أعراس الثقافة العربية التي لا تحتَمَل

في هذه الظروف المأساوية التي يمر بها العالم العربي كنا ننتظر، على المستوى الثقافي والإبداعي، شيئاً آخر غير المشهد المصطنع الذي نعيشه، اليوم. غير أن «أولي الأمر»، أولئك الذين «استحوذوا » على كل المسالك والمظاهر والمقوّمات الثقافية في الكون العربي بقوّة الدولار لهم، كما يبدو، رأي آخر. وقد شجّعهم على ذلك جمهور الأدب الجائع للشهرة، الذي لا همّ له سوى الاستعراض والظهور ولو على سطح من «الصفيح الساخن». ومهما يكن الأمر، فإن خيبتنا لا عزاء لها. ثمة سوء تفاهم عميق بيننا وبين مروِّجي الأعراس الثقافية العربية، وكذلك، بيننا وبين مَنْ يتبعونهم من المثقفين والمبدعين الذين يتزاحفون خلفهم كالخراف الجوعى، آملين قبضة من عشب الدولارات التي لن تغيّر من مصيرهم شيئاً، إنْ لمْ تزدْه سوءاً. لأن تغيير المصير شأن بنيويّ في الذات الإنسانية. وهو يؤخذ عنوة، ولا يُعْطى.
لم يحدث في التاريخ العربي، ولا في تاريخ العالم، على حد علمي، انبثاق متواتر متعدد البُؤر والمسارات «لظواهر ثقافية» مشهدية، بلا بعد معرفيّ متماسك، كهذه الظواهر الارتجاجية القائمة على «التعويض والترويض» التي نتكلم عنها، والمنتشرة، اليوم، مثل «حُمّى ثقافية» في الفضاء العربي. ظواهر بدأت منذ قليل من الزمن، بالمفهوم الدهريّ، وها هي ذي بدأت تكتسح كل أنواع الحياة الثقافية العربية. فمن «مكافآت» الرواية (وكلمة مكافأة مناسِبة أكثر من كلمة جائزة) إلى متعلقات الشعر، لا معلّقاته، ومنهما إلى القصة القصيرة، والسينما، والمسرح، وفعاليات الترجمة من وإلى و… إلى أن نصل، بشكل اعتباطي، إلى الفلسفة، والنقد، ونقد النقد، و«الأدب الأكثر تأثيراً»، من دون أن نفهم ماذا يعني ذلك كله، إذا استثْنينا استيعاب المبدعين وتدجينهم. أما الأدب «الأقل تأثيراً» وهو الأدب الأساسي المعوّل عليه، فلا ذكر له، لأن علاقته مع «السلطات القابضة» غير مريحة. وهو ما يعني أن التاريخ العربي الحقيقي في واد، والمشرفين على تلك التظاهرات «المغرضة» في واد آخر.
نحن لا نريد أن تتوقف الحياة. ولا أن يكف الآخرون عن الفرح والابتهاج. ولا أن يتظاهروا بالمشاركة في مآسي الحروب التي تحدث أمامهم، إذا كانت هذه الحروب لا تعنيهم. نحن نبحث عن تعاضد إنساني أخويّ عميق بلا إهمال أو تضليل. ما يقلقنا نحن كأفراد هي مظاهر اللامبالاة، أو التي تبدو كذلك، بالمجازر التي تحدث في جزء من العالم العربي، الذي يشكل بالنسبة لنا مكاناً ننتمي إليه، ونهتمّ بما يجري فيه. لكن كثيرين منا يبدون وكأنهم لا يأبهون بهذه الأحداث التراجيدية المروّعة التي تهزّ الحجر، وفي مقدمتهم «نَقّارو صُحون» المآدب الثقافية، الذين يبدون وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، وخلْفهم، تتخفّى «المؤسسات الآمرة» التي تحركهم كالدُّمى اللاهية على مسرح المشهد الثقافي الزائف.
وفي النهاية، فصل الكائنات عن تاريخها هو ما يحدث، اليوم، في العالم العربي، كما يبدو لنا ذلك بوضوح لا لبس فيه. ومن سِماته الساطعة التشتت العربي اللاواعي، وإذا شئتم الواعي جداً، لا فرق. هذا التشتّت الذي يجعل المواطن العربي «يخور» في مكانه كالخروف الضليل. لا يدرك خطورة الحقبة التاريخية التي يعيش فيها. ولا يرى الأذى الكامن في اللامبالاة العربية المؤسفة، التي تكاد أن تكون خيانة، حيال ما يجري من كوارث. ولا يقوى على مقاومة انكسار وجوده المحتمَل. ولا يملك إمكانية التمرد على الوضع الذي حُشِر فيه. إنْ لمْ يكنْ، لجهله، يعتقد العكس.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جبار ياسين . فرنسا:

    الجوائز العربية ، اغلبها مكرمات بشروطها المذلة .

  2. يقول علي:

    للجواءز جانبان.التشجيعي كتقليد معروف في
    الشرق والغرب.وجانب دعاءي يعتمد كسب
    الاقلام لصالح صاحب الجاءزة.فالجلءزة مثل الدواء فيها الشفاء رغم مرارة الطعم..فهي تعالج حالة وتضر جانب آخر من الصحة.في
    البلاد العربية الجانب الدعاءي الغالب.

اشترك في قائمتنا البريدية