أربعة محاذير يفضّل أن تتجنّبها الدراما التلفزيونية السورية، قد يصيبها النجاح إن فعلت:
1- ألا تقترب على الإطلاق من الحبكة البوليسية، لأن المساعد جميل، وهذا صورة إذاعية ملطفة جداً عن حقيقة ما يجري في أقبية السجون، سيبدّد الحبكة من اليوم الأول، من الحلقة الأولى. في سوريا لا وجود لتقاليد مهنية أو إنسانية في التحقيقات الجنائية، كما لا وجود لحقوق تُتلى على المتّهمين أو المشتبه بهم. ما من متهم يستدعيه فرع الأمن الجنائي ثم يفلته من دون بساط ريح، وهذا أضعف الإيمان، أما لمن لم يُجدِ معه البساط فثمة أساليب قادرة على جعل الحمار يعترف ويكرر في السرّ والعلن بأنه ليس سوى أرنب.
2- يصعب أن تمرّ على المُشاهِد شخصية رجل الأمن الذي يمثّل القانون، الدولة، العدل، ذاك الذي يميل إلى تحدي رؤسائه في سبيل الحقيقة وإحقاق الحق، على غرار ما نجد في الأفلام والمسلسلات الأميركية. هذا الرجل، إن وجد، سرعان ما سيتحوّل إلى فاسد، أو متوحش، أو أنه سيُزاح فوراً من منصبه، لمصلحة متوحش متمرس.
3- أن تجد خريطة سوريا في مكتب مدير (فما بالك بمسؤول أمنيّ!) بدلاً من صورة بشار الأسد أو أبيه، ضرب من السيريالية.
4- الممثل فايز قزق بات محذوراً لا يستهان به، فلقد أثبت على الدوام أن أداته الوحيدة في فن التمثيل هي الزعيق، بما يضمن انتقال المشاهد إلى شاشة أخرى، أو إطفاء الصوت ريثما يمرّ المشهد.
يتصدى المسلسل السوري «قيد مجهول» (للمخرج السدير مسعود) لدراما نفسية يعاني بطلها من «اضطراب الهوية التفارقي» . لا ندري لمَ يحاول صنّاعه زيادة الأمر غموضاً بخلق متاهة ونصب فخاخ توحي بأن العمل يتحرك ضمن حبكة بوليسية وأن أبطاله يخوضون صراعاً مستحيلاً مع المافيا المحلية!
على أي حال وصلت الفكرة، فَهِمَ المشاهد أن للبطل المهزوم (الممثل عبدالمنعم عمايري) شيطانه وبطله الخاص (الممثل باسل خياط) لا يفارقه على الدوام، خصوصاً في لحظاته الصعبة. هذا أمر مألوف في الدراما، فلم يكن طيف هاملت الأب سوى «ذات منشطرة عن أخرى لهاملت، وساحرات ماكبث هنّ الذات الآثمة لمكبث الطموح والبطل، وشبح بانكو هو ضمير ماكبث ولا وعيه» .
المشكلة في «قيد مجهول» هي في «الشلف» أي في عمل مشاهد وشخصيات غير مدروسة ولا محسوبة. نفهم أن يكون للبطل المعتر، المهزوز، الذي بلا هوية، بطله الخاص القوي الجبار، يلجأ إليه، فينتصر لكرامته، ويزوّده بالأفكار الشيطانية الشريرة، لكن ذلك يحدث هنا من دون منطق. نحسب إن لكل امرئ بطلاً على هواه؛ الشيطان الخاص بسمير (وهذا هو اسم بطل العمل المهزوز) سيولد من معرفته وتجربته وعالمه هو بالذات، لا من عقل المخرج أو الكاتب. لا مشكلة ما دام يتعلق الأمر بالمخيلة، داخل رأس سمير، يمكن افتراض أن سمير استعار تلك الشخصية من مشاهداته السينمائية. المشكلة عندما يتصرّف سمير، الرجل الذي بلا حول ولا قوة، ذو الكرش، أبو بنطال «سالت» ، في الواقع كما لو أنه هرقل. الشخص الذي يهرب من محل المجوهرات ولا تتمكن قوة الأمن الجنائي من هزيمته هو في الواقع سمير المتعثّر في سرواله، لا يزن (اسم الشخصية التي يلعبها خياط) الشيطان الخارق. كذلك فإن القاتل في الواقع هو سمير، فمن أين له هذه المقدرة الفائقة على اختراق غرفة نوم القتيل فاحش الثراء، مع فرصة التفكير بانتزاع الخاتم الأثري باهظ الثمن من يد الضحية، علماً أن كل ما أراده الرجل هو الانتقام لنفسه وردّ الصفعة.
باختصار؛ يستطيع هاملت (بلا تشابيه) أن يستحضر في مخيلته طيف أبيه كيفما شاء، لكنه لم يستطع قتل عمّه المستبدّ، واسترداد العرش، فهو في الواقع ذلك «المثقف» الجبان، المتردد، الحائرـ لم يستطع رغم مكانته العالية كأمير. أما سمير!
مشاهدو التلفزيون على موعد مع مسلسل كان يعدّ له المخرج السوري حاتم علي قبيل رحيله، ثم تسلّم دفة إخراجه مواطنه الليث حجو. نبحث عن آخر أخبار العمل فيطالعنا ريبورتاج مصور لزيارة السفير السعودي في القاهرة لموقع التصوير. التقرير المصور يثير الشك بأنك لست أمام المسلسل نفسه، فهنا يجري الحديث عن تجربة سعودية مصرية مشتركة، من دون أي إشارة إلى سوريين، ولا حتى ذكر المخرج الحالي!
معلوم أن العمل يتحدث عن فترة من الحكم العثماني في المنطقة، هي فترة السفربرلك، وهو لا شك مصنوع في ضوء التناحرات السياسية المستجدة.
هل يتنصّل الفريق السوري من العمل، أم أنه مستبعد عن قصد؟ ربما تحمل الليلة شيئاً من الجواب.
نستمع إلى روائي مستجد يتحدث لإذاعة «مونت كارلو الدولية» يروح يؤكد أنه ضد العنف، وأنه كم كان يتمنى الكتابة عن الورد وما شابه، لكنها الحرب! يكرر أنه ضد العنف حتى ظنناه غياث مطر، فتى داريا الذي كان يوزع الورد على الجنود قبل أن يفرموه!
وددنا لو نسمع مرة روائياً أو مبدعاً (أو حتى ديكتاتور) في أنحاء العالم يقول إنه مع العنف! مستحيل طبعاً. وبالتالي لا يمكن لهكذا عبارات أن تثبت أنك فعلاً ضد العنف. على الأقل دعنا نسمع منك كلمة خلال العشرية المرعبة تشي بأنك تدين النظام القاتل المتوحش في بلدك، أحد أخطر مصانع العنف والقتل في التاريخ، فما بالك أنك كنت تسرح على شاشته، وتستفيد من فرص سينما ومسرح وكتب وسواها، تركَها مبدعون هجّوا من بطش النظام، أو رفضوا أن يكونوا جزءاً من آلته.
بَثَّ «تلفزيون سوريا» تقريراً عن عثور عائلة سورية نازحة على وليد في البرية في أيامه الأولى، فرَعَتْه كواحد من أبنائها. حادثة ليست نادرة في الحرب، وكان بإمكان التلفزيون أن يسلّط الضوء عليها كظاهرة لها أسباب مفهومة، كما في كل الحروب المتوحشة. ولقد شاهدنا منذ فترة مقابلة، على شاشة أخرى، مع مسبية من داعشي أنجبت منه ثلاثة أطفال، ثم تخلت عنهم لدار أيتام، ولا تحمل لهم أي أثر من حب أو عطف.
تقرير «تلفزيون سوريا» لم يغطّ وجه الطفل، الذي يبلغ من العمر الآن بضع سنوات، كما لم تغطّ وجه الأب، وبالتالي فمن لم يعرف سابقاً عن الطفل من جيران وأقارب، بل وربما إخوته في العائلة الجديدة، قد بلغه الخبر الآن، ولن تعدم من ينظر ويتصرف مع الطفل على نحو يدمّره.
ملء فراغ الشاشة ليس أغلى من حياة طفل.
كاتب فلسطيني سوري
” قيد مجهول ” نسخة مُعرّبة عن فيلم “Fight Club” . أما الإخراج فهو توليفة من أساليب متنوعة منسوخة ، أحيانًا من أفلام الأكشن الأمريكية ، وأحيانًا من السينما الإيرانية أي أنه اسلوب اخراج تعفيش ، غير متماسك. جهد واضح من فريق التمثيل واجتهاد في جانب السيناريو ” المستعار ” مما قد يوحي بأنه مسلسل مختلف عن موجة الدراما السورية
شكرا لكم في القدس العربي والكاتب، بلاغة وبيان وتصوير دقيق ومؤثر وتعبير غيور.
مسلسل فاشل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى
والضجة التي أثيرت حوله مفتعلة ومن أدوات التسويق والترويج…
القصة متداخلة ولا تحتوي على فكرة مختلفة…
شاهدت أول حلقة وبعض من الثانية ولكنني قرفت من المتابعة. على العموم أنا غير مغرم بالمسلسلات. فلم يعد هناك فكر ولا طعم ولا لون. أين المسلسلات التاريخية الرصينة التي لا يمل المرء من مشاهدتها كمسلسل عمر بن عبد العزيز ومسلسلات المرحوم عبد الله غيث. الزمن تغير وللأسف نحو الأسوأ وإن كان الراحل المرحوم حاتم علي حاول أن يعيد الومن الجميل وقد أصاب بعض النجاح الذي يحسب له رحمه الله.