أضواء على المسرح والموسيقى والتاريخ: في «مهرجان ديرك الفريد الثقافي» في جنوب السودان

الصّادق الرضي
حجم الخط
1

لندن ـ «القدس العربي»: المسرحي والموسيقي الرائد في العمل الثقافي «ديرك أويا الفريد» (1962- 2021) أسهم خلال مسيرته الإبداعية وسيرته العامرة بالعطاء في تأسيس وعي مختلف، في وقت كانت الحرب الأهلية في السودان، والأطول في القارة، تكرّس عبر آلة الحكومات الديكتاتورية، الإعلامية، لجهل مؤسس قوامه العنصرية ومحاولات نفي لثقافات قطاعات كبيرة من مكونات الشعب السوداني؛ أسس أثناء دراسته في المعهد العالي للموسيقى والمسرح – قسم الدراما مع عدد من زملائه وزميلاته فرقة «السديم» المسرحية في مطلع ثمانينيات القرن المنصرم، مع: محمد عبدالرحيم قرني ويحيى فضل الله العوض، والسماني لوال، على سبيل المثال، الفرقة التي عرفت بنزوعها الطليعي في اختيار النصوص والتمثيل والإخراج وإنتاج العروض، وتميز أعضاؤها بالفاعلية في النشاط الثقافي بشكل عام: تنظيم الندوات النقدية والفكرية، الكتابة في الصحف، إلخ.
في مرحلة لاحقة أسس فرقة «كوتو» الفنية مع زميليه السماني لوال وستيفن أفير أوشيلا، الفرقة التي حققت نجاحاً كبيراً عبر عروضها الفنية في الخرطوم وفي عدد من الدول الافريقية والعربية والأوروبية، أبرزت من خلالها بعضاً من تراث المكونات الثقافية المختلفة في جنوب السودان – قبل استقلاله سنة 2011، الفرقة التي تحولت إلى مركز «كوتو» الثقافي، لتتخرج منه أجيال جديدة تسهم بدورها في المشهد عبر: المسرح، الرقص الاستعراضي، التشكيل، الموسيقى، وكتابة البحوث وتنظيم الندوات، إلخ. وبالطبع كان ديرك رأس رمح في عملية التأسيس الثقافي الكبير الذي انخرط فيه عدد كبير من المبدعين والمبدعات، بعد الاستقلال.

مسرحية «قضية ظل الحمار»

في مطار جوبا كان حضور المسرحي السماني لوال قادما من مهجره في كندا، بعد غياب (20) سنة، حدثاً مؤثراً، بالتزامن مع حضور المسرحي محمد عبدالرحيم قرني من الخرطوم، للمشاركة في فعاليات «مهرجان ديرك الفريد الثقافي» في دورته الثانية، جاء اختيار السماني لوال شخصيةً للمهرجان، بوصفه من الرموز والشخصيات التي ساهمت في وضع اللبنات والملامح الرئيسية للحركة الثقافية والإبداعية منذ بواكيرها، حيث تم تسليط الضوء على مسيرته الثرة، رائداً طليعياً في العمل المسرحي والفعل الثقافي على مستوى السودان وجنوب السودان.
ضمن فعاليات المهرجان التي شهدها جمهور عريض في جامعة جوبا في المدة بين (10- 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022) وتابعها عبر المواقع الرسمية للمهرجان في وسائط التواصل الاجتماعي، جمهور المهاجر والمغتربات؛ قُدمت أوراق كثيرة من بينها ورقة تذكارية كتبها الراحل ديرك، بعنوان «أماكن وطرق سرد أحداث الناس» تبحث دور المتاحف والقصور والحصون والآثار في حفظ وتوثيق التراث البشري غير المادي والمادي» كما قدمت عروض موسيقية عديدة وعروض مسرحية، من بينها عرض «الفقر المدقع» من تأليف جوزيف أبوك وتمثيل طلاب قسم الدراما- جامعة جوبا، من إخراج ايمانويل فتيا. وعرض «قضية ظل الحمار» هو العرض الذي تخرّج به الراحل ديرك الفريد في معهد الموسيقى والمسرح – قسم الدراما سنة 1987، قدمته مجموعة من عضوية فرقة «كوتو» النص من أعمال الكاتب السويسري فردريش دورتمان المخرج المنفذ بيوكولا فرانسيس؛ وشهد اليوم الختامي حضور عدد من الكتَّاب في معرض الكتاب المصاحب للمهرجان، للتوقيع على أعمالهم: بيتر أدوك نيابا وكتابه (السيرة الذاتية) ضيو مطوك ديينق وكتابه (سياسة التمييز الإثني في السودان: مبررات انفصال جنوب السودان) القاضي قيري رايموندو ليقي وكتابه (القضاء الإداري في جنوب السودان: طبيعة دعوى إلغاء القرارات الإدارية في القانون السوداني) أليو قرنق أليو وكتابه (التاريخ الثقافي للدينكا)؛ وشاركت في الأمسية الاحتفالية: مجموعة «ديس مجوس» الموسيقية، مجموعة «الرواد» مجموعة «أورباب» بالإضافة للفنانة نانسي كواشي، والفنان إيمانويل كيمبي، وأخيراً تم تكريم شخصية المهرجان السماني لوال والمسرحي محمد عبدالرحيم قرني وحنان أمين أرنو عن أسرة الراحل.

إحياء التراث الموسيقي الكلاسيكي

الشاعر والصحافي أتيم سايمون رئيس لجنة المهرجان قال لـ»القدس العربي»: «المهرجان فكرته الأساسية هي الاحتفاء بإرث ديرك أويا الفريد، ومحاولة التعريف بما قدمه طيلة حياته الفنية والإبداعية، ووصل أجيال الماضي بالأجيال الحالية، في محاولة لخلق حوار جاد حول التحديات التي تواجه الفن والعمل الإبداعي في جنوب السودان، والسبل المثلى لبناء مستقبل أفضل للحركة الفنية والثقافية، باستلهام هذا الإرث الذي أسهم فيه أيضاٌ المبدعان السماني لوال وستيفن أفير أوشيلا؛ ومحاولة استنطاق مشروعهم الفني الكبير الذي من أهدافه التعريف بالآخر والاعتداد بالهوية وتوظيف الفن لخدمة الانتماء المشترك، ولأجل خدمة السلام والعيش الكريم والمصالحة.
جنوب السودان أحوج ما يكون لأفكار ديرك الفريد في مرحلة حساسة من تاريخه بعد الاستقلال، إذ تجددت الأسئلة القديمة مثل من نحن وما الذي ينبغي أن نكون عليه، وما هي الفرص المتاحة أمامنا لبناء دولة قوية متماسكة ننتمي إليها جميعا ونفخر ونعتز بهذا الانتماء؟ وكذلك محاولة كسر العزلة وتعريف كل المجموعات الثقافية ببعضها بعضا وبناء أرضية تنهض على الفن كمجال معرفي، وعلى ما انتهجه ديرك ورفاقه في مركز «كوتو الثقافي» نحو تحويل سؤال الفن لشكل مؤسسي: مركز ثقافي، مكتبة مفتوحة للجمهور وفعاليات تهتم بالفكر والأدب والتاريخ والتشكيل والقضايا ذات الهموم الكبيرة في الثقافة والإجتماع والقضايا المرتبطة بالأسئلة الجوهرية بالهوية أو الهوية الوطنية أو التكامل القومي».
ويضيف: «هذا المهرجان سيستمر في دورات مقبلة في محاولة لتسليط الضوء على كل ما قدمه ديرك الفريد ورفاقه في المجال المسرحي والفني والإبداعي عموما، لكنه سيهتم أيضا بمحاولة تطوير الفن والعمل الثقافي في البلد ومحاولة البحث في المشتركات بالاستفادة من المراكز البحثية والجهود العلمية، نحاول الإجابة على كل التساولات المتعلقة بطبيعة الأدب والفن السينما والمسرح والتشكيل بملامح جنوب السودان الخاصة. هذه الدورة كان التركيز فيها على القضايا المرتبطة بالمسرح والموسيقى والتاريخ، وأيضا قضايا حقوق الإنسان والطفل، والمسائل المتعلقة بحركة النشر، وإحياء التراث الموسيقي الكلاسيكي وتوثيق حركة الفن وتاريخه القديم والمعاصر، والانفتاح على ثقافات الآخرين؛ وبسؤال لا يزال يبحث عن إجابات: ما هو مستقبل الحركة الفنية والإبداعية في جنوب السودان؟».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Stan:

    العمل الثقافي تجمعنا
    تسلمو لاظهارها هنا

اشترك في قائمتنا البريدية