أصداء الأدب العربي

في نهاية العام الماضي، الذي انتهى منذ عدة أيام فقط، تاركا ذكريات أليمة جدا للبعض، وذكريات مفرحة لآخرين، خاصة السوريين الذين بدأوا خطوة في استعادة بلادهم، تلقيت رسائل عديدة من بلاد مثل الهند وإندونيسيا، وسنغافورة، وماليزيا، كلها مكتوبة باللغة العربية، ويتحدث مرسلوها بزهو، عن أنهم يعرفون الأدب العربي، ويدرسونه في الجامعات، أو يقومون بتدريسه أيضا في فصول معينة، وأنهم يعرفون كتاباتي ويعرفون ما كتب صنع الله إبراهيم، وعبدالسلام العجيلي، وبالطبع نجيب محفوظ والطيب صالح، وعدد آخر من الأدباء العرب البارزين، وقد أشار بعض مرسلي هذه الرسائل إلى قيامهم بالترجمة لمقاطع من رواياتي، وروايات غيري، ويرغبون في تكملة الترجمة بعد الحصول على إذن.
في الماضي وحتى عهد قريب، لم يكن ذلك يحدث، أي لم نعرف اهتماما جديا بالأدب العربي، الذي يعتبر في اللغات الأخرى، أدبا ثانويا بلا قيمة كبيرة، وباستثناء أدب نجيب محفوظ، ومحمود درويش، والطيب صالح وعلاء الأسواني إلى حد ما، لم يصل شيء إلى العالم بالصورة المطلوبة، وسيكون الأمر صادما لو عرفنا أن هناك مترجمين أو مستشرقين مهتمين حقا، ونقلوا روايات وقصائد وقصصا كثيرة جدا للغاتهم، ولم يكن التوزيع جيدا، أي القارئ في البلاد التي يترجم إليها الأدب العربي، قد لا يلتفت أبدا إلى رواية عربية في مكتبة، ولكن يلتفت وبشدة لرواية من الهند أو الصين أو أمريكا اللاتينية.
وأذكر أن ناشرا من بولندا أراد ترجمة كتاب لي، وخاطبني باللغة الإنكليزية، ليعرف رأيي، وقال لي مباشرة من دون مواربة، إنه لا يتوقع بيع نسخ كثيرة، ويعرف تماما إنه لن يربح شيئا، وإنما يقوم بنشر كتابي حبا في المغامرة. أذكر أن حب المغامرة هذا استفزني، أو أغاظني على وجه التحديد، لماذا يعتبر نشر أدبنا نحن العرب مغامرة؟ وهل هناك دراسات جادة قام بها ناقلو الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، تبين سبب عجزه عن اختراق الأسواق هناك؟ خاصة أنه في رأيي الشخصي أدب متميز وجديد في معظم الأحوال، والبيئة التي يغرف منها الكتاب العرب، جديرة بمنحهم دررا، حين تقرأ مثلا عن الريف المصري وسحره، والتاريخ العربي المصاغ روائيا، وحين تقرأ الأدب الخليجي المتميز، والأدب الفلسطيني المقاوم، لا يسعك إلا أن تندهش.
الناشر لم يستطع الإجابة عن سؤالي حين سألته، لماذا تغامر إذن؟ ويوجد مترجم سيتقاضى حقوقا، والكاتب نفسه سيتقاضى، حقوقا، واكتفى بأن قال، أريد أن أغامر وكفى.
وحين قمت بالبحث عن الكتب المترجمة للبولندية، اكتشفت أن خمسة أو ستة كتب فقط ترجمت لتلك اللغة، وعرفت أن ثمة كساد بالفعل هناك، وأظن أن بولندا مجرد مثال، لدول أخرى غامر بعض الناشرين فيها، في نقل روايات عربية إليها. قلت إذن أن الأدب العربي لن يصل إلى العالم بهذه الطريقة، أي الطريقة الفردية في نقل الأعمال، وأذكر أنني دعوت إلى عكس الترجمة التي تدعمها المؤسسات الكبرى في بلادنا، في نقل الأعمال الأجنبية إلى العربية، لماذا لا تنقل الأعمال العربية إلى اللغات الأخرى، مدعومة من مؤسساتنا؟
الآن كل تلك التساؤلات تمت الإجابة عليها، وأصبحت هناك دول داعمة لعملية الترجمة إلى الخارج، ولديها وكلاء يقومون بذلك، والسعودية مثلا، تقوم بذلك باستمرار، وتنشر ما يترجم في أفضل دور النشر في الغرب، هناك دور نشر في مصر أيضا، وفي عمان وغيرها، تفعل ذلك، كما أن اختراع الذكاء الاصطناعي بإمكانياته الكبيرة، ساعد في الترجمة كما ساعد في مجالات أخرى، لا أقول إنه يقوم بالترجمة الكاملة، ولكن يساعد المترجمين كثيرا ويقلل التكلفة، ويختصر الوقت، والأدوات التي توجد فيه، كثيرة ومتعددة ومذهلة. وأظنني كنت متحفظا في موضوع كتابة النصوص عن طريقه، وما زلت متوجسا من إمكانية أن تكتب رواية كاملة بإحساس الذكاء الاصطناعي.
شيء آخر، ازدياد الحروب والنزاعات واختيار العرب للمنافي، والنزوح بحثا عن حياة أفضل، واستقرار الملايين في أوروبا وأمريكا وأستراليا، قرّب الثقافة العربية إلى شعوب تلك الدول، التي كانت تجهلها تقريبا، وبالتالي قرب لغتهم، وعاداتهم وتقاليدهم، ومن ضمن ما اقترب: الأدب، لذلك لن يكون غريبا أن يتذوق القارئ الأجنبي آدابا بات يعرف منتجيها جيدا، ويجاورهم في السكن، وقد يقاسمهم لقمة العيش أيضا.
وأظننا نعرف جميعا أن اللغة العربية الآن في السويد، هي اللغة الثانية، وتقام معارض الكتب العربية هناك باستمرار. لقد سألت القارئ الإندونيسي الذي راسلني، وواضح أنه يجيد العربية، ويقرأ بها، كما قال: هل تواجه صعوبة في فهم بعض النصوص؟
رد: نعم، خاصة الجمل والتراكيب الشعرية، لكني أستعين بآخرين يفهمون أكثر، وربما استعنت ببعض العرب الذين أعرفهم.
وبالطبع هذا شيء طبيعي، فمهما درست لغة ما، لن تكون ملما بتضاريسها جيدا، وأذكر أن أحد مترجمي للإنكليزية، كتب اسم: ملك، وهو اسم نسائي معروف عربيا، إلى” كينج”، وأخبرته بأن هذا اسم وليس صفة أو لقبا. عموما الأمر مبشر جدا، وأعتقد أن كثيرا من المبدعين الشباب الآن، مستعدون لاجتياز ركود الترجمة السابق، والحضور في لغات أخرى.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جزائري:

    الإبداع والتطور الأدبي ثم الانتشار لمزاحمة إنتاج الأمم الأخرى كلُّهُ مرتبط ارتباطا وثيقا بالتطور والحركة في باقي نواحي الحياة وليس بمعزلٍ ونحن اليوم نعاني في كل جانب ونحتاج استفاقة لتعود الأمور إلى نصابها
    وقد تشيع بعض الأعمال هنا وهناك بفعل فاعل لعلّة أخرى لا علاقة لها بالأدب والإبداع وإن كانت تلبس ثوب الأدب في ظاهرها مثل أعمال طه حسين ودرويش وغيرهم..

    1. يقول Reda:

      كلنا نتفق على أن العمل الفني الأدبي لا يحتاج إلى ضرورة المطالبة بترجمته فهو لوحده كفيل بالدفاع عن نفسه و ما نقوم نحن باستوراده وترجمته من كتب إنما لما تحتويه من إبداع و كذلك تفعل الدول الأجنبية إذا ماوجدت كتابا من صنيعنا يستحق الترجمة لما فيه فما يجب علينا نحن هو الانتاج الأدبي دون توقف لنستفيد نحن ويبقى دور الترجمة التأريخ لا غير ربما قد تكون هذه قضية لا تستدعي منا اهتماما مبالغا

  2. يقول مواهب حسن بشير احمد:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    د/القدير عفو الادب العربي الادب الغربي جزاء اساسي من تاريخ الادب لكن من يعرف ذالك .
    أ/مواهب حسن بشير احمد ناشطة اعلامية قسم الاعلام

اشترك في قائمتنا البريدية