ألمانيا تترقب حكومتها المقبلة: أين ستتجه القوة الاقتصادية الأكبر في القارة؟

علاء جمعة
حجم الخط
0

التصويت أظهر مدى تغلغل النزعة القومية والشعبوية في المشهد السياسي الألماني، ويأتي هذا التحول إلى اليمين في لحظة محورية بالنسبة إلى ألمانيا وحلفائها الأوروبيين.

برلين ـ «القدس العربي»:  بعد أيام من الانتخابات العامة في ألمانيا، بدأ التحالف المسيحي الفائز في الانتخابات والحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي حل في المركز الثالث، محادثات أولية بين الأحزاب الكبيرة لاستكشاف امكانيات تشكيل ائتلاف حاكم.

ويواصل رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي ومرشح التحالف المسيحي لمنصب المستشار فريدريش ميرتس، ورئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري ماركوس زودر، ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينغبايل المحادثات من أجل وضع تصور لكيفية تشكيل الحكومة المقبلة ووضع الخطوط العريضة الأولية والجدول الزمني لمفاوضات الائتلاف. وكان ميرتس قد أوضح مرارا من قبل أنه نظرا للتحديات الكبرى، فإنه لا يريد إضاعة أي وقت ويريد تشكيل حكومة بحلول عيد الفصح في نيسان/أبريل المقبل. ومع ذلك أكد كلينجبايل مرارا أنه لن تكون هناك مشاركة تلقائية لحزبه في الحكومة.
تصف الصحف الألمانية الحكومة الألمانية المقبلة بأنها «حاسمة لأوروبا»، مشيرة إلى أن القارة العجوز «تعيش على وقع الصدمة بعد عودة دونالد ترامب إلى الساحة السياسية الأمريكية»، ما يجعلها تترقب توجهات السياسة الألمانية بحذر.
وفي السياق ذاته، تقول صحيفة «فيلت» إن ألمانيا تواجه حالة من القلق الجماعي، إذ لم يكن أي استحقاق انتخابي في العقود الماضية مصحوبًا بهذا الكم من المخاوف. وتضيف الصحيفة: «ألمانيا الخائفة ترتقب تشكيل الحكومة، حيث يتزايد الشعور بأن النظام الداخلي قد يكون في خطر، وليس فقط السياسة الخارجية».

تحذيرات من لحظة الحقيقة

ترى «شبيغل» أن على القادة الألمان مصارحة المواطنين بالحقيقة القاسية، مشيرة إلى أن ألمانيا تمر بمرحلة تاريخية دقيقة وخطيرة، وأنه يجب تحذير الشعب من أن المستقبل قد يكون «قاتمًا»، وسيتطلب تضحيات جماعية كبرى. وتضيف الصحيفة: الأمر لا يتعلق فقط بالاقتصاد، بل بالديمقراطية نفسها.
ويشكل تنامي نفوذ حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD) مصدر قلق عالمي. فحسب «واشنطن بوست» والتي نقلت عنها «شبيغل» الألمانية فإن ألمانيا، وبعد ثمانية عقود من سقوط النازية، قد تجد نفسها أمام حزب يميني متطرف كأحد أكبر القوى السياسية في البرلمان.
وجاء حزب البديل من أجل ألمانيا ثانيا بنحو 20 في المئة من الأصوات، وهو ضعف النسبة التي حصدها قبل أربع سنوات، وتمثل نتيجة تاريخية للحزب اليميني المصنف متطرفا في بعض الولايات، الذي تأسس عام 2013. وقالت زعيمة الحزب أليس فايدل «ستظل يدنا ممدودة دائما للمشاركة في الحكومة وتحقيق إرادة الشعب». لكنّ المحافظين يستبعدون أي تحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا رغم «المغازلة» البرلمانية بينهم بشأن قضايا الهجرة والأمن خلال الحملة الانتخابية.
وأصبح حزب «البديل» أقوى حزب في جميع الولايات الخمس بشرق ألمانيا، وثاني قوة سياسية في ألمانيا، وفقا للتقديرات الأولية لنتائج الانتخابات. وتجدر الإشارة أن بعض مؤسساته يتم مراقبتها من قبل الاستخبارات الداخلية. يشار إلى أن انتخابات البرلمانات الإقليمية التي جرت في ثلاث ولايات بشرق ألمانيا العام الماضي، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا مكاسب كبيرة، لكنه لم يصبح الحزب الأقوى إلا في ولاية تورينغن. وفاز حينذاك الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الانتخابات الإقليمية بولاية براندنبورغ، بينما فاز الحزب المسيحي الديمقراطي في ولاية سكسونيا.
وتضيف المجلة الألمانية أن التصويت أظهر مدى تغلغل النزعة القومية والشعبوية في المشهد السياسي الألماني، ويأتي هذا التحول إلى اليمين في لحظة محورية بالنسبة إلى ألمانيا وحلفائها الأوروبيين الذين أصيبوا بالصدمة إزاء الإعلانات الصادرة عن إدارة دونالد ترامب بشأن الحرب في أوكرانيا، والمخاوف من انهيار التحالف عبر الأطلسي، والتهديدات بزيادة الرسوم الجمركية.

الاقتصاد الألماني عند مفترق طرق

القناة الإخبارية التلفزيونية NTV ترى أن الحكومة المقبلة مفصلية بالنسبة لأكبر اقتصاد في أوروبا. وتصفها بأنها «لحظة إما النجاح أو الانهيار»، مشيرة إلى أن الناخبين الألمان قاموا بالتصويت وسط أزمة اقتصادية حادة، حيث تعاني البلاد من ركود اقتصادي ومخاوف بشأن الضرائب والقدرة التنافسية.
وحسب القناة التلفزيوينة قد تُطول مفاوضات تشكيل الحكومة أشهرًا عدة، ما يعني بقاء المستشار الحالي أولاف شولتس في منصبه لتصريف الأعمال، وهو ما سيؤدي إلى فراغ سياسي في قلب أوروبا في وقت تواجه فيه القارة أزمة اقتصادية، تهديدات ترامب التجارية، واستمرار الحرب في أوكرانيا.
وهيمن الحزب المتطرف على الحملة الانتخابية من خلال خطابه المناهض للهجرة، والذي زادت حدته بعد هجمات نفذها أجانب في ألمانيا، كان آخرها طعن سائح إسباني عند النصب التذكاري للهولوكوست في برلين مساء الجمعة، حيث ألقت السلطات القبض على شاب سوري كان يخطط «لقتل يهود»، حسب القضاء الألماني.

موعد إعلان الحكومة؟

يتوقع ميرتس تشكيل حكومة بحلول عيد الفصح (20 نيسان/أبريل)، لكن هذا قد يكون هدفًا صعب التحقيق، نظرًا لعدم توفر أغلبية واضحة لأي حزب. ومع استبعاد جميع القوى السياسية الكبرى التحالف مع البديل من أجل ألمانيا، سيظل المشهد السياسي معقدًا.
ومع ارتفاع نسب المشاركة وتفاقم الانقسامات السياسية، تبقى ألمانيا في انتظار نتائج قد تعيد تشكيل مستقبلها السياسي والاقتصادي، وبينما تتواصل عمليات التصويت فإن أوروبا والعالم يحبس أنفاسه، مترقبًا إلى أين ستتجه القوة الاقتصادية الأكبر في القارة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية