أربعة أخبار قاتلة

بينما يستمر التوتر العسكري في منطقة الشرق الأوسط سواء في فلسطين والحدود مع لبنان، أو الجبهة التي قد تنفلت من السيطرة بين إسرائيل وإيران، تتسرب أخبار ومعطيات حساسة للغاية، ترمي إلى التغليط الإعلامي، والتأثير الخفي على ذهنية المتلقي، الذي هو في هذه الحالة المواطن العربي من جهة، ولا تحظى بالتحليل الكافي من جهة أخرى.
وكثيرة هي الأخبار التي يستوجب التوقف عندها، لاسيما في ظل تعدد مصادر الأخبار بسبب انفجار المشهد الإعلامي، لتسهيل الإنترنت إنشاء مواقع تكون ضمن الحرب الإعلامية، التي لا تقل خطورة عن الحرب الحقيقية، لأنها تسعى إلى التغليط الحقيقي لربح الرأي العام العالمي، أو تكون أخبارا خطيرة يتم تهميشها بعدما تكون قد صدرت كحالة انفلات. ويمكن الاقتصار هذه المرة في حالة حرب قطاع غزة على أربعة معطيات حملها المشهد الإعلامي العام، من مصادر متعددة حول حرب قطاع غزة، ولم يتم التوقف عندها كثيرا وهي: رقم 99% بشأن اعتراض إسرائيل للمسيرات والصواريخ الإيرانية، ثم قرار واشنطن معاقبة كتيبة من القوات الإسرائيلية لارتكابها اعتداءات في حق فلسطينيين في الضفة الغربية، يضاف إلى هذا تصريحات الرئيس الأسبق للحكومة الإسرائيلية إيهود باراك حول الأطروحة الدينية لأفراد الحكومة الحالية في الكيان، وأخيرا استعمال الذكاء الاصطناعي في ملاحقة أعضاء حماس لاغتيالهم.

إلى جانب الحرب العسكرية الوحشية، تمارس إسرائيل البروباغندا الإعلامية للتغليط، وهي أخبار قاتلة تخلف ضحايا

وعلاقة بالنقطة الأخيرة، وهي استعمال الذكاء الاصطناعي في ملاحقة أعضاء حماس، إذ في ظل الانتقادات التي جرى توجيهها الى الكيان بشن حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، خاصة قتل أكثر من 12 ألف طفل، قام صناع البروباغندا الصهيونية بتوزيع تقارير خلال أكتوبر/تشرين الأول وفبراير/شباط الماضيين وأبريل/نيسان الجاري على وسائل الإعلام في الغرب مفادها استعمال قوات الجيش الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي في تعقب أعضاء حماس. ويبرز التقرير مقتل 17 ألفا من قوات حماس بفضل هذه التقنية. تبدو جلية للغاية عملية التغليط الكبيرة وهو التغطية على موت المدنيين، وإذا كانت هناك وفيات، فهي لا تتعدى كونها ضحايا جانبية للذكاء الاصطناعي. إسرائيل تبرئ نفسها وتنسب القتل لأخطاء الذكاء الاصطناعي. ونشرت بعض الصحافة العربية الرقمية وقنوات التلفزيون الخبر دون إخضاعه للتمحيص والقراءة لمواجهة التغليط. ودائما في الجانب العسكري، مباشرة بعد شن إيران هجومها الشهير على إسرائيل ليلة 14 أبريل الجاري، قامت القيادة العسكرية للكيان الصهيوني ساعات بعد ذلك بتوزيع أخبار عن اعتراض 99% من الصواريخ الباليستية والمجنحة، وكان الهدف من هذا الرقم هو التقليل والتبخيس من حدة الهجوم. وتقبل جزء كبير من الإعلام الدولي هذه الفرضية، من دون تأويله في البدء وإخضاعه للنقاش، وسقط عدد من ناشطي شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي في فخ 99%، وبدأوا يتحدثون عن أن الهجوم هو مجرد مسرحية. ومن المفارقات العجيبة أن هذا الرقم السحري كان يجب أن يدفع الناس الى التريث، لأنه من الأرقام المحفوظة للأنظمة الديكتاتورية خلال الانتخابات، والاستشارات الدستورية. وكما تستعمل الأنظمة الديكتاتورية هذا الرقم للتغليط والكذب، فقد استفاد الكيان من تقنية هذه الأنظمة. وعادة لا يصدق العالم انتخابات 99%، وهو ما حصل مع إسرائيل، إذ كشفت الصحافة الإسرائيلية أن نسبة الاعتراض هي 84%. وكما عودتنا إسرائيل، فستكشف عن نسبة أعلى مستقبلا، كما فعلت مع حرب العراق الأولى سنة 1991 وحرب يوليو/تموز سنة 2006. وما لم تقله إسرائيل هو اعتمادها على الولايات المتحدة لاعتراض أكثر من ثلث القذائف الإيرانية، وقد يكون الرقم أعلى. ويكفي التذكير بلجوء البنتاغون لأول مرة في تاريخه لاستعمال أنظمة الصواريخ الدفاعية للطيران «الدرع الصاروخي» لاعتراض الصواريخ الباليستية الإيرانية. وهو معطى دخل التاريخ العسكري مثله مثل معطى استعمال روسيا لصواريخ فرط صوتية لأول مرة في التاريخ في هجوم لها يوم 18 مارس/آذار 2022 على أوكرانيا.
كما كان مثيرا للدهشة، كيف تناول الإعلام الدولي، وخاصة الإعلام العربي معه يوم 22 أبريل الجاري خبر عزم الإدارة الأمريكية «فرض عقوبات» على كتيبة «نيتسح يهودا»، إحدى تشكيلات الجيش الإسرائيلي، التي كانت تنفذ الجزء الأكبر من عملياتها في الضفة الغربية المحتلة، بدعوى تورطها في خروقات خطيرة، ولا تحترم قانون الحرب. ما محل مثل هذا القرار الأمريكي في وقت رفضت فيه واشنطن هدنة وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، رغم مقتل 12 ألف طفل، بما في ذلك قصف القوات الإسرائيلية لمستشفيات وقتل الأطفال الخدج والنساء الحوامل. هذا الخبر يذكرنا بخبر مشابه مفاده تحقيق قيادة الكيان الصهيوني مع جنديين إسرائيليين بسبب معاملتهما السيئة لبعض الأسرى الفلسطينيين. كيف يمكن قبول مثل هذا الخبر في وقت قامت فيه القوات الإسرائيلية بقتل أكثر من 34 ألف فلسطيني بصورة بشعة فاقت حروب القرون الوسطى.
ويبقى الخبر الأخير وهو الأخطر لأنه لم يحظ بالاهتمام الكافي من طرف وسائل الإعلام العربية، ويتعلق بما اعتبره رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود باراك في تصريحات للقناة الفرنسية «إل سي إي» يوم 16 أبريل الجاري بأن الوزراء المتطرفين في حكومة نتنياهو يريدون التصعيد والحرب للتعجيل بقدوم المسيا، وهو «إنسان مثالي من نسل الملك داود، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي». هذا التصريح يفسر إلى أي حد يواجه الفلسطينيون حكومة متطرفة دينية تعتقد في تطبيق رسالة سماوية للقضاء على الفلسطينيين والتمهيد لقدوم المسيح المخلص. وهذا ما يفسر مستوى الوحشية الذي تمارسها إسرائيل في هذه الحرب. إلى جانب الحرب العسكرية الوحشية، تمارس إسرائيل البروباغندا الإعلامية للتغليط، وهي أخبار قاتلة تخلف ضحايا.
كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتور جمال البدري:

    لك خالص التقدير…لا أبخس من أحد القول إنكّ ياأستاذ حسين مجذوبي أبرز الكتّاب العرب الذين يصنعون من الخبر أشعة ليزر إعلاميّة { تحطم } أصنام الكلمة الوثنيّة؛ فتدخل روح الأمل والمسرّة إلى هيكل المقالة…محاطة بالبركة.حقًّا
    تجيد الكتابة؛ والكتابة موهبة نافذة؛ بعد صقل وبري السّهم والقوس نحو الهدف لتحقيق الإصابة.لقد جمعت أربعة أخبار…لتجعلها أربع نوافذ نرى من دون غبش ومن خلالها { المشهد } بوضوح رؤية؛ دون ارهاق للقراء كافة.

  2. يقول ابو نادره:

    شكرا لجهدك .. نقاط تستحق التوقف خاصه نظره يهود باراك حول المنتظر !!

  3. يقول كاتب مغربي:

    ومنين؟

  4. يقول وفاء:

    مقال مميز, كل الشكر والتقدير للاستاذ حسين

  5. يقول عالية:

    مقال ممتاز، ينبه الجمهور إلى وجود حرب أخرى تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، فبالإضافة للإبادة الجماعية المادية التي يتعرض لها الفلسطينيون بالسلاح الأمريكي والغربي والإسرائيلي، فهناك حرب أخرى ذات طبيعة إعلامية تؤدي وظيفة رمزية تهدف إلى تبرير ما يقوم به جيش الاحتلال وتسويغه للعموم بطرق مختلفة. لكن الوقائع في الأرض أكبر من هذه البهلوانيات الإسرائيلية، بدليل المظاهرات الضخمة التي تجتاح كبريات الجامعات والمدن في جميع أنحاء العالم، وبالتحديد في الأماكن التي مثلت معاقل للدعاية الصهيونية.
    رغم المحاولات اليائسة التي يلجأ إليها الكيان الصهيوني، فإنه بات، ليس فقط عاجزا عن تحقيق ما يسميه ((النصر المطلق))في حربه على غزة، وإنما أضحى كيانا مفضوحا ومكشوفا من حيث عنصريته وإجرامه وعدوانيته. بطبيعته المتأصلة فيه، هذا الكيان إلى زوال من المنطقة العربية الإسلامية، طال الزمن أم قصر. والشكر للأستاذ حسين على المقال الهادف..

  6. يقول Anon:

    عودنا الأستاذ المحترم على التحليلات الموضوعية من زوايا متعددة و لا يتبع القطيع في تحليلاته

اشترك في قائمتنا البريدية