عمان – «القدس العربي»: السجال الذي اندلع في المشهد السياسي الأردني تحت عنوان الأحزاب السياسية والمال السياسي ودوره، لا يقف عند حدود الإيحاء بصراعات داخلية مبكرة لها جذور مع بعض مراكز القوى فقط، لكن جزءاً من هذا السجال الحيوي يعني توفر أرضية لنقاشات حادة قليلاً وصريحة في أغلب الأحيان، يمكن أن تخدم تمكين مشروع تحديث المنظومة السياسية والحياة الحزبية، بمعنى تنقيتها قدر الإمكان من الشوائب بعد غياب كبير لظاهرة الأحزاب السياسية في البلاد استمر عقوداً، وبعد الترتيبات التي وضعت لكي تتمركز وتتموقع تلك الأحزاب السياسية في خارطة الفعل والاشتباك خلال السنوات التسع المقبلة تقريباً.
بمعنى آخر، لا يمكن القول فقط إن الحديث المبكر عن تأثير وبصمة ونفوذ المال السياسي في التجارب الحزبية والبرلمانية والانتخابية لاحقاً، هو صورة سلبية كما يحاول البعض الإيحاء بها، وعلى أساس القناعة بأن هذا النمط من الجدال يشوه العمل الحزبي، لكن هذا النقاش هو محور الثقافة الحزبية على نحو أو آخر، ويمكن الاستناد إليه في فرز تلك الرسائل النبيلة ذات القيمة المعنوية التي تنفي الشبهات في النتيجة وتدعو أو تعمل على أساس الشفافية المطلقة لتجويد الصنع والمنتج الحزبي.
على هذا الأساس يقترح الأمين العام لحزب إرادة، وهو أحد أهم الأحزاب، بأنه لا أحد ينبغي أن يمارس الوصاية على الشعب الأردني ولا على الأحزاب السياسية، مشيراً على هامش نقاش مع “القدس العربي” إلى أن ظاهرة إلقاء الاتهامات جزافاً، لا تخدم بنية الخطاب الحزبي المنطقي، وإن كان من حق الصف الحزبي أن يناقش بمسؤولية بعد الآن كل الملفات والقضايا. قد يكون مثل هذا الرأي دقيقاً، لكن الأحزاب السياسية عموماً خرجت متعافية من النقاش الذي أثارته قيادة حزب الميثاق تحت عنوان نفوذ وتأثير ودور المال السياسي المحتمل. وأقرب نقطة إلى الحديث عن تمتين وتمكين الخطاب الحزبي وسط الجمهور هو تدشين حالة يمكن للأحزاب السياسية دون وقبل غيرها أن تظهرها بصيغة القدرة على نقاش قضايا كانت مكتومة ولا يتحدث عنها الأردنيون بالعادة، لا الرسميون ولا الأهليون، من باب التكتم الشديد باعتباره الثقافة السياسية السائدة.
وهنا يمكن لفت الأنظار إلى أن نقاشات الأحزاب الوسطية أو الجديدة نفسها التي جرت على أساسي المال السياسي ودوره، إيجابية في نهاية المطاف، وتخدم المنطوق والمضمون الحزبي؛ لأنها عملياً تحفز قيمة الحوار والقدرة على طرح القضايا المسكوت عنها أو حتى الحساسة بصورة علنية. وهي الوظيفة التي يفترضها جميع كبار المسؤولين وطهاة مطبخ القرار، كنتيجة لـ 9 سنوات مقبلة من التمرس في العمل الحزبي.
لكن المسألة يجب ألا تدخل في نطاق الحساسيات، لأن دور وواجب الحزبيين بعد الآن هو الطرق على أبواب الخزانات والإصغاء لأصوات محبوسة، وقياس النتائج واختراع الوصفات. وهذه الثقافة -برأي السياسي محمد الحجوج- هي التي ينبغي أن تسود بعد الآن. لذا، الجاهزية مطلوبة ليس من الناس وليس من الحزبين فقط، ولكن من الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، لكي تدخل جميع الأطراف ليس في لعبة الأواني المستطرقة بمعنى التجاوب ورد الفعل، ولكن في لعبة التحدث في القضايا العامة والهم العام بصراحة مطلقة، حتى وسط نخبة ومكونات اجتماعية لا تدخل الصراحة في نطاق طقوسها وتقاليدها الموروثة.
وعلى هذا الأساس، يمكن النظر إلى النقاش الذي أثاره عضو مجلس الأعيان والأمين العام لحزب الميثاق، الدكتور محمد المومني، في سياق المال السياسي.
الملاحظ بالمقابل، أن فكرة وجود أحزاب بدأت تتموقع أكثر في خارطة الفعل السياسي، لا بل بدأت تثير الانتباه خصوصاً أن التعديل الوزاري الأخير ضم وزراء 4 ينتمون الى الأحزاب الموجودة والمرخصة حالياً، الأمر الذي يكرس فكرة أو مقترح أو قيمة فكرة انتقاء الوزراء بعد الآن من الأحزاب السياسية.
وبدا واضحاً هنا أن الاستعانة بوزراء حزبيين -وإن كانت تمت من وزراء اللون الواحد في المرحلة الأولى وفي التعديل الوزاري الأخير- قد تكون مقدمة إيجابية لتغيير نمط الانتقاء وتغيير قواعد الاشتباك بالمعنى الإيجابي مستقبلاً.
وهي تعبير عن صنف من التمهيد الذي حظي بغطاء سياسي، إضافة إلى ذلك يمكن للملاحظين ببساطة رصد وجود شخصيات حزبية حتى في أكثر من موقع، ليس داخل مؤسسات مثل السلطة التنفيذية أو مجلس الوزراء ومجلسي النواب والأعيان فقط، ولكن أيضاً في نطاق التشاورات والحوارات المرجعية التي تجرى مع ممثلين للمجتمع.
بعض ممثلي المجتمع باللون الحزبي يجلسون الآن مع غيرهم في دوائر أو مشاورات واجتماعات تشاور لمراكز القرار المتقدمة. وهذه الخطوة تبنى على الواقع الموضوعي وتوحي ضمناً بأن الإرادة السياسية معنية فعلاً بإطلاق الأحزاب المرحلة المقبلة، وإن كانت المؤسسات الرسمية هي التي ينبغي أن تحمل على كتفيها هذا المنطق والخطاب بعد الآن لكي تخرج البلاد، حزبياً على الأقل، من مستويات الاشتباك الرقمي البائسة التي تقول بموجب آخر استطلاع إن عدد الأردنيين الذين انضموا إلى الأحزاب السياسية رغم مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد، لا يزيد على 1% فقط.
لماذا إصرار على إيجاد أحزاب بالبرلمان فيكفي النظر لما فعلته أحزاب عبر العالم من فساد وأجندات مخفية ورشاوي واضطراب بأجندات معلنة ونكث وعود إنتخاب ومحاصصة مناصب وغنائم وولاء لجهات أجنبية، إذن أفضل أن يأتي ممثلوا الشعب للبرلمان فرادى بدون خلفية حزبية وأجندة مسبقة وبدون التزام بعقيدة فاسدة أو اتجاه جهات خارجية مغرضة وأن يضمن قانون إنتخاب توزيع تمثيل على شرائح المجتمع بمختلف منابته وطوائفه وعشائره ونسائه وشبابه وأن يستعينوا بمستشارين متخصصين بكل قضية تطرح لإيجاد حل مناسب وتحقيق مصالح الشعب والدولة.