غزة ـ «القدس العربي»: داخل قسم الاستقبال بمستشفى ناصر بمدينة خان يونس، أدلى الأسرى الفلسطينيون المفرج عنهم مؤخرا بشهادات مروعة عما ذاقوه من ألوان العذاب والتنكيل النفسي والجسدي على يد جنود جيش الاحتلال سواء في «سلخانة» سجن عوفر الإسرائيلي أو في مناطق الاختطاف النائية.
يقول حب الله إدريس، 30 عامًا: «أكثر من ثلاثة أشهر وأنا أسير في سجون الاحتلال ذقت خلالها جميع فنون التعذيب ولم أتخيل أن يصل بي الحال لكل هذا النوع من التنكيل الجسدي والنفسي، فكان تعذيبنا بمثابة لذة لجنود الاحتلال». ويقول المواطن الفلسطيني، النازح من مدينة غزة لـ«القدس العربي»: «نكلوا بي وبجميع الأسرى الفلسطينيين بأبشع الصور، فكانوا يجردوننا من ملابسنا كما ولدتنا أمهاتنا فقط ليشاهدونا عرايا، وهذا شيء عادي بالنسبة لهم».
ويواصل حديثه المؤلم: «كنا نتعرض لصدمات كهربائية في جميع أنحاء أجسادنا، غير الضرب وتكسير الضلوع، فلا يوجد شاب واحد من الأسرى إلا وعانى من كسر في ضلع واحد على الأقل».
ويصف الأسير المحرر التعذيب داخل ما سماه «سلخانة» سجن عوفر الإسرائيلي بـ«الانتقامي» ويعقب: «كان الأمر صعبًا جدًا، كان الجنود يقومون بكهربة الأسرى، ويتعمدون إهانتهم، وإحضار الكلاب البوليسية للمرور فوق أجسادنا، وإجبارنا على تقليد أصوات الحيوانات كالكلاب والقطط».
ويعاني الأسرى الفلسطينيون، الذين أودعوا السجون الإسرائيلية إبان حرب السابع من أكتوبر، من قلة الغذاء وانتشار الأمراض والأوبئة، بتعليمات من السجان الصهيوني، الذي كان يمنع الأكل عنهم لساعات طويلة، ولا يسمح لهم بالاستحمام إلا فيما ندر.
يبين الأسير حب الله: «كان الأكل قليلًا جدًا وفاسدًا أيضًا، وتنتشر الأمراض في السجن خاصة الجرب، فلم يكن يسمح لنا الجنود الإسرائيليون بالاستحمام سوى مرة واحدة أسبوعيًا، وأحيانًا تصل المدة إلى عشرة أيام، وبعد أول أسبوعين من الأسر أصبحوا يأتون لنا بملابس داخلية مستعملة، تسببت في انتشار أمراض كالجرب والالتهابات الجلدية بين الأسرى».
ويناشد إدريس المجتمع الدولي التطلع إلى حال الأسرى في سجون الاحتلال، ويقول: «أيها العالم المتحضر! قضيت 3 أشهر في الأسر مكبل اليدين في أغلال حديدية، و50 يومًا معصوب العينين لا أرى النور».
محاولات انتحار
حال إدريس لم يكن أسوأ من زميله في الأسر أسامة فرحان، والذي أُسر بعد اقتحام جيش الاحتلال حي الشجاعية في مدينة غزة، حيث اختطفه الجنود إلى منطقة «بركسات» خاصة بتربية الطيور والدجاج، وتناوبوا على ضربه والاعتداء جسديًا عليه قبل نقله إلى سجن عوفر، حيث بدأته معاناته الأكثر إيلامًا.
يقول أسامة، 42 عامًا: «إن العذاب في البركسات أهون من سجن عوفر، إذ كان القمع في السجن شديدًا، فيوميًا يتم ركلنا وصفعنا وصعقنا بالكهرباء وإطلاق الكلاب البوليسية علينا». ويستدرك: «لكن العذاب الأكبر كان الجلوس منذ الصباح وحتى منتصف الليل على أطراف أصابع القدم والركب، بدون نوم أو حتى مجرد تحريك للرأس».
ويضيف: «بعد نقلنا إلى سجن عوفر الجديد ورغم وجود مقاعد وفرش للنوم، إلا أنهم نقلوها من المكان، وأجبرونا على الجلوس على الأرض، والعذاب لم يكن طبيعيًا، فكان كل الأسرى مكبلة أيديهم وأقدامهم بالأساور الحديدية، وممنوعون من النوم أو دخول الحمام».
ويشير أسامة إلى أن الكثير من الأسرى حاولوا الانتحار عن طريق خبط رؤوسهم في الحائط، مبينًا: «لم يكن هناك أحد يستوعب ما يحدث له في السجن، ناهيك عن قلة الأكل، وإن وجد يكون أكلًا فاسدًا، ما يجبر الأسرى على الصوم، بسبب عدم توافر الطعام».
ومثله ذاق أحمد عساف، جميع دروب التعذيب على مدار 5 أشهر قضاها في سجن عوفر، يقول: «كانت البداية مع أول يوم للأسر، تجمع الجنود الإسرائيليون حولي، ثم قيدوني بالكلبشات الحديدية، وبدأوا في ضربي ضربًا مبرحًا حتى سالت الدماء من جسدي، ولاحقًا عالجوني لمدة 5 أيام، ثم قطعوا عني العلاج، وتركوني أعاني آلام ما فعلوه بي».
ويصيف: «التعذيب في سجون الاحتلال مروع، فهناك تعذيب بشكل يومي لكل الأسرى عن طريق الضرب بالعصي والكهرباء، ولا يقوم الجنود بترك الأسير إلا بعد أن تسيل منه الدماء، كما كانوا يطلقون الكلاب البوليسية نحونا وهم ممسكون بلجامها، ما يجبرنا جميعًا على الالتصاق بالحائط، كانوا لا يتركوننا إلا عندما نعوي مثل الكلاب، وهم يضحكون في خبث».
لم أعرف زوجي
ولم تتمكن سلمى الأعرج، وهي مصرية الجنسية، من التعرف على زوجها الفلسطيني، الذي تغيرت ملامحه بعد ثلاثة أشهر فقط قضاها في الأسر، فتقول: «هذا ليس زوجي، هذا ليس شكله ولا هيئته، لا أدري ماذا فعلوا فيه؟» موضحة أن زوجها العشريني ذو جسد رياضي، كونه يمارس رياضة الجمباز.
وتقول إن جند الاحتلال القتلة اعتقلوه من منزله في بيت حانون، شمال قطاع غزة، وتركوها بمفردها، تُربي أطفالهما الثلاثة، بعد استشهاد ابنهما الأكبر في أعقاب حرب السابع من أكتوبر مباشرة. وتعقب: «فترة أسر زوجي هي الأصعب في حياتي، فأنا مواطنة مصرية ولست غزية، ولا أحد لي هنا في القطاع».
وتناشد المواطنة المصرية الهيئة الدولية للصليب الأحمر أن تساعدها في السفر رفقة أسرتها إلى مصر، وسط الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة وإغلاق المعابر.
ورغم ذلك تؤكد: «أن الله لم يتخل عني ولا عن عائلتي. المجتمع الدولي، يساهم في قتلنا وحصارنا وتشريدنا وتعذيبنا. ربنا وحده المطلع على معاناة الشعب الفلسطيني».
وعلى مقربة من سلمي وقفت المواطنة الغزية سناء أبو مصطفى تُفتش في وجوه الأسرى، علها تجد ابن شقيقها المفقود منذ أكثر من 7 أشهر حين اعتقله الاحتلال من مدينة غزة. وتقول: «أمه فقدت بصرها من كثرة البكاء عليه، كونها لا تدري هل هو أسير على قيد الحياة أم توفي شهيدًا في سجون الاحتلال؟».
وتضيف: «رغم فقدانها البصر تأتي زوجة أخي إلى مستشفى ناصر كلما تسمع عن الإفراج عن مجموعة من الأسرى، لتسألهم عما إذا كانوا قد قابلوا ابنها في الأسر، تتمنى أن تجده حتى لو كان ميتًا، لتدفنه بيدها، وتطمئن عليه».
وتوضح أنهم تواصلوا مع الصليب الأحمر ومنظمات دولية أخرى عاملة في قطاع غزة من أجل معرفة أي معلومات عن المفقود زياد شكري، ولكن دون جدوى.
وتستكمل: «نسعى وراء أي بصيص أمل، أدعو الله أن يشفي صدري وأمه بالعثور عليه، لا نريد غير ذلك».
ولا يزال الاحتلال الإسرائيلي، يرفض الإفصاح عن أعداد حالات الاعتقال من غزة، وينفذ بحقهم جريمة الإخفاء القسري.
وحسب مؤسسات الأسرى، فقد بلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال حتى نهاية كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، أكثر من 8800 من بينهم أكثر من 3290 معتقلا إداريا، و661 صنفوا كمقاتلين غير شرعيين من معتقلي غزة، وهذا الرقم المتوفر فقط، كمعطى واضح من إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي.