محكمة ألمانية- أرشيف
كوبلنز (ألمانيا) ـ «القدس العربي» : بدأت في مدينة كوبلنز الألمانية الخميس مرافعات الجلسة الخاصة ضد جرائم الدولة في سوريا. ومن المقرر مواصلة المحاكمة ضد المتهمين الرئيسيين السوري أنور. ر (58 عاماً) و السوري إياد.أ التي بدأت في نيسان/أبريل 2020 . ولمحاكمتهما تطبق ألمانيا مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
وقال المدعي العام ياسبر كلينجه إنه من المهم في ألمانيا بصفة خاصة بسبب المسؤولية التاريخية ألا يتم قبول أي جرائم ضد الإنسانية – كالتي يتم وصفها في صحيفة الادعاء المعروضة. وأضاف أن مبدأ القانون العالمي في القانون الجنائي الدولي يسمح بالمقاضاة هنا ضد أي جرائم حرب مشتبه فيها ارتكبها أجانب في دول أخرى.
متهم بالتعذيب وسلب الحرية
وكانت ألمانيا قد سنت عام 2002 قانوناً خاصاً يسمح لمحاكمها بالتدخل في نزاعات وبت القضايا حتى لو لم يكن الحدث على أراضيها ولا يوجد ألمان مشاركون، وذلك على مبدأ الولاية القضائية العالمية للجرائم الدولية، مثل جرائم الحرب والإبادة الجماعية. ونجحت ألمانيا بالفعل في جعل القانون المحلي الألماني يتوافق مع نظام روما الأساسي، وهي معاهدة تم على أساسها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في ذلك العام.
ويتهم الادعاء العام المدعى عليه أنور ر. 58 عاماً الذي لا يمكن ذكر هويته بالكامل طبقاً للقانون الألماني، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الفترة بين عامي 2011 و2012 وجاء في صحيفة الاتهام ضده، أنه يشتبه أنه كان مسؤولاً عن تعذيب ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص بسجن المخابرات العامة في العاصمة السورية دمشق بصفته رئيساً للتحقيقات، ويشتبه أن 58 سجينًا على الأقل لقوا حتفهم إثر ذلك. ونفى أنور ر. هذه الادعاءات في بداية المحاكمة.
وفي شباط/فبراير من العام الجاري تمت إدانة المتهم الأصغر سناً منهما، وهو السوري إياد أ.،45 عاماً، بالسجن لمدة أربعة أعوام ونصف العام بتهمة المساعدة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وحسب ما نشر موقع «تاغيس شاو» الاخباري الألماني كان إياد، الذي فرّ إلى ألمانيا وتم القبض عليه فيها، عميلاً لدى جهاز المخابرات العامة في سوريا.
ووفقاً لقناعة المحكمة، فإن المتهم (44 عاماً) مذنب بتهمة التعذيب وسلب الحرية. وحسب قناعة القاضي، كان إياد أ. قد أسهم خلال وجوده في سوريا في عام 2011 في إدخال 30 متظاهرًا في مظاهرات الربيع العربي في سوريا إلى سجن التعذيب الذي كان يترأسه المتهم أنور ر. يشار إلى أنه لم يتم حتى الآن اتخاذ قرار بشأن الاستئناف الخاص بإياد أ. ضد الحكم الصادر ضده.
أما المتهم الثاني أنور رسلان فيعتبر أكثر أهمية في جهاز الأمن السوري الواسع، وملاحق بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قتل 58 شخصاً وتعذيب أربعة آلاف معتقل.
ويؤكد الادعاء أن رسلان كان جزءاً من نظام يُمارس فيه التعذيب على نطاق واسع. ولزم إياد خلال جلسات الاستماع التي استمرت عشرة أشهر، الصمت وأخفى وجهه عن الكاميرات. ومع ذلك فقد كتب رسالة أعرب فيها عن حزنه على الضحايا، وكان يبكي وهو يستمع إلى محاميه وهم يطالبون ببراءته بحجة أنه كان سيعرّض حياته وحياة أسرته للخطر إذا لم ينفذ أوامر في نظام يسحق كل نية العصيان.
وللمرة الأولى عُرضت صور من «ملف قيصر» على المحكمة. وقام هذا المصور السابق في الشرطة العسكرية بتسريب خمسين ألف صورة مجازفاً بحياته، يظهر فيها 6786 معتقلاً سورياً قتلوا بوحشية أو يتضورون جوعاً أو يعانون من آثار تعذيب. والصور التي تم تحليلها في المحكمة من قبل أخصائي الطب الشرعي البروفسور ماركوس روتشيلد تشكل أدلة مادية دامغة.
وتم التعرف على أنور أر. وإياد أ. من جانب ضحايا محتملين بعد هروبهما إلى ألمانيا وتم إلقاء القبض عليهما في برلين وتسفايبروكن في عام 2019.
ويصف الادعاء العام الألماني هذه القضية بأنها أول قضية جنائية على مستوى العالم ضد جرائم تعذيب متورطة فيها جهات حكومية سورية. واستقر في قناعة المحكمة العليا في مدينة كوبلنز الألمانية أن المتهم السوري إياد غريب مذنب بتهمة ارتكاب جريمة ضد الإنسانية.
وكان المتهم تحت إمرة ابن خال بشار الأسد والمقرب منه حافظ مخلوف المعروف ببطشه. ومع ذلك، استنكر أحد محامي الادعاء المدني باتريك كروكر صمته. وقال إن أشخاصاً «من رتبته يمكن أن يكونوا مهمين جداً لإعطائنا معلومات (عن المسؤولين السوريين) الذين نستهدفهم بالفعل لكنه اختار عدم القيام بذلك».
بداية التحرك القضائي
وفي أوائل أكتوبر/ تشرين الأول قدم تحالف من ثلاث منظمات غير حكومية شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا ضد أشخاص لم يتم الكشف عن أسمائهم فيما يتعلق حسب ما يبدو أنها هجمات بغاز السارين على الغوطة عام 2013 وعلى خان شيخون في عام 2017.
وكانت ألمانيا قد سنت عام 2002 قانوناً خاصاً يسمح لمحاكمها بالتدخل في نزاعات وبت القضايا وبذلك، وسعت ألمانيا ولايتها القضائية لتشمل «أخطر الجرائم التي تمس المجتمع الدولي ككل» ليتبع ذلك إلى قيام كل من «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح» و»الأرشيف السوري» و»المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» بتقديم شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي في كارلسروه، حيث بدأت وحدة جرائم حرب – تأسست حديثاً- تحقيقًا تفصيلياً عام 2011 في الفظائع المرتكبة في سوريا.