أسبوع جدل في سوريا: غليان في الساحل واتفاق مع «قسد» وإعلان دستوري إشكالي

جانبلات شكاي
حجم الخط
0

دمشق ـ «القدس العربي»: بينما كان الشارع السوري على مختلف تشكّلاته ينتظر ما يمكن أن تتمخض عنه لجنة «الخبراء» التي كلفها رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع لوضع مسودة الإعلان الدستوري، انفجرت مواجهات دامية في الساحل السوري، «بخرت» جهداً دبلوماسياً بذله الشرع ذاته ووزير خارجية أسعد الشيباني على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، فعادت البلاد إلى نقطة البداية فيما يتعلق بكسر الحصار ومنح الشرعية الدولية للحكومة الجديدة بعد التخلص من نظام بشار الأسد.

وسط السواد القادم من الغرب، وبما يمكن وصفه بـ«ضربة معلم»، لاحت شمس المصالحة على البلاد من شرقها عبر التوقيع على اتفاق بين الشرع وقائد «قوات سوريا الديمقراطية- قسد» مظلوم عبدي، فكانت بمثابة حبل الانقاذ الذي أعاد الفرحة إلى قلوب معظم السوريين فعمت الاحتفالات في الكثير من المدن بعد ما اعتقد أهلها أن الاتفاق هو بداية لإعادة توحيد شطري البلاد، بينما كان سكان الساحل ما زالوا يلملمون جروحهم ويوارون ضحاياهم الثرى.
فرحة الاتفاق الذي قيل فيه أنه يؤسس لـ«الجمهورية السورية الثالثة»، لم تستمر طويلاً، والصدمة هذه المرة كانت من «الإعلان الدستوري» الذي شكل وللوهلة الأولى، مفاجأة من العيار الثقيل لكل من تفاءل تجاه بداية مرحلة جديدة تنهي عهد الاستئثار بالسلطة والحكم لحساب سلطة تشاركية موسعة، لكن هذا الإعلان في المقابل، كان بالنسبة لداعمي السلطة من شارعها المحافظ، «انجازاً» ترافق مع انجاز آخر لا يقل أهمية، وهو الكشف عن وصول الغاز القطري براً عبر الأنبوب العربي القادم من الأردن بضوء أخضر أمريكي إلى محطة توليد كهرباء دير علي بريف دمشق، كخطوة أولى قبل إرسال كميات إضافية لتغذية محطات توليد أخرى، وليتم بذلك بدء مرحلة وضع حدّ لعهد من الظلام خيم على البلاد لأكثر عقد كامل.

كمين فجر الوضع

مسلسل الأحداث الدراماتيكية، بدأ قبل نهاية الأسبوع قبل الماضي، جر وراءه على مدى الأيام الثلاثة الأولى التالية أحداثاً دامية كان الساحل السوري ساحتها، وانعكست على معظم البلاد مهددة بإغراقها في بحر من دماء الثأر والثأر المضاد الذي جهدت السلطة الجديدة في دمشق للحيلولة دون الوقع به مع اللحظة الأولى لانتصارها، بل كان نجاحها على هذا المحور وتحرير المدن السورية من حلب حتى دمشق من دون إراقة الدماء، أهم انجاز سجل لها في بداية العهد الجديد.
وتفجرت الأحداث إثر نصب كمين من قبل فلول من نظام الأسد، لعناصر من الأمن العام ما بين بلدتي الدالية وبيت عانا بريف مدينة جبلة في محافظة اللاذقية الخميس قبل الماضي، أسفر عن سقوط 16 قتيلاً، ما أدى إلى إعلان وزارة الدفاع السورية عن «توجه تعزيزات عسكرية ضخمة إلى منطقة جبلة وريفها لمؤازرة قوى الأمن العام وإعادة الاستقرار للمنطقة»، لكن العملية التي شارك فيها مقاتلون من فصائل مختلفة ومدن سورية عدة، وشهدت دعوات للنفير والجهاد عبر مآذن المساجد في بعض المدن، ترافقت في الأيام الثلاثة التالية، بتجاوزات من القوات المشاركة وصلت إلى حد ارتكاب «مجازر» ومقتل مئات من المدنيين، حسب منظمات حقوقية دولية.
وبعد انتشار أنباء عن عمليات قتل وتصفية للمدنيين وظهور مطالبات دولية من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا بمحاسبة مرتكبي «المجازر»، أعلن الرئيس الشرع الأحد الماضي، عن «تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في الأحداث التي وقعت في الساحل السوري بتاريخ 6 آذار/مارس الجاري».
وضمت اللجنة كلا من القاضي جمعة الدبيس العنزي، القاضي خالد عدوان الحلو، القاضي علي النعسان، القاضي علاء الدين يوسف لطيف، القاضي هنادي أبو عرب، العميد عوض أحمد العلي، المحامي ياسر الفرحان.
وذكر القرار أن «اللجنة تناط بها مهام الكشف عن الأسباب والظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، وتحديد المسؤولين عنها، والتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات العامة ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عنها»، إضافة إلى «إحالة من يثبت تورطهم بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء».
وشدد القرار على أنه «يتعين على جميع الجهات الحكومية المعنية التعاون مع اللجنة بما يلزم لإنجاز مهامها، وأنه يحق للجنة الاستعانة بمن تراه مناسباً لأداء مهامها، وترفع تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ صدور هذا القرار».
ومساء يوم الأحد ذاته أعلن الشرع أيضاً عن «تشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي»، وحسب بيان الرئاسة السورية «تناط باللجنة مهمة التواصل المباشر مع أهالي الساحل السوري للاستماع إليهم، وتقديم الدعم اللازم لهم بما يضمن حماية أمنهم واستقرارهم»، على أن تنشط اللجنة أيضاً في إطار «العمل على تعزيز الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة».
واختار الشرع لعضوية اللجنة الشيخ حسن صوفان، ابن اللاذقية والمسؤول عن ملف «أمن السلم المجتمعي» في منطقة الساحل السوري، والشيخ أنس عيروط، ابن مدينة بانياس التابعة لمحافظة طرطوس، وخالد الأحمد الذي كان صديقاً قديماً للشرع، حسب مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، وشغل لفترة دور المستشار السابق غير الرسمي لرئيس النظام المخلوع، قبل أن ينشق عنه ويلتقي الشرع في إدلب عام 2021.
مساعي الرئاسة لملمة تداعيات الأحداث توجت في ذلك اليوم بكلمة متلفزة للشرع أكد فيها على «المحاسبة بكل حزم ودون تهاون لكل من تورط في دماء المدنيين، أو أساء لأهلنا ومن تجاوز على صلاحيات الدولة أو استغل السلطة لتحقيق مآربه الخاصة»، وأضاف: «لن يكون هناك شخص فوق القانون وكل من تلوثت يداه بدماء السوريين سيواجه العدالة عاجلاً غير آجل».
ودعا الرئيس السوري من وصفهم بـ«فلول النظام الساقط» إلى تسليم أنفسهم فوراً، مؤكداً أنه «لن نتسامح مع  الذين قاموا بارتكاب الجرائم ضد قوات الجيش ومؤسسات الدولة، وهاجموا المستشفيات، وقتلوا المدنيين الأبرياء في المناطق الآمنة».
لم تهدأ المواجهات في ظل شحن طائفي كانت صفحات التواصل الاجتماعي ساحته الرئيسة، فعاد الشرع وأكد في يوم الإثنين الماضي، مواقفه السابقة، وفي لقاء له مع قناة «رويترز» قال: «لقد قاتلنا دفاعاً عن المظلومين، ولن نقبل أن تُسفك أي دماء بغير حق أو أن تمر دون عقاب أو محاسبة، حتى لو كان الجاني من أقرب الناس إلينا».

الجمهورية السورية الثالثة

وبينما كان الشارع السوري والمحيط الإقليمي وحتى الدولي، مشغولاً ومذهولاً من صور الضحايا المدنيين التي ملأت العالم، فاجأ الشرع بما يمكن وصفه بـ«ضربة معلم»، كل من كان يحاول أن يجر البلاد إلى آتون حرب أهلية بإعلانه هو وقائد «قوات سوريا الديمقراطية- قسد» مظلوم عبدي، الإثنين الماضي، التوقيع على اتفاق أعاد توحيد شطري الدولة ما بين شرق وغرب نهر الفرات.
وأعلنت الرئاسة السورية، أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه شدد على «ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية»، واعتبر أن «المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية»، مؤكداً على «وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية» وعلى «دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز».
وأكد الاتفاق على «ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، وتأمين حمايتهم من الدولة السورية»، وعلى «دعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد (نظام بشار الأسد) وكافة التهديدات لأمنها ووحدتها، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري»، على أن «تسعى اللجان التنفيذية إلى تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي».
وفي تصريح لـ«القدس العربي» اعتبر رئيس مكتب العلاقات العامة في حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي سيهانوك ديبو أن ما تم إنجازه يعني «إنهاء حقبة كاملة من الاستبداد المركزي وبداية مرحلة جديدة يمكن أن نسميها الجمهورية السورية الثالثة»، موضحاً أن الاتفاق ما كان ليتم لولا الرعاية الأمريكية والعربية والتركية له.
المسؤول الرفيع في الحزب الذي يمثل القوة المهيمنة على صنع القرار في محافظات الجزيرة السورية، دير الزور والرقة والحسكة، والتي تشكل أكثر من ربع مساحة البلاد وتعتبر سلتها الغذائية والنفطية، أوضح في تصريحه أن دمج «قسد» في الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي في الإدارة الذاتية «الأسايش» في المؤسسات الأمنية «أمر محسوم وسيتم ككتلة كما هي»، مشيراً إلى أن «هذا ما سيكون عليه الأمر وهو الأفضل خلال المرحلة الانتقالية إلى أن يتم وضع نهاية للأسباب التي أدت إلى وجود قسد»، على حين بين أن «عملية الإشراف على سجون داعش ستبقى حالياً تحت سيطرة قسد ولكن هذه المسألة سيتم حسمها من قبل العسكريين بشكل مرحلي خلال التقدم عبر المفاوضات على جميع الملفات التي تضمنها الاتفاق».
وقال ديبو في تصريحه لـ«القدس العربي» إن الاتفاق يمثل «الخطوة الأولى الأكثر أهمية» وأن بنود الاتفاقية «يمكن أن نسميها أسس حقيقية لبناء سوريا جديدة تتسع للجميع وتضع نهاية لحقبة كاملة من الاستبداد المركزي وتمثل بداية مرحلة جديدة يمكن أن نسميها الجمهورية السورية الثالثة».

كل الثروات سورية

وكشف عن إجراءات سيتم تنفيذها مباشرة وأخرى ستترك للتفاوض عليها خلال الأشهر المقبلة، معتبراً أن «إعادة فتح الدوائر الرسمية للدولة مثل السجل المدني وإدارة الهجرة والجوازات والمعابر الحدودية سواء مع تركيا أو العراق، بالإضافة إلى عودة المهجرين إلى كل من عفرين وتل أبيض ورأس العين بأنها من المسلمات والأساسيات التي لا يمكن تأجيلها، وهي أمور سيتم انجازها في فترة ليست بالبعيدة، أما تقدير المدة فمتروك للجان الفنية المختصة».
وقال ديبو: «لم نطرح الفيدرالية كما هي معلومة، وإنما طرحنا الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وهذه تختلف عن الفيدرالية، فنحن نطرح موضوع اللامركزية وفق الجغرافيا وليس وفق المفهوم القومي»، مشيراً إلى أنه «حتى تسمية الإدارة الذاتية وبعض الأمور المتعلقة بها، نحن منفتحون جدا على تعديلها لنكون أمام حكم لا مركزي يراعي التنوع والتعدد السوري ويعزز صلاحيات السلطة المركزية السيادية المعهودة».
وأكد سيهانوك ديبو أنه «لا توجد ثروات محلية وثروات مركزية فكل ثروات سوريا في أي بقعة من بقاع البلاد هي مقدرات وطنية»، مشيراً إلى أن عموم البلاد ستشهد في الفترة المقبلة انفراجة فيما يتعلق والمشكلة الرئيسية ألا وهي عدم توفر الكهرباء لعدم توفر النفط والغاز، وقال: «إن الخطوات العملية في هذا الاتجاه بدأت حتى قبل إعلان الاتفاق».
كما عبر ديبو عن أمله في أن يتم تنفيذ البند المتعلق بوقف إطلاق النار الشامل بما فيها المعارك المتواصلة في محيط سد تشرين، وقال: «نأمل أن تنتهي وأن لا نسمع صوت الرصاص بكامل دولتنا السورية»، مشيراً إلى الدور التركي في هذا الخصوص باعتبار «أن الاتفاق جاء لنصبح على بداية السكة الصحيحة ولتتحمل سوريا كامل مسؤولياتها ولنكون أمام عملية سورية سورية بامتياز، تقوم على بناء علاقات طبيعية مع بلدان الجوار وفي مقدمتها الجار التركي الذي يربطنا به كسوريين عرب وكرد علاقات تاريخية»، وأضاف: «نأمل أن تنعكس هذه الاتفاقية ايجاباً وسريعاً على العلاقات مع تركيا وأن يتم تصحيحها ووضعها في المسار الذي يخدم الدولتين وفق العلاقات الطبيعية بينهما».
وأكد ديبو أنه «لا يمكن إنجاز أي اتفاق في سوريا من دون أن نراعي أن الملف السوري بجملته بات ملفاً إقليمياً ودولياً، فالأمريكيون كانوا موجودين، إضافة إلى الدعم العربي، والاتفاق ما كان ليتم بدون علم تركيا».
وفور الإعلان عن توقيع الشرع وعبدي على الاتفاق عمت الاحتفالات على مستوى مدن البلاد كلها من السويداء ودرعا جنوباً، مروراً بالعاصمة دمشق ومدن حمص وحماه وإدلب وحلب، وخففت هذه الاحتفالات من حالة الاحتقان الطائفي التي اجتاحت البلاد، على الرغم من أن أنباء الساحل السوري كانت ما تزال تتحدث عن بؤر توتر متناثرة بعد استعادة الهدوء في معظم المدن الرئيسية.
والرسائل القادمة من أنقرة دفعت بداية نحو الطمأنينة، فشدد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الثلاثاء الماضي، على أن «التطبيق الكامل للاتفاق سيخدم الأمن والسلام في سوريا، والفائز سيكون كل أشقائنا السوريين»، مشيراً إلى أن بلاده تولي «أهمية كبرى للحفاظ على سلامة جارتنا سوريا ووحدة أراضيها»، ومؤكداً أنها ترى «كل جهد لتطهير سوريا من الإرهاب خطوة في الاتجاه الصحيح».
وكذلك رحب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الثلاثاء، بالاتفاق وقال في بيان إن «الولايات المتّحدة ترحب بالاتفاق الذي تم الإعلان عنه لدمج الشمال الشرقي في سوريا موحدة».

لا دعوة للجهاد على المنابر

تنفيس الاحتقان الذي لعبه بشكل رئيسي اتفاق الشرع-عبدي، عمل رئيس الجمهورية على استكماله من على مستوى آخر، فاستقبل مساء الثلاثاء الماضي مجموعة من رجال الدين، وكشف الداعية الإسلامي الشيخ محمد نعيم عرقسوسي أن الحديث تركز على أحداث الساحل السوري.
واكتفى الخبر الذي نشرته الرئاسة السورية على صفحاتها الرسمية بالإعلان عن أن الرئيس الشرع «اجتمع مع ثلة من المشايخ وطلبة العلم في العاصمة دمشق»، من دون أي إضافات أخرى، لكن الصور التي وزعتها الرئاسة أظهرت الحاضرين وفي المقدمة منهم رئيس المجلس الإسلامي السوري، ورئيس رابطة علماء الشام الداعية أسامة الرفاعي الذي تم انتخابه أيضاً مفتياً لسوريا في الخارج قبل سقوط نظام بشار الأسد، وإلى جانبه الشيخ عرقسوسي وشيوخ من كافة المحافظات السورية إضافة إلى وزير الأوقاف في حكومة تسيير الأعمال حسام حاج حسين.
ولفت عرقسوسي في تصريح لـ«القدس العربي»، إلى أن الشرع «استمع خلال لقاء امتد لساعة ونصف الساعة إلى أفكار وملاحظات طرحها العلماء وتناسب المرحلة الحالية»، مشيراً إلى أن الشرع «ركز على ضرورة عدم التمييز ومنع التجيش الطائفي، كما أنه ركز كثيراً على ضرورة الوحدة الوطنية والالتزام بالقيم الأخلاقية باعتبار أنها تضمن مسارنا وتصرفاتنا».
وبين عرقسوسي أنه تم التطرق إلى «ضرورة الحاجة لوحدة الصف والكلمة، وألا تقال أي كلمة تكون سبباً للتفرقة بين طوائف البلاد»، لافتاً إلى أن الشرع «وجه وزير الأوقاف حسام حاج حسين بتعميم ذلك على الخطباء في سوريا، وتوجيههم إلى ما يقال وما لا يقال، مثل التجييش الطائفي أو الدعوى إلى الجهاد على المنابر»، لافتاً إلى أن «الأحداث الأخيرة في الساحل السوري نالت حيزاً هاماً في الاجتماع».

تواصل
معارك سد تشرين

وعلى الرغم من نجاح الحراك المكثف الذي بذله الرئيس الشرع لسحب نار الفتنة قد نجح في هذا المجال إلى حد كبير، لكن بند وقف إطلاق النار الذي تضمنه اتفاق الشرع-عبدي لم ينفذ على أرض الواقع، ولم تشهد جبهتا سد تشرين وجسر قره قوزاق فوق نهر الفرات والمناطق المحيطة بها، أي هدوء، وظلت المعارك محتدمة بين «قسد» والفصائل المدعومة من تركيا، وقال مصدر مسؤول بوزارة الدفاع التركية الخميس إن الاتفاق بين الشرع وعبدي «لم يُغير التزام تركيا بمحاربة الإرهاب في سوريا»، وأضاف: «نحن في تركيا مصممون على مكافحة الإرهاب، ولا نزال على النهج نفسه ونطالب بحل وحدات حماية الشعب الكردية (أكبر مكونات قسد)، ولا نزال ملتزمين بضمان وحدة أراضي سوريا وسلامتها الإقليمية والسياسية».
ملف التوتر في محيط سد تشرين، ظل الحاضر الأبرز على طاولة محادثات وفد تركي رفيع وصل دمشق مساء الخميس الماضي، واقتصر الخبر الرسمي، وكالعادة في مثل هذه الأخبار الحساسة، بنشر صور اللقاء، والقول إن «رئيس الجمهورية أحمد الشرع ووزيري الخارجية أسعد الشيباني والدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب يستقبلون وفداً تركياً رفيع المستوى ضم وزير الخارجية هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر ورئيس جهاز الاستخبارات العامة إبراهيم كالن».
وكالة أنباء «الأناضول» لم تقدم من جهتها تفاصيل تذكر وقالت إن «المحادثات خلال جلسة استمرت لنحو 3 ساعات ركزت على العلاقات الثنائية بين البلدين، والتطورات الراهنة في المنطقة».

إعلان دستوري ورفض كردي

إعادة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا على مستوى البلاد، تعرضت لهزة جديدة بعد توقيع الرئيس الشرع الخميس، على الإعلان الدستوري، فشكل هذا الإعلان مادة للجدل بين حاضن إسلامي مرحب وبيئة علمانية غير راضية.
وعقب تسلمه مسودة الإعلان قال الشرع: «نأمل أن يكون الإعلان الدستوري فاتحة خير للشعب السوري على طريق البناء والتطور، ونتمنى أن يكون هذا تاريخ جديد لسوريا نستبدل به الجهل بالعلم والعذاب بالرحمة».
وحسب ما أعلنه عضو اللجنة عبد الحميد العواك فإن الإعلان الدستوري حدد مدة المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات، ونص على حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، وأكد على التزام الدولة بوحدة الأرض والشعب واحترام الخصوصيات الثقافية، وضمان حق الملكية وحق المرأة في العلم والمشاركة في العمل وكفل لها الحقوق السياسية، على أن يتولى مجلس الشعب العملية التشريعية كاملة والسلطة التنفيذية يتولاها رئيس الجمهورية الذي منح حق إعلان حالة الطوارئ.
وفي مداخلة تلفزيونية له، خلال تقديم مسودة الإعلان لرئيس الجمهورية، شرح العواك الأسباب التي دفعت اللجنة في الحفاظ على اسم الدولة من دون تغيير وتحديد دين رئيسها، باعتبار أنها من النقاط الجدلية التي أثيرت الفترة الأخيرة وقال: «تجمع الدساتير على تحديد اسم الدولة وهويتها ضمن الأحكام العامة، ولأن اسم الدولة وهويتها محددان منذ دستور سوريا عام 1920 واستمر الأمر كذلك في مجمل الدساتير حتى غدا اسمها عرفا دستوريا، وعليه لم تعمد اللجنة على تغيير ما تعارف عليه السوريون منذ تأسيس الدولة لقناعة اللجنة أن شرعيتها ومشروعية ما ستنتج، لا تحتمل التغيير في الأحكام العامة ومنها اسم الدولة الذي بقي الجمهورية العربية السورية»، وتابع: «أبقينا على دين رئيس الدولة، وهو الإسلام كما أبقينا الفقه الإسلامي المصدر الرئيس للتشريع».
وبين العواك أن الإعلان تضمن في الفصل الأول منه «التزام الجمهورية العربية السورية باتفاقيات حقوق الإنسان المصادق عليها من قبل الدولة»، في إشارة منه إلى اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها إضافة إلى اعتماد اتفاقية «منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، معتبراً أن «هذا النص يشكل سابقة في التاريخ الدستوري السوري إذا عمد النظام البائد سابقاً الى توقيع الاتفاقيات الدولية الناظمة لحقوق الإنسان من دون أي التزام، وكان من الضروري أن يتضمن النص على الالتزام بها».
وبين العواك أن نص الإعلان الدستوري «تضمن مجموعة كبيرة من الحقوق والحريات منها حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة، وصان حرمة الحياة الخاصة معلنا بذلك توازنا بين الحريات».
وأوضح أن الإعلان الدستوري سيفتح الباب أمام إعادة رسم خريطة العمل السياسي داخل البلاد وقال: إن النظام السابق كان يعتبر المشاركة السياسية امتيازاً وليس حقاً وأعطى هذا الامتياز لمجموعة من الأحزاب الموالية له بشكل مباشر أو غير مباشر»، وأضاف: «من أجل استئناف مشاركة سياسية حقيقية قائمة على المساواة بين الجميع، كان لابد من النص على صدور قانون جديد ينظم المشاركة السياسية على قدر من المساواة والأسس الوطنية».
وتابع: «تعمدنا إلى اللجوء إلى الفصل المطلق بين السلطات، فمجلس الشعب يمارس السلطة التشريعية، ومن مهامه العملية التشريعية كاملة وبشكل منفرد، وهو من يقر العفو العام وله الحق في عقد جلسات استماع للوزراء»، أما السلطة التنفيذية «فيتولاها رئيس الجمهورية ويساعده في مهامه وزراء»، مبيناً أنه «لم يتم منح رئيس الجمهورية إلا سلطة استثنائية واحدة، وهي إعلان حاله الطوارئ»، مؤكداً أنه «قد تم ضبط سلطة الطوارئ بموافقة مجلس الأمن القومي وبالوقت، وعلى موافقة مجلس الشعب في حال أراد رئيس الجمهورية تمديدها».
وما أن تم الكشف عن الإعلان الدستوري حتى اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي نقاشا وجدلاً، بين مرحب ومتحفظ، وكانت معظم الملاحظات توجهت نحو تحديد دين رئيس الجمهورية واعتماد الفقه الإسلامي كمصدر رئيسي للتشريع، أما الجناح السياسي لحركة «قسد» ممثلا بـ«مجلس سوريا الديمقراطية- مسد» فقد ذهب بعيدا وأعلن «رفضه التام» للإعلان الدستوري، معتبرة أنه يعيد «إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، وتكرّس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما تقيّد العمل السياسي وتجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطل مسار التحول الديمقراطي، كما تتجاهل المسودة غياب آليات واضحة للعدالة الانتقالية، مما يزيد تعميق الأزمة الوطنية».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية