الرباط ـ «القدس العربي»: «لا يُنفق المغاربة سوى 35 درهما (3.5 دولار) للفرد الواحد على اقتناء الكُتب والقراءة سنويا» هذا ما كشف عنه وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي محمد مهدي بنسعيد في تصريح سابق، مؤكدا أن «ثقافة الكتاب تكاد تكون منعدمة».
عدم اهتمام جُلّ المغاربة بالقراءة، ظهر جليا على الأجيال الأصغر سِنّا، حيث كشف «البرنامج الدولي لتقييم المتعلمين» المعروف اختصارا بـ (PISA 2022) الذي تشرف عليه «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية» بهدف تقييم مهارات الطلاب البالغين من العمر 15 عاما في الرياضيات والقراءة والعلوم، أن الطلاب المغاربة في المدارس العمومية حصلوا على نتائج أقل من المعدل المسجل في باقي الدول المنتسبة للمنظمة. وسجَّلت نتائج التقييم تراجع المعدل المتحصل عليه من طرف الطلاب المغاربة في مجال القراءة بـ20 نقطة ليستقر عند 339 نقطة مقارنة بـ359 نقطة المسجلة في 2018، ليحل المغرب وفقا لذلك في الرتبة الـ79 في مجال القراءة.
«المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي» وقف عند نتائج البرنامج الدولي (PISA 2022) وعلّق عليها، كونها تؤكد من جديد، «الحاجة الملحة والمستعجلة لتعزيز تضافر جهود كل الأطراف المعنية للنهوض بالمدرسة المغربية والارتقاء بأدائها». ما حذا بوزارة التربية الوطنية (التعليم) إلى اعتماد مشروع «مؤسسات الريادة» انطلاقا من الموسم الدراسي المنصرم ضمانا لجودة التعليم وتطوير مهارات المتعلمين وعلى رأسها القراءة.
أزمة قراءة
تدني مستوى القراءة على اختلاف الفئات العمرية في المغرب، يعود إلى ضعف التنشئة القِرائية، وفق رشيدة رقي رئيسة «شبكة القراءة في المغرب» موضحة أن اكتساب عادة القراءة من الصِّغر في المدارس لا تكون بطريقة جيدة، بسبب تردّي المدرسة العمومية في المغرب وتهميش مكتبة المدرسة، إلى جانب غياب الاستئناس بالقراءة في مدارس البلاد. وأفادت رقي متحدثة لـ«القدس العربي» بأن المكتبة المدرسية سائرة في الاضمِحلال باعتراف وزارة التربية الوطنية (التعليم) نفسها، وتابعت: «حتى حين توجد مكتبة في مؤسسة تعليمية، يتحايل مدير المدرسة من أجل جعلها قاعة للمدرسين، أو قاعة للدروس، أو نقلها إلى مكان مظلم وأصغر مساحة، إذ لا يملك مديرو مؤسسات تعليمية وعيا قويا بأهمية وجود المكتبات في المدارس، وهي رسالة سلبية وغير مباشرة يفهم التلاميذ من خلالها أن القراءة والكتب لا أهمية لها».
هذه النظرة القاتمة لوضعية القراءة في المملكة، أكدها أيضا «اتحاد الناشرين المغاربة» الذي أفاد بأن «الكتاب يمر بمرحلة صعبة لم يسبق أن عرفها من قبل» مبرزا ضمن وثيقة صادرة في أعقاب مؤتمر الاتحاد الخامس تحت شعار «صناعة الكتاب.. قلب المشهد الثقافي» أن «الوضع المتردي للقراءة يرتبط بمصير أجيال تنغمس في وهم التقنية بكل أشكالها السلبية، دون خلفية ثقافية تُحصِّنهم من آفة التلقي السلبي، وأساس هذه الخلفية الثقافية وعمادها هو القراءة والكتاب».
بالنسبة لطارق السليكي، رئيس «اتحاد الناشرين المغاربة» ومدير «دار سليكي أخوين للنشر والتوزيع» فإن سوق «صناعة الكتاب» والنشر لم يسلم من التحولات التي طرأت على مناحي الحياة كافة، والنَّسق الصناعي والتجاري العالمي. ويرى المتحدث أنه بقدر ما يبدو ظاهريا أن صناعة الكتاب تأثرت، فإن النشر تطور، وبقدر التراجع الذي يعاني منه ترويج وتجارة الكتاب، فإن القراءة ازدادت، وارتفع عدد الكتب المنشورة، وفق تقديره. وأضاف «معنى هذا أننا نعيش في سياق التحولات التي أفرغت المفاهيم من حمولاتها الدلالية التقليدية. بدءا من مفهوم الصداقة وانتهاء بمفهوم التسوق». وأوضح رئيس «اتحاد الناشرين المغاربة» ضمن تصريح لـ«القدس العربي» قائلا: «نحن أمام قارئ مفترض، ومشترٍ مفترض، وتجارة مفترضة، منفتحة على الجغرافية الكونية بكاملها. إذ لم تعد الجغرافيا منحصرة في الحدود الوطنية، وإنما صار ممكنا أن نستقطب قراء وكتابا وزبائن من خارج الحدود» معتبرا أن الكتاب تحول في بُعده المادي إلى سلعة تحتاج إلى إعادة البحث عن سبل وأسواق غير تقليدية لترويجه.
ويرى السليكي، أنه من المهم تحديث المفاهيم المتعلقة بمجال النشر والكتاب. ولن يتأتى ذلك إلا بطرح الأسئلة التأسيسية التي من خلالها يمكن العمل على مقاربة القضايا التي تستحق تسليط الضوء عليها، ثم معالجتها عن طريق تطويرها ومواجهة الأعطاب التي تعرقل النمو الطبيعي لنشر الكتاب.
نقطة ضوء
تقرير صادر عن «مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية» أماط اللثام عن وضعية النشر والكتاب في المغرب، مسجلا أن الأدب (رواية وقصة وشعرا) يشكل سِمة مميزة لمجال النشر في المغرب، بنسبة 22 في المئة بما مجموعه 658 عنوانا خلال 2022/2023. كلها إصدارات ورقية، 25.84 في المئة منها على نفقة المؤلف، متبوعة بالدراسات القانونية (424 عنوانا) ثم التاريخ بـ352 عنوانا، والدراسات الإسلامية بـ298 عنوانا. تليها الدراسات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية بـ265 عنوانا. فيما بلغ مجموع الترجمات الصادرة في المغرب 193 عنوانا، ما يشكل 6.46 في المئة من إجمالي حصيلة النشر في المغرب في هذه الفترة.
تعليقا على نتائج التقرير، أشار طارق السليكي، إلى نقطة إيجابية وفق تقديره، متمثلة في كون دور النشر لم تعد متمركزة بشكل أساس بين الرباط والدار البيضاء فهناك دور في كل جهات المملكة المغربية، استطاعت أن تؤسس لفكرة التنوع الثقافي الذي تزخر به المملكة، وبالتالي باتت تحظى «صناعة النشر والكتاب» في المغرب بولادة عدد من المؤسسات الجديدة، التي تعنى بالنشر والكتاب، بل إن إنشاء شُعب متخصصة في مجال النشر في بعض الجامعات المغربية يحمل بين طياته دلالات كبرى، ما يترجم الطلب المستقبلي في سوق العمل.
«وإن كان عدد الإصدارات إجمالا لا يرقى إلى المستوى المطلوب إلا أنه في تطور مستمر، ما يعكس تزايدا في عدد الدور والمشاركات المغربية في المعارض الدولية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا» يقول طارق السليكي لـ «القدس العربي» لافتا إلى أن الكاتب والإبداع والفكر المغربي كسروا العلاقة التقليدية شرق/غرب (المشرق العربي والمغرب العربي).
وأبرز المتحدث أن الصناعة الثقافية المغربية، فكرا وإبداعا أدبيا أو فنيا، صار حضورها متميزا، كما أن مكانتها وأثرها في المشهد الثقافي العربي مشهود له بالعمق والتفرد. غير أن هجرة نشر الكتاب إلى بعض دور النشر العربية يضعنا كناشرين أمام أسئلة وتحديات تستوجب مقاربتها بعمق واحترافية، كما تحتاج إلى الحوار والإنصات.
دعم الكتاب وترسيخ القراءة
إلى جانب هذه الحيوية التي تعرفها دور النشر في المغرب، تتحد الجهود من أجل إعطاء دفعة للقراءة وتحث عليها وتمنحُها دينامية إلى الأمام، سواء عبر المبادرة الثقافية «تحدي القراءة العربي» إلى جانب «المشروع الوطني للقراءة» الذي يطمح إلى النهوض بالقراءة لدى التلاميذ ومدرِّسيهم، إلى جانب عدد من الشبكات والجمعيات التي تهدف لترسيخ فعل القراءة.
ومن أجل النهوض بفعل القراءة في المجتمع المغربي انطلاقا من المدرسة العمومية، ترى رشيدة رقي، وجوب تعاون مختلف الجهات، بما فيها وزارة التربية الوطنية ووزارة الثقافة، والفاعل الاقتصادي إلى جانب المجتمع المدني، وأكدت أن «توفر إرادة حكومية قوية للنهوض بالمدرسة العمومية أمر ضروري للنهوض بالقراءة، على اعتبار أن القراءة مرتبطة بالمدرسة». «كلما كانت المدرسة تتّسم بمناخ من الإبداع والتفتح، وتساعد الطفل على تحقيق ذاته، تكون الأجواء مناسبة للارتباط بالكتب والمعرفة، على اعتبار أن القراءة متعلقة بالمعرفة والتذوق الفني والجمالي وهي أمور مجتمعة مرتبطة بجودة المدرسة» تقول رشيدة رقي. ودعت رئيسة «شبكة القراءة في المغرب» إلى ضرورة اعتماد برامج خاصة بالقراءة والمعرفة خارج أسوار المدرسة، عبر خلق فضاءات القراءة في مؤسسات دور الشباب والمخيمات الصيفية، وتكوين جمعيات التخييم من أجل تخصيص ساعة للقراءة يوميا، إلى جانب تنشيط المكتبات العمومية في الأحياء وجعلها ذات جاذبية وببرامج تجعل التلاميذ يتوجهون للمؤسسات الثقافية.
كما عرَّجت المتحدثة على دور وسائل الإعلام في تعزيز فعل القراءة ودعت إلى اهتمام البرامج التلفزيونية والإذاعية بالكتب وتقديمها للقراء المغاربة، وحضور الكتاب والمكتبات في الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية وتقديم لمحات مشعة ومناسبة لفعل القراءة.
من جانبه، تبنّى «اتحاد الناشرين المغاربة» خطة تروم تحويل المجتمع المغربي إلى مجتمع قارئ، إلى جانب دعم الكتاب الثقافي المبدع، وترسيخ البِنية التحتية للإنتاج الثقافي والانفتاح على الزمن المعرفي والمساهمة في تحويل المغرب إلى مركز ثقافي. وتتمثل أهداف هذه الخطة، في إعادة الناشر المغربي إلى وظيفته الأصلية، باعتباره فاعلا ثقافيا يعرف كيف ينسق سلسلة الإنتاج، وخلق الحدث الثقافي. فيما تقوم الخطوط العريضة للخطة، على التعاون مع وزارة الثقافة ومراجعة التعاون المتبادل لدعم الكتاب المغربي، وإشراك الجهات ذات الصلة بموضوع الثقافة والتربية والمعرفة، وجعل الكتاب موضوعا أثيرا للإعلام وللإشعاع الوطني والدولي؛ فضلا عن ترسيخ عادة القراءة في البيت والمدرسة والحديقة، والتكيف مع التطورات الرقمية لتسهيل الوصول إلى الكتاب.
مع ذلك فالطلبة المغاربة يحققون المراتب الأولى في المسابقات الدولية في الرياضيات آخرها الحصول على الرتبة الأولى في جنوب إفريقيا في الرياضيات ، وكذلك بالدول الأوربية