عواصم ـ «القدس العربي»: يبدو أن ملف شرق الفرات وضع على نار حامية جداً مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس، عزم بلاده على إطلاق حملة عسكرية في غضون أيام للقضاء على تنظيم «بي كا كا» الكردي المدعوم من التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة.
وأثارت تصريحات أردوغان تساؤلات محللين ربطوا تزامنها مع «تفاهمات مع واشنطن» إثر زيارة المبعوث الأمريكي الخاص جيمس جيفري ووفد أمريكي إلى تركيا أخيراً. وهذه المرة الأولى التي يعلن فيها أردوغان موعداً لبدء تنفيذ العملية، وذلك بعد أشهر طويلة من التهديدات المتتالية بالقيام بعملية عسكرية واسعة ضد تنظيم وحدات حماية الشعب الكردي، الذي تقول أنقرة إنه امتداد لتنظيم «بي كا كا» «الإرهابي ويشكل تهديداً كبيراً لأمنها القومي.
أشعلها تعاون «سعودي ــ إماراتي» لتدريب «جيب كردي»
ويعتبر الوجود العسكري الأجنبي أبرز معيقات المعركة شرق الفرات، حيث تنتشر قوات أمريكية وفرنسية بشكل كبير في تلك المناطق، ما يثير المخاوف من أن أي عملية عسكرية تركية واسعة قد تؤدي إلى صدام بين أنقرة وواشنطن الحليفتين في «الناتو»، وهو ما يجمع المراقبون على عدم رغبة أنقرة وواشنطن بحصوله مهما تصاعد الخلاف بينهما حول سوريا.
من جهته أكد المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، بريت ماكغورك، أنهم سيواصلون البقاء في سوريا لحين تشكيل «قوات أمن داخلية»، لضمان استمرار الحفاظ على المكاسب التي تم تحقيقها من التنظيم.
وجاء الرد الكردي سريعاً حيث قتل 5 مدنيين الأربعاء، بينهم طفلتان، وجرح العشرات في سلسلة انفجارات ضربت مناطق درع الفرات وغصن الزيتون في ريف حلب شمالي سوريا.
وحسب مصادر محلية فقد انفجرت دراجة نارية مفخخة في مدينة الباب شمالي سوريا أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين وجرح 10 آخرين كحصيلة أولية بانفجار مفخخ وسط المدينة، وتوجهت أصابع المسؤولية إلى الوحدات الكردية.
ويستبعد خبراء سياسيون وعسكريون أتراك حصول عملية عسكرية واسعة في الوقت الحالي، فإلى جانب الأسباب السياسية والعسكرية السابقة، فإن الرئيس التركي يرغب في استقرار سياسي واقتصادي نسبي يمكنه من العمل على الفوز في الانتخابات البلدية/المحلية الهامة والصعبة التي ستشهدها البلاد في آذار/ مارس المقبل.
وأعرب أردوغان عن قلقه حيال مساعي واشنطن في «إنشاء ممر إرهابي» عند حدود بلاده الجنوبية، وذلك في كلمة ألقاها خلال قمة الصناعات الدفاعية التركية في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، ولكنه ترك الباب موارباً فاسحاً المجال لتغيير في الموقف الأمريكي، حيث شدد على أن أنقرة ترى في أمريكا حليفاً استراتيجياً يمكن المضي معه في المستقبل شريطة الالتقاء على أرضيات صحيحة.
وأضاف أن «الولايات المتحدة غير قادرة على إخراج الإرهابيين من هناك؛ إذن نحن سنخرجهم فقد بلغ السيل الزبى»، معتبرا أن هدف العملية «ليس الجنود الأمريكيين على الإطلاق، وإنما عناصر التنظيم الإرهابي الذين ينشطون في المنطقة».
العقيد في الجيش السوري الحر فاتح حسون قال لـ«القدس العربي»، إن خمس قوى ترفض المعركة، وهي «الولايات المتحدة، روسيا، إيران، النظام السوري، والوحدات الكردية». ورأى الحاجة إلى تفاهمات دولية، وتجنب العوائق والتغلب على الصعاب التي تقف أمام المعركة، وضرورة حشد الرضا الدولي لانطلاقها.
من جانبه قال المحلل السياسي التركي حمزة تكين لـ«القدس العربي» إن العملية العسكرية التركية المرتقبة ستشمل كل المنطقة دون استثناء لأي عناصر إرهابية تابعة لتنظيم بي كا كا وب ي د، وبالتالي فإن الكلام عن عملية محدودة غير دقيق». وأضاف «لا تراجع في العملية، وإن تراجعت تركيا فستكون وحدة أراضيها هي المستهدفة».
من جهة أخرى علمت «القدس العربي» من مصادر أن الرئيس أردوغان اطلع على تقارير أمنية عميقة تؤكد بأن دولاً، من بينها السعودية والإمارات، أصبح لديها مخلب عسكري بمجموعات من المقاتلين الأجانب الذين تم إحضارهم إلى مناطق شرق الفرات في الشمال السوري تحت ستار برنامج تدريب مع شركة أمنية أمريكية تعمل مع الاستخبارات الأمريكية لحماية المنطقة وتنظيفها من تنظيم «داعش».
المؤسسة التركية طلبت، رسمياً، من الجانب الأمريكي، التدخل لدى الرياض وأبو ظبي وإقناعهما بإلغاء ذلك البرنامج التدريبي، على أساس أن هذه النشاطات تمثل تدخلاً مباشراً وسافراً في الأمن القومي التركي. وطوال مرحلة التحقيق في قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، واستناداً إلى مصدر تركي مطلع، كانت مواجهة ما بعد خاشقجي لها علاقة مباشرة بطموحات السعوديين وأصدقائهم لإقامة جيب عسكري نافذ لهم شرق الفرات، وتحت عنوان مطاطي باسم محاربة الإرهاب والتعاون مع الولايات المتحدة.