غيّر مرض كورونا الجديد والمعروف باسم كوفيد- 19 الكثير من الأشياء في العالم، وطرح تساؤلات فلسفية عن حدود الثوابت، أو ما نتعامل معه على أنه ثابت في حياتنا العادية. وعندما يخرج العالم من تلك المرحلة سيكون هناك الكثير من الوقت للحزن والفرح، وتبادل القصص عن عالم مختلف كانت العزلة فيه وسيلة للنجاة. سيكون من المهم أيضا أن نتذكر دروسا أخرى عن البشر بين الجمال والقبح، وكل ما استطاع المرض أن يطلقه في عالمنا، إلى جانب الفيروسات، من أفعال ومقولات على خط ممتد من الإنسانية إلى غيابها، ومن التضحية والمشاركة إلى الأنانية والخلاص الفردي.
وإن كان هناك الكثير من قصص الجمال، التي تتناقل عن مساعدة الأكثر احتياجا، والترابط في زمن التباعد، والمشاركة في زمن الحجر، فإن قصص القبح لا تتوقف عن المنافسة. وإن كان بعض القبح كلمات لها دلائل طبقية وعنصرية، فإن بعضها أفعال تنذر بكوارث أوسع، وهي تحول البشر إلى فئران تجارب، وتعيد تصنيف العالم عنصريا وطبقيا، في وقت يتعلق فيه البشر بالأمل مهما صغر، وكلنا نتمسك على طريقة محمود درويش بحال العاطل، الذي لا يملك إلا تربية الأمل، فيأتي من يوظف الأمل ويخلق الوهم من أجل خدمة الأقلية على حساب عموم البشر.
طالب أطباء بتحويل الأفارقة إلى فئران تجارب، وطالب غيرهم بتحويل المساجين، في حين طالب البعض بترحيل العمال الأجانب من دولهم لأن بعض السلع اختفت، أو زاد سعرها، وأصبح هؤلاء عالة يتم بسهولة الإلقاء بهم إلى الصحراء، حتى تنتهي الأزمة وتطالب الأصوات نفسها بعودتهم على طريقة المعرفة في السراء، وعند المعاناة يتم الإلقاء بالإنسانية من أقرب نافذة.
وبالطريقة نفسها التي توظف الأمل والوهم، تأتي أحاديث أخرى عن الأدوية المعجزة، رغم أنها أدوية لم تثبت صلاحيتها بعد في علاج المرض، وبعضها لا يستخدم إلا في المختبرات، أو على عدد قليل، في ظل جهود البحث عن علاج يمكن أن يقلل من الخوف الذي يحيط بالجميع. وباستثمار حالة الخوف واللايقين لا تقدم تلك الأدوية، بوصفها مجرد أدوية محتملة، ولكن بوصفها العلاج المنتظر، والقادر على القضاء على الفيروس في ساعات أو أيام، وتفرد المساحات والعناوين عن المعجزة، بدون الحديث عن حقيقة العقار، وما يحيط به من تساؤلات داخل دولة المنشأ، أو بين العلماء، وسياق الاختبار في حالة كوفيد-19، بما يثير الكثير من التساؤلات عن أسباب هذا الطرح ومخاطره، عندما يتم دفع الناس إلى قبول تلك الأدوية بدون معرفة مخاطرها، وتخفف إجراءات الوقاية اعتمادا على وجود أدوية سحرية.
يعبر الموقف الياباني عن فكرة توزيع المخاطر، من خلال تجربة العقار على عدد محدود من المرضى في عدد كبير من الدول، مع انتظار النتائج
نتوقف هنا أمام عقار «أفيجان»، وهو عقار ياباني خاص بعلاج الأنفلونزا، أنتجته شركة تابعة لمؤسسة «فوجي فيلم»، بتمويل حكومي عام 2014. وبعد أن استخدمته الصين على أقل من 500 حالة مع نتائج إيجابية، يشكك بعض الأطباء فيها، أعلنت «فوجي فيلم» في 31 مارس 2020 عن بدء مرحلة تجربة العقار على 100 مريض في اليابان، قبل الإعلان عن بدء التجارب السريرية على 80 مريضا في إسرائيل و50 مريضا في أمريكا في إبريل. تبدو الأخبار واضحة في التعامل مع أفيجان، بوصفه واحدا من الأدوية المحتملة، وأنه في مرحلة التجارب على عدد محدود في دول يواجه بعضها عددا كبيرا من الإصابات، وأنه ليس في مرحلة تداو ويجب عدم التعامل معه بوصفه العلاج المعجزة، ولا ترويجه بتلك الصفة، أو توسيع استخدامه، حتى لا يتحول البشر إلى فئران تجارب لعقار لم يعتمد بعد بوصفه دواء لكوفيد-19 حتى في دولة المنشأ.
تأتي أهمية تلك الوقفة من التعامل المصري مع العقار، بداية من خبر الحصول عليه إلى طريقة التعامل معه، وترويجه، اعتمادا على مكانة اليابان من أجل إكسابه ثقة لا يستحقها بعد، وقد تكون مضللة وخطيرة.
في هذا الإطار تبرز تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور خالد عبد الغفار، في 9 إبريل الجاري، التي أعلن فيها الحصول على عينات أفيجان «منذ حوالي شهر من أجل إجراء التجارب السريرية»، وتأكيده أن «الدواء معتمد بالفعل في مواجهة الفيروسات، وثبتت له نتائج إيجابية في التعامل مع مصابي كورونا في اليابان، وأن مصر تسعى إلى تصنيع المادة الخام لهذا الدواء، الذي حقق نجاحا جيدا حتى الآن، ويحول النتائج إلى سلبية بنسبة 91%»، مع أخبار عن بناء مصنع للدواء. حديث يطرح تساؤلات عن عدد من اختبر فعليا في اليابان حتى اللحظة، في وقت بدأت التجارب السريرية في نهاية الشهر الذي حصلت مصر خلاله على العقار؟ وإن كان الأمر، كما أعلن الوزير كيف تزيد الحالات الرسمية في اليابان عن 6 آلاف، وهي أضعاف العدد في مصر، ولا يعمم استخدامه؟ ولماذا أعلنت اليابان انتظار نتائج التجارب السريرية حتى شهر يونيو رغم التحديات؟ وكيف يتم حساب النسب المعلنة، وإلى أي مدى يمكن تعميمها واعتماد العقار للعلاج بناء عليها؟
يبدو واضحا أيضا طريقة إعلان الحصول على العقار، وكأنه إنجاز خاص، في حين أن اليابان أعلنت توفيره مجانا إلى 20 دولة طلبته، والتعاون مع 30 دولة أخرى من أجل تجربته، مع التبرع بمليون دولار للأمم المتحدة لشراء العقار وتجربته في دول أخرى، وفقا لتصريحات وزير خارجيتها في 7 إبريل. في الوقت نفسه، يتجاوز الربط بين العقار والمصداقية اليابانية، والاعتماد على نسب النجاح المعلنة من أجل اعتماده للعلاج الواسع، يتجاوز محدودية عدد الحالات التي استخدمته، وأن كوريا الجنوبية رفضت استخدامه، واليابان لم تعتمده بعد، والتجارب السريرية مازالت في مراحلها الأولى في الدول المعلنة.
تسهل الآلة الإعلامية القائمة وغيرها من الصيغ التفضيلية على وسائل التواصل الاجتماعي، من موافقة عدد أكبر على استخدم العقار، أو عدم الاعتراض عليه، بافتراض وجود مرحلة مسبقة للتوضيح، والحصول على الموافقة، بما يزيد من خطورة الموقف، في وقت ترتفع فيه الأصوات التي تطالب بتقليل الإجراءات الاحترازية في مصر باسم الاقتصاد، بدون مراعاة قدرة الدولة على التعامل مع حالة انتشار واسع للمرض، وعدم التعلم من الدول الأخرى، في مواجهة حالات الانتشار خارج السيطرة، بعد محدودية الأعداد لفترة طويلة نسبيا، وهي أصوات قد يدعمها وهم توفر العلاج المعجزة. بالمقابل لا يحظى العقار في اليابان بهذه القيمة، ومنذ إنتاجه تحتفظ اليابان بخزين يمكن استخدامه في حالة ظهور وباء أنفلونزا متطور أو جديد، يصعب علاجه بالأدوية الموجودة، ولكن لا يتم وصف الدواء، أو تداوله في الأسواق خارج هذا الخزين وأسبابه وشروط استخدامه، وهناك تحذيرات تتعلق بمسؤولية الدواء عن وفيات أو تشوهات الأجنة، بما يتطلب الحذر في حالة السيدات في فترة الحمل، أو احتماله والتخطيط له، وضرورة إبلاغ الذكور بالمخاطر، حيث ينتقل عن طريق السائل المنوي، ولا يستخدم للأطفال مع تحذيرات خاصة بالاستخدام، في حالات مثل كبار السن ومرضى النقرس، وتؤكد الشركة على أهمية شرح التحذيرات للمرضى قبل استخدامه. وإن كانت تلك التحذيرات قائمة في حالة وباء أنفلونزا محتمل، ولا توجد له أدوية أخرى فإن الأمر مشابه في حالة كوفيد-19 ولا يمكن التذرع بحالة الوباء الحالية للتجاوز عن مخاطر العقار أو استخدامه بدون توضيح انعكاساته.
لا يستخدم العقار بشكل واسع في اليابان من أجل كوفيد-19، رغم الاضطرار لإعلان حالة الطوارئ، التي تمكّن الحكومة من اتخاذ إجراءات غير اعتيادية لليابان، وإن كانت عادية في غيرها، بدون أن تسمح بفرض الإغلاق الكامل أو عقاب المخالف للتعليمات. ورغم التحديات يظل التعامل مع أفيجان في إطار التجارب، وموافقة المريض على استخدامه، لأنه إلى جانب الآثار الجانبية، غير مسجل بوصفه عقارا لكوفيد-19. لهذا رغم تزايد الحالات المصابة مازال أفيجان عقارا تحت الاختبار، وسط جدل بين الأطباء حول قيمته وقدرته على معالجة المرض. وإن كانت الحكومة اليابانية، أعلنت عن خطط لزيادة المخزون، بما يسمح بمعالجة 2 مليون مصاب، فإن تلك الخطط تحتاج إلى وقت لزيادة الكمية المتوفرة حاليا، والكافية لعلاج 700 حالة، كما تشير لزيادة المخزون بدون استخدامه حتى يتوافر، إن ثبتت فاعليته في مواجهة كوفيد-19 بعد الاختبارات السريرية في اليابان وخارجها.
لا يعبّر إعلان اليابان عن تقديم العقار بالمجان عن حالة من التنازل، بقدر ما يؤدي إلى مشاركة العالم في توسيع التجارب السريرية، على دواء موجود بالفعل بدون زيادة الاختبارات في الداخل، بما يسمح لها بالحصول على فوائد تجربته على عدد أكبر، بدون أن تدفع ثمن الاختبارات على مواطنيها، أو تواجه تحديات قانونية وصحية للقرار. يعبر الموقف الياباني عن فكرة توزيع المخاطر، من خلال تجربة العقار على عدد محدود من المرضى في عدد كبير من الدول، مع انتظار نتائج أفيجان أو غيره من الأدوية المقترحة عالميا، للوصول إلى قرار علاجي. ولا يحمل الإعلان الياباني في حد ذاته مشكلة، إن اقتصر التعامل مع الدواء خارجها على حدود تعاملها معه بوصفه عقارا من عقارات محتملة، تتم تجربتها حول العالم، وأن يتم طرح المعلومات بوضوح وتحديد عدد من يتم الاختبار عليهم، ومعرفة تلك الحالات بكل ما يحيط بالعقار من فرص وتحديات، وإعلان النتائج بشكل علمي، بدون تضخيم وغموض مقصود. أما المخاطر فتبدأ عندما يترك العقار الحدود التي تمنع التعامل معه، بوصفه معجزة، والأصوات التي تشكك وتدعو للتمهل، والحد من المخاطر، إلى عالم ضرورة إعلان إنجاز ما، في كل خطوة، مع غياب الحقائق وسيادة الأصوات العالية التي تنتج مصداقية وهمية، يمكن أن يدفع البعض ثمنها في اللحظة والمستقبل، حتى بعد أن يتحول كوفيد-19 إلى ماض.
وفي النهاية يظل السؤال هل تتحول منحة اليابان في عالم كورونا إلى فرصة لتوسيع تجربة الفئران البشرية؟ أم فرصة لإعلاء قيمة البشر والعلم والمصداقية حتى في زمن الكوارث؟
كاتبة مصرية
*حتى هذه اللحظة يقف العالم
عاجزا امام الشبيح(كورونا )..؟؟؟!!!
*يا ربنا ما أعظمك وما ارحمك بدون
رحمتك نحن هالكون..
فلك الحمد والشكر والتسليم.
عودا محمودا
الكاتبه المتألقه دائما السيده عبير
افتقدنا تحليلاتكم الرائعه
جهد ومعلومات وتفاصيل وعنوان مهم («أفيجان» ومخاطر تحول البشر إلى فئران تجارب في زمن كورونا)،
ولكن حب القبح وكره الجمال أو العكس، لا تخلق إقتصاد قبل أو بعد فايروس كورونا في أي مجتمع أو دولة،
بغض النظر عن الغش والفساد وانعدام المصداقية، في رسالة الإعلام أو الثقافة أو السياسة في آلة النظام البيروقراطي في أي دولة عضو في الأمم المتحدة،
صراع من له حق الإدارة والحوكمة في مصر، الآلة العسكرية النظام البيروقراطي، أم الآلة المدنية،
من وجهة نظري هو سبب الهدر الإقتصادي، الذي فضح تقصير وفساد وغش ورياء نفاق الجميع فايروس كورونا،
مثل الطفل الذي أشار إلى أن الملك/الامبراطور/الفرعون عاري، لا توجد أي بدلة سحرية عليه.
نحن الآن، بلا وسيلة لاكتشاف المرض أصلاً، وليس بلا علاج له فقط، ومن هنا سبب الحجر،
علينا أن نتعلم كيف ننتج منتجاتنا عن بُعد، لو أردنا خلق إقتصاد إنساني، وليس آلي أو حيواني في عصر مختبرات فيروسات كورونا.??
??????