردن حتى اليوم.
في زيارته الأخيرة للبلاد، قال لـ»القدس العربي» إن طبرية عزيزة جدا على قلبه، بوصفها مسقط الرأس والوطن الأول، فكيف إذا كانت قطعة من الجنة؟ لم تكن «جارة القمر» فحسب، بل زهرة فلسطين وملامحها ومرافقها ومواقعها وسواحلها.
أبو زهير، الذي ما زال يتحدث بلهجة أهل طبرية رغم الغربة واللجوء، يمضي في وصف جمالية المدينة التي تعتبرها جهات فلسطينية كثيرة «عروس الأغوار»، حتى لو غارت ضيعتنا الظليلة، ويبيّن: «تمتاز طبرية بسواحل واسعة للاستحمام والجلوس عند المساء، ووجبة العشاء على ساحل منطقة البونط، تنسيك الدنيا، وكذلك جنينة البلدية المليئة بالأشجار والأزهار. شوارعها واسعة ونظيفة، وأهلها مسلمون ومسيحيون ويهود كانوا يعيشون في محبة واحترام ووئام، إلى أن قدمت الصهيونية، وكانوا يستقرضون من بعضهم بعضا. الأسواق فيها مليئة بالخيرات وجميلة، وكذلك مقاهيها ومطاعمها، كل شيء فيها حلو».
كما يستذكر قهوجي حفلات الزفاف في مدينته التاريخية، فيقول إن حفلات الأعراس كانت مخصصة للنساء وأخرى للرجال مع فصل بينهما، وكانت تتم عادة داخل حدائق البيوت، وكان المطرب الراحل أحمد جمال يحيي حفلات كثيرة تنتهي عادة قبيل الفجر، وفي اليوم التالي تجري الزفّة الشعبية للعريس في شارع «الجليل» الرابط بين مدينتي صفد وبيسان، حيث يصل المحتفلون إلى ساحل البحيرة ويعودون.
أما في ما يتعلق بالبحيرة وتقاليد الطعام البحري، فيشير أبو زهير إلى أن السمك كان الأكلة المفضّلة للطبارنة: «أتذكر مواسم الصيد في البحيرة، وكانت الأسماك على أنواعها متوفّرة فيها، أما الوجبة الأشهى فكانت المشط المقلي بالزيت أو الكوكلاس، وهو سمك سردين مطحون». وبشأن المواصلات في المدينة التي سكنها عدد كبير من اليهود الشرقيين منذ قرون، يقول أبو زهير، إن الانتقال من طبرية إلى بقية المدن الفلسطينية مثل بيسان، وصفد، وحيفا، ويافا، وسمخ، والحمة، ودمشق وغيرها، كان متوفّرا بالباصات (شركات العفيفي، الجليل، وشركة «إيجد» اليهودية) وبالقطار، علاوة على التكاسي الخصوصية.
ويستذكر علاقة المواصلات بعائلته: «كان عمي أبو معروف قدورة قهوجي، أحد وجهاء طبرية، يملك باصا ضمن مساهماته في شركة الجليل للنقليات، وكان يسافر عشرات المرات يوميا من طبرية إلى الحمة وبالعكس».
نسأله: «زرتَ طبرية للمرة الأولى بعد سنوات، وأنت المولود فيها عام 1931.. هل أطفأت الزيارة حنينك لها، أم أججت نار الشوق من جديد؟» «لا، فرحتُ جدا بالزيارة ونلتُ انبساطا نادرا. عندما زرتها برفقة أقارب من الناصرة، تجوّلنا في ربوع طبرية، ووجدت أن معالمها المركزية لم تتغيّر كثيرا، خاصة البلدة القديمة بمحاذاة البحيرة الساحرة التي تبدو كأنها لوحة فنية». يعيد هذا الاستذكار لطبرية ما جاء في محادثة مازحة جمعت القياديين الراحلين شفيق الحوت وأنيس الصايغ، حيث قال الحوت عن مدينته: «يافا قطعة من الفردوس سقطت من السماء»، فردّ عليه الصايغ بانتصار لمدينته قائلاً: «طبرية هي الجنة، ولذلك لا تسقط من السماء».