كانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العاصمة اليونانية أثينا يوم الخميس الماضي قصيرة في زمنها، الذي لم يتجاوز بضع ساعات، لكنها كانت مهمة في مدلولاتها وفي ما نجحت في ترسيخه بشأن العلاقة بين البلدين الجارين.
الزيارة، التي كانت الأولى منذ ست سنوات، والتي كانت تهدف لإعلان فتح صفحة جديدة بين البلدين، يمكن أن تقرأ كإحدى خطوات تجاوز الفيتو غير المعلن، حول انضمام تركيا لمجموعة دول الاتحاد الأوروبي، فبعد وضع عدد من العراقيل تجاه هذا الانضمام، بدأت أنقرة باتباع سياسة جديدة تتعلق بتجاوز الموقف الجماعي المتصلب، عبر خلق علاقات استراتيجية وثنائية مع عدد من الدول الأوروبية. اليونان كانت محط الأنظار منذ البداية، فهي قريبة لدرجة التشابك مع الحدود التركية، كما ترتبط الدولتان، المجتمعتان تحت سقف حلف الناتو حاليا، بالكثير من الروابط التي وثقها الجغرافيا والتاريخ المشترك، حيث عاشت اليونان كجزء من الدولة العثمانية لما يقارب الأربعة قرون.
مع كل هذا فإن البلدين باتا ينتميان اليوم لعالمين مختلفين، إن لم يكونا متناقضين، الإسلامي الشرقي التركي من جهة، والغربي المسيحي اليوناني من جهة أخرى. يعلم المتابع أن كل العوامل والارتباطات والإرث المشترك، لم تنجح في خلق علاقة صحية بين البلدين، فلعقود طويلة طغت على هذه العلاقة سمة التشاكس والتنافس، الذي غذّاه متطرفون باستخدام الذكريات التاريخية، والتركيز بدلا عن الإرث المشترك على الثارات الواجبة وعلى سير النزاعات والحروب التي شهدتها المنطقة، وذلك للتدليل على استحالة نجاح التطبيع الكامل بين البلدين.
نقلت زيارة أردوغان تركيا واليونان من مرحلة حافة الهاوية ومن علاقة هي أقرب للعداء، إلى مرحلة توقيع تعهد صداقة وحسن جوار جديد
منذ وقوعها في أزمتها الاقتصادية الشهيرة ظلت اليونان أسيرة للتوصيات الأوروبية. كان الاتحاد الأوروبي، الذي يرى أن مصلحته تقتضي بقاء البلد في نطاق اليورو، يساهم في دعم ميزانية أثينا، حتى يساعدها على الثبات في مواجهة ما كانت تعانيه من عجز وركود اقتصادي. في مقابل هذه المساعدات كان «الأصدقاء» الأوروبيون يطلبون من الحكومة اليونانية ليس فقط تنفيذ مطالب متعلقة ببنود الصرف الداخلي، وإنما أيضا أن تقدم خدمات للسياسة الخارجية الأوروبية، التي كان من أولوياتها ممارسة ضغوط على تركيا، التي كانت تلعب أدوارا إقليمية متعاظمة، عبر ملفات كان تمتلك أثينا القدرة على إثارتها، وعلى استفزاز تركيا بواسطتها، كالحدود البحرية وحقول شرق المتوسط والقضية القبرصية وغيرها. على مر العقود السابقة كان هناك تعقيد حول موضوع جزر بحر إيجة، التي جعلها الترسيم الحدودي تابعة لليونان، في حين أنها أقرب إلى السواحل التركية، هذا التعقيد لم يكن يقضم فقط بعض أراضي تركيا التاريخية، ولكنه كان يجعل تركيا الحالية عاجزة عن الاستفادة مما هو حولها من موارد بحرية. هذا الوضع الشاذ، لكن القائم والمعترف به ضمن الخريطة السياسية الحالية للعالم، كان أحد نتائج التدهور، الذي وصلت إليه الدولة العثمانية في أيامها الأخيرة، حين بدأت تنهشها الدول الأوروبية وتتقاسم أراضيها، ما شجع اليونان، مسنودة من قبل إيطاليا، على احتلال مدينة أزمير ومجموعة من الجزر. من المهم أن نتذكر أن الصراع بين البلدين لم يكن في أي مرحلة من مراحله صراعا ثنائيا، بل كان الأوروبيون جزءا منه، منذ أحداث الثورة اليونانية، التي اشتعلت في عام 1821 ووجدت الكثير من الدعم والمتطوعين الأوروبيين، مرورا بدور المؤتمرات والمعاهدات التي رعتها القوى الأوروبية في لندن 1913 ولوزان 1923 وباريس 1947 والتي جاءت جميعها في غير مصلحة تركيا. مؤخرا كان الأمر قد وصل حد التخوف من الانزلاق إلى حرب بين البلدين، بعض الكتابات الأوروبية وكثير من المحللين كانوا يبشرون باقتراب المواجهة. فرنسا الرسمية كانت قد أعلنت تضامنها المطلق مع اليونان، في حين أوعز لها خبراء ببناء ترسانة عسكرية وشراء المزيد من السلاح لتكون على أهبة الاستعداد. اليونان قامت بذلك بالفعل، فكانت الأنشط في تنفيذ توصية حلف الناتو حول زيادة ميزانية الإنفاق العسكري، بل إنها مضت لما هو أبعد عبر تسليحها عددا من الجزر المقابلة للسواحل التركية في خطوة استفزازية ومتناقضة مع التعهدات الخاصة بجعل هذه الجزر منزوعة السلاح. مع تعبير الأتراك عن جاهزيتهم لصد أي عدوان، وهو ما صرح حوله الرئيس التركي بنفسه بشكل قوي وواضح، لدرجة أن البعض قرأه كتلويح بالحرب، إلا أنهم كانوا يشيرون في الوقت ذاته إلى أن هناك حلا بديلا آخر هو توسيع التعاون والتفاهم المشترك، بما يخدم مصلحة البلدين ويجعل الربح من نصيب الجميع.
الأمر زادت حساسيته خلال العامين الأخيرين، وكانت ذروته تصريح أردوغان قائلا، إنه لن يتحدث مع ميتسوتاكيس مرة أخرى. كان الأمر مرتبطا بالنزاع حول حقوق الانتفاع من الثروات الطبيعية، خاصة الغاز المكتشف، الذي لم يكن بإمكان تركيا أن تظهر أي قدر من التنازل عن حقوقها فيه، ذلك النزاع فريد من نوعه، لدرجة أن قوانين البحار والمنظمات الدولية ذات الصلة، بما فيها محكمة العدل الدولية، كان يصعب عليها أن تحكم حوله. كانت رسالة القمة هي أنه لا توجد مشكلة غير قابلة للحل عبر الحوار، وهو ما أكد عليه الرئيس التركي بقوله، إن مسألة جزر بحر إيجة، أو الهجرة غير النظامية، أو الأقلية التركية في اليونان كلها أمور يمكن أن تحل بالحوار المستند إلى النوايا الطيبة. أردوغان اعتبر أيضا أن هذه الزيارة تمثل بداية ما سماه «عهدا جديدا» من العلاقة بين البلدين، وهو وصف صحيح بالنظر إلى ما حققته من اختراقات، فإلى جانب ملف العبور البحري، الذي حسم عبر الاتفاق على السماح للمواطنين الأتراك بدخول الجزر اليونانية، من دون تأشيرة مسبقة، وملف الهجرة، الذي مدح رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس تركيا على تعاونها فيه، كان التقارب نفسه وإعلان قيادتي البلدين طي صفحة الخلافات من أهم إنجازات الزيارة. نقلت زيارة أردوغان البلدين من مرحلة حافة الهاوية ومن علاقة هي أقرب للعداء، الذي وصل حد تحريض اليونان للأمريكيين على وقف تصدير الطائرات إلى تركيا، إلى مرحلة توقيع تعهد صداقة وحسن جوار جديد.
بالنسبة للجانب اليوناني كان ملف الهجرة غير الشرعية من الملفات الحساسة، لدرجة اتهام تركيا إبان أزمة سابقة، بأنها تستخدم المهاجرين كسلاح. صحيح أن هناك اتفاقا أوروبيا مع تركيا بشأن إعاقة وصول المهاجرين مقابل حزمات مالية، إلا أن خرق هذا الاتفاق لم يكن يضر الاتحاد الأوروبي، أو أي بلد آخر، بقدر إضراره باليونان، الأقرب إلى الحدود التركية. في مسألة الهجرة، وكتعاملهم مع دول مثل إيطاليا، فإن الدول الأوروبية الأكبر كانت تعتبر أن المسألة تخص الدول التي حطوا فيها رحالهم أولا، والتي يجب أن تتكفل بشؤونهم، بما فيها رعايتهم حتى يتم البت في طلبات لجوئهم. لم تضع الزيارة إجابات نهائية على كل أسئلة الخلاف بطبيعة الحال، حيث يتوقع أن يستمر الحوار من خلال زيارة مقبلة لرئيس الوزراء اليوناني لأنقرة، ومن خلال مجالس تعاون وحوار فنية مشتركة، لكن المهم هو أنها نجحت في لفت الانتباه إلى ما يجمع البلدين، خاصة في جانب التجارة والاستثمارات المشتركة، باقتراح تسهيل التبادلات، وإعلان هدف مضاعفة حجم الميزان التجاري وهو ما يحتاجه البلدان، اللذان يأملان في توسيع خياراتهما في ظل أزمة التراجع الاقتصادي التي يعيشانها.
كاتب سوداني
حيث عاشت اليونان كجزء من الدولة العثمانية لما يقارب الأربعة قرون…. لذلك يقول المثل الكبير كبير.. فمن المؤكد لتركيا حقوق موروثه لاتنساها رغم التحولات الكبيره في النظام العالمي الحديث…
الثعلب الماكر الطاغية اوردوغان ممثل بارع لا يمكن الاعتماد عليه والوثوق باقواله و تعهداته لانه متقلب وله احلام توسعية وامبراطورية يتصيد بالماء العكر الغاية عنده تبرر الواسطه عدوانى يتدخل ويحتل اراضى دول اخرى يتظاهر بانه انسانى واسلامى وحمل وديع وفى الحقيقه والواقع لا يؤمن بالحرية والتعايش والسلام وحقوق الانسان و يمارس القمع والاضطهادو ارهاب الدولة مع شعبه الكوردى المطالب بحقوقه المسلوبه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أثينا وأنقرة: فرص إذابة الجليد. زيارة أردوغان إلى اليونان المفروض لمدة يومين ولكن أردوغان مكث بضع سعات وهذا سبب الهجوم على ميتسوتاكيس واتهامه انه تنازل عن حق اليونان في أشياء شديدة الخلاف بين اليونان وتركيا وأردوغان حضر للتوقيع فقط بعد ترتيب الاتفاق على جميع التفاصيل بين البلدين عن طريق خارجية اليونان وتركيا وهذا كلام أحزاب المعارضة. ولكن موضوع لوزان هذه الاتفاقية أكبر مشكلة بين البلدين ومن رابع المستحيل حل المشاكل بدون رجوع هذه الجزر إلى تركيا وإذا كانت تركيا واليونان الان في محاولة إذابة الجليد بينهم هذا لظروف اقتصادية لتهدئة الشد المستمر بين البلدين والاحتياج الشديد لكل منهم لتحسين الاقتصاد وبعد ذألك محاولة وجود مخرج لهذه الجزر ولان يكون على حساب تركيا واردوغان يريد التحكيم الدولي وتعديل اتفاقية لوزان وهذه الجزر تعتبر داخل تقسيم المياه التركية ولهذا من المستحيل يتنازل أردوغان عن هذه الجزر واليونان تعلم هذا جيدا والمسألة مسألة وقت مش اكثر وفي يوم من الأيام اكيد ستشتعل الحرب بين البلدين وفي حالة دخول تركيا السوق الأوربية سيتم ابعاد شبح الحرب لفترة ودخول تركيا السوق الاوربية أيضا صعب والسبب الإسلام. وشكرا
التعليق للصورة: علم تركيا بالهلال وعلم اليونان بالصليب…ذكّرني بهتاف أنصار حزب الوفد المصريّ أيام سعد باشا زغلول:
{ يحيى الهلال مع الصليب }.ثمّ ولدا نجمة داوود.