ترجع أصول شعار «أمريكا أولاً» إلى العشرينات من القرن الماضي، أي بعيد الحرب العالميّة الأولى، فالأربعينات حيث تعزّز وتأصّل. وقد أعيد طرحه في ولاية دونالد ترامب الأوّل (2016-2020)، ثمّ ولاية ترامب الثاني، التي لا تزال في بداياتها حيث صار هذا الشعار أمسّ به، وكأنّه من نحته. وهو أشبه بـ«خريطة طريق» على نحو مثير سواء من حيث السياسة الداخليّة والخارجيّة: «الحمائيّة القوميّة» في مستويات شتّى مثل تعزيز قيود الهجرة، و«نكث العهود» أو عدم لزوم ما يلزم سياسيّا وأخلاقيّا من الاتفاقيّات والمعاهدات الدوليّة (اتفاق باريس المناخي أو منظمّة التجارة العالميّة أو منظّمة الصحّة العالميّة)؛ أو من حيث تأثيره «في» و«على» أوروبا وأنحاء أخرى من العالم مثل العالم العربي اقتصاديّا وسياسيّا وثقافيّا. وما يعنيني في السياق الذي أنا به، هو الناحية الثقافيّة؛ وإن يظلّ من الصعوبة بمكان، التطرّق إليها بمعزل عن ملابساتها الاقتصاديّة والسياسيّة. وهي ناحية أساسها الهويّة الأمريكيّة وقيم المجتمع أو القيم الوطنيّة ورموزها التي يغالي ترامب في الإشادة بها؛ وكأنّه زعيم من العالم الثالث، مثل العلم والنشيد الوطني وتمجيد أبطال أمريكا؛ وكلّ ما يذكي الخيال والترانيم الوطنيّة مثل «صُنع في الولايات المتحدة». وهو شعار يمتدّ إلى هوليوود والموسيقى والأزياء والجامعات وما إلى ذلك؛ بواسطة التأثير على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والسرديّة الجماهيريّة وبعض القنوات مثل فوكس نيوز، أي تلك التي ترسّخ مبدأ «الحلم الأمريكي» في القوّة أكثر منه في الحرّيّة، وأن تكون أمريكا في قمّة الهرم؛ أي «منارة العالم» دون الآخرين حتى من حلفائها الأقربين، بالرغم من أنّ هناك وسائل إعلام أخرى مثل سي إن إن أو نيويورك تايمز، تتحفّظ على الشعار «أمريكا أوّلا» أو هي تعارضه. لكن ثمّة تأثيرات أخرى، على الفنون والآداب مثل عودة «الديستوبيا» بقوّة، أي هذا النوع الأدبي الاستشرافي الذي يعالج القضايا المجتمعيّة، وأخطار الأيديولوجيات. ويتمثل الدارسون برواية «الخادمة القرمزيّة» أو»الخادمة الحميراء» إذا جاز لي؛ لمارغريت أتوود، وهي مترجمة إلى الفرنسيّة. وتعدّ رغم غرابتها، من أفضل «الروايات الديستوبيّة» التي تعرّي أمريكا المعاصرة «جمهوريّة ترامب» أو»جمهورية جلعاد» التي أسّسها غلاة دينيّون؛ حيث تضمرُ معدّلات الخصوبة؛ فيتّخذ أهلها القليلات المتبقّيات القادرات على الإنجاب إماء؛ لتكثير الولادة؛ مثل «الخادمة القرمزيّة» وهي «غُفل» جرّدت من اسمها، فترتدي ثوبًا أحمر زاهيا، وهو تعبير كنائي جنسيّ؛ وتبذل جسدها لقائدها وزوجته. وللون القرمزي رموز منها الشجاعة والفرح والتضحية، بيْد أنّه ارتبط أكثر بالبغاء والزنا. وكان يفرض في أوروبا القرون الوسطى على بائعات الهوى ارتداء ملابس أو علامات قرمزيّة. ولعلّ مثال ذلك رواية «الحرف القرمزي» لناثنيال هاوثورن (1804 ـ 1864). وتعود إلى الواجهة رواية سينكلير لويس «يستحيل أن يحدث هنا» 1935. وهو أوّل أمريكي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1930 لما تتميّز به رواياته، من قوّة في تصوير النزعة التجاريّة والاستهلاكيّة المبتذلة، لدى الطبقة المتوسّطة الثريّة في أمريكا، وهي تنقد تعصّبها الديني وتسخر من ريائها. أمّا روايته هذه؛ وقد أعيد نشرها في فرنسا في ترجمة أولى، فهي «استشرافيّة» أيضا، أو «معاصرة بشكل مذهل»، إذ تروي قصّة ارتقاء ديماغوجي استثنائي «باز ويندريب» سلّم السياسة وتسنّم سدّة السلطة في أمريكا، بسرعة عجيبة؛ وهو زعيم شعبويّ يتمّتع بـ«كاريزما» قويّة في استهواء الجماهير عامّة وعمّال المناجم الجياع والمزارعين والعاطلين؛ و«كانت أيديهم ترتفع في ضوء المشاعل، لتحيّته مثل سرب من الطيور المذعورة». أمّا في الشعر الأمريكي المعاصر، فيستوقفنا شعراء من أمثال لايلي لونغ سولجر وناتالي ديازو سولماز شريف وجيريكو براون ودانيز سميث وكلوديا رانكين وأوشن فونغ. وقد ترجمت شخصيّا بعض قصائدهم، عن الفرنسيّة؛ وشدّتني فيها هذه العودة القويّة إلى الالتزام، وما هو أمسّ بـ«الشعر التوثيقي» والسيرة الذاتيّة. والشعر عندهم مقاومة ونقد؛ ومداره على العنصريّة والاستعمار والعنف والإقصاء الاجتماعي والجريمة والهويّة وتناقضاتها، والسياسة الأمريكيّة الوحشيّة. وفي المتخيّل السردي، يمكن أن نذكر كتاب «الحرب الأمريكيّة» للمصري الكندي عمر العقّاد (2017) حيث أمريكا منقسمة على نفسها، وهي في حرب أهليّة؛ بسبب التوتّرات السياسيّة والاجتماعيّة. ولا ننسى العروض المسرحيّة والأدائيّة عامّة التي تستنطق بأدوات الفنّ السياسات القوميّة المرتبطة بهذا الشعار؛ أي أمريكا السياسيّة التي تنشد أن تكون «الاستثناء» أو «الأنموذج» حتى لو أفضى بها ذلك إلى «الانعزاليّة»، وغياب ما يسمّى «الحوار الحضاري». وهو اليوم ملتبس جدا، وخاصّة في ثقافة مثل ثقافتنا، هبّت عليها رياح الوافد الثقافي الغربيّ، ولا تزال. ومؤثّرات القرن الماضي ونهايات القرن العشرين هي التي ترسم هذه الألفية الثالثة حيث يتّجه كلّ شيء تقريبا، لولا أقطاب أخرى مثل الصين؛ نحو تأكيد هيمنة الغرب/ أمريكا التكنولوجيّة والعسكريّة وإحكام سيطرتها عل المؤسّسات الدوليّة أو حظر تمويلها. وهي هيمنة تسوّغها أمريكا باسم عالميّة الرأسماليّة وعولمة قيمها، ولم تعد تنطلي بعد محنة غزّة /فلسطين خاصّة، وحرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل بأسلحة أمريكيّة وأوروبيّة؛ برغم كلّ ما يقال عن حوار الحضارات أو عن التعدّدية الثقافيّة في خصوصياتها الإثنيّة والدينيّة.
والانخراط في هذا الأفق على صعوبته، يقتضي عودة إلى ما يسمّى قانون القيمة معرفيّا، وتحديد آليات النظام العالمي، والمسوّغ في توصيفه بـ«الأمركة» أو «التغريب»، ومفهوم الاستقطاب وفكرة انقسام العالم الرأسمالي إلى مركز وأطراف وما ترتّب ويترتّب عن ذلك من نتائج تتعلّق بالدوافع الثقافيّة في عمليّتي التغريب والتهميش.
ويحسن أن لا ننسى مسألة الديناميكيّة السياسيّة والثقافيّة في مخطّطات الطبقات المتنفّذة في مجتمعات المركز. فلابد إذن من إعادة تأصيل للأصول نفسها، كأنْ نضيف إلى قيمة استعمال السلعة وقيمة تبادلها في المجتمعات الاستهلاكيّة عامّة قيمة التبادل الرمزي؛ عسى أن نستعيد البعد الثقافي، وندرك أنّ الحوار المنشود وهو اليوم مفقود؛ إنّما هو بين العرب بعضهم بعضا في المقام الأوّل، ذو قيمة رمزيّة محورها منظومة من الرموز التي تصنعها سلطة ثقافيّة سياسيّة مستنيرة. وهذه على ما يُرجّح «حقيقة» لا يمكن حجبها، فهناك ما يسمّى «تغريب العالم» أو «أمركته»، مجسّدة اليوم في ترامب الثاني الذي يريد أن يفرض سلطته على العالم كلّه، أو يعيد إنتاجها من دون أي تدخّل من مجتمعات الأطراف.
ولعلّ الأقرب إلى الحقّ ما يقوله أهل الاختصاص، من أنّ الجدليّة القائمة بين القاعدة الاقتصاديّة أو قاعدة التراكم الرأسمالي من جهة والبعد الثقافي أو الرمزي من جهة أخرى، تبيّن أنّ أمريكا ليست قادرة على فرض «الأمركة» على العالم؛ لأنّ هذا يستلزم تحويل العالم، ليكون على غرارها. وليس بإمكان أمريكا ولا الغرب تحقيق هذه القدرة الاستهلاكيّة للعالم أجمع. ولذلك تظلّ مجتمعات الأطراف ونحن منها تعيش على هامش المجتمع الاستهلاكي. وهذا وغيره يقتضي رسم منهج جديد يأخذ بالاعتبار العوامل الثقافيّة في ديناميّة الاستقطاب الأمريكي، والتداخل ما بين الثقافي والسياسي. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا التداخل يمكن أن يعبّر أيضا عن تشبّع ببعض الإحداثيّات الفكريّة الحديثة التي تتجاوز القول بأحاديّة الذّات أو بساطة الهويّة، وترى إلى «الإنّيّة» باعتبارها وجودا مركّبا سواء أكان تعبيرا عن تعالق بين النّفس والجسد، أو عن تواشج بين الوعي واللاّوعي، أو عن تداخل بين الفرديّ والجمعيّ أو عن التباس بين الأنا والآخر، أو عن تنافذ بين المقول والمسكوت عنه، أو عن غير ذلك من هذه المركّبات لا الثّنائيّات؛ لأنّ الأمر لا يتعلّق بتقابلات وإنّما بانصهارات. لنقل إذن إنّ لهذا الشعار تأثيرا على تصوّر العالم لأمريكا «الترامبية» و«رؤيتها القوميّة البديلة» سياسيّا وثقافيًا؛ وهو في ما يؤكّده العارفون بأمريكا، يذكي التوتّرات العرقيّة والرؤية المحافظة التقليديّة، بدل التنوّع الذي تميّز به المجتمع والثقافة. والأخطر والخطير معا أنّه تأثير يتجاوز حدود الولايات المتّحدة، في مفارقة عجيبة بين الحدود الجغرافيّة التي تحرسها أمريكا ترامب بقوّة السلاح أكثر فأكثر، وهي تبني جدارها العازل؛ وتخرقه بالدعوة إلى ضمّ كندا وجزيرة غرينلاند، وبين العلاقات الدوليّة والإعلام والثقافة التي لن تسلم من هذا الشعار. فهو شعار «الانعزاليّة» و«الانتشار» أو «التوسّع» معا. لكنّ اللافت أنّ بعض الدول في أوروبّا خاصّة، أضحت تعيد التفكير في هويّتها استئناسا بالسياسة وبالثقافة الأمريكيّة، بما فيها تلك التي تتهدّد حرّيّة التعبير؛ على نحو ما نلاحظ في فرنسا التي يرفض يمينها العنصري مناقشة جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر خاصّة، ولو من منظور تاريخيّ علميّ.
إنّ شعار»أمربكا أولاً» سياسيّ وتجاريّ على قدر ما هو ثقافيّ أيضا، حيث القوميّة الأمريكيّة تضع نفسها في المقام الأوّل؛ وهو في مجلى الواقع والحقيقة «أمريكا أولا وأمريكا أخيرا».
*كاتب من تونس
ههه أمريكا مع ترامب المتصهين الأرعن المجنون ستسقط في قعر الجب وحق الرب 😎😁☝️🔥🚀
بكل تأكيد، شعارا “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” و**”أمريكا أولًا”** لا يقتصران على القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، بل يعكسان أيضًا مشروعًا ثقافيًا عالميًا يسعى إلى ترسيخ أمريكا كمرجعية حضارية لا يمكن تجاوزها. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الولايات المتحدة على القوة الناعمة بقدر ما اعتمدت على القوة الصلبة، حيث فرضت ثقافتها عالميًا من خلال السينما، الموسيقى، الأدب، والتعليم، مما جعل النموذج الأمريكي يبدو وكأنه المسار الطبيعي للتقدم. لكن مع ظهور قوى ثقافية منافسة – من الصين وأفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية – بات من الضروري تجديد هذا المشروع عبر استراتيجيات أكثر تطورًا تقوم على الاستحواذ الرمزي وإعادة تدوير الهيمنة.
إن عبارة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” تعني ضمنيًا استعادة الدور المركزي للثقافة الأمريكية، بحيث لا تكون مجرد ثقافة قوية ضمن ثقافات متعددة، بل الثقافة التي يعيد العالم إنتاجها باستمرار حتى عندما يعتقد أنه مستقل عنها…(تتمة)
نعم، الطعام المكسيكي في الولايات المتحدة مثال آخر على الاستحواذ الرمزي وإعادة تدوير الهيمنة. فعلى الرغم من أن المطبخ المكسيكي تقليديًا غني بالتاريخ والنكهات، فإن ما يعرفه العالم اليوم كـ”طعام مكسيكي” هو في كثير من الأحيان نسخة أمريكية معدّلة منه، تُعرف باسم “Tex-Mex” أو حتى “Fast-Mex”.
ما حدث هنا هو أن أمريكا تبنّت المطبخ المكسيكي، ثم أعادت صياغته وفقًا لمعاييرها التجارية والاستهلاكية، بحيث أصبح منتجًا سهل الانتشار عالميًا من خلال العلامات التجارية الكبرى مثل Taco Bell وChipotle. هذه السلسلة من المطاعم لا تقدم طعامًا مكسيكيًا تقليديًا، لكنها أعادت تعريف الفكرة العالمية عن المطبخ المكسيكي عبر وجبات سريعة مبسطة، تناسب الذوق الأمريكي وتتماشى مع نمط الحياة الحديث.
هكذا، لم تعد المكسيك هي المصدر الوحيد لثقافتها الغذائية، بل أصبحت أمريكا المركز الجديد لإنتاج وتصدير نسخة “عالمية” منها. وبهذا، فإن المطبخ المكسيكي يتحوّل إلى جزء من اللعبة الثقافية الكبرى، حيث تعيد أمريكا تدوير ثقافة الآخر، ثم تتحكم في سرديتها وانتشارها، مما يعزز من اختراقها الحضاري حتى داخل الدول الأصلية لهذه الثقافة نفسها.
التيلينوفيلا (او المسلسلات الدرامية العاطفية اللاتينية ) أيضا ساحة استراتيجية للاستحواذ الرمزي وإعادة تدوير الهيمنة، حيث تتقاطع محاولات الحفاظ على هويتها الأصلية ومساعي إعادة تشكيلها بما يخدم أجندات الهيمنة العالمية والنفوذ المتجدد، خاصة الأمريكية. هذه المسلسلات التي كانت لعقود جزءًا أساسيًا من الوجدان اللاتيني، سواء في الداخل أو في المهجر، تحمل رمزية قوية تتجاوز مجرد كونها أعمالًا ترفيهية، إذ تمثل نموذجًا دراميًا يعكس القيم المجتمعية، والعلاقات الأسرية، والصراعات الطبقية، وحتى الأحلام الجماعية لشعوب المنطقة. لكن مع تراجع تأثيرها عالميًا، وظهور منافسين جدد مثل الدراما التركية والكورية، أصبحت التيلينوفيلا مرشحة إما لإعادة إنتاجها ضمن إطار ثقافي جديد تسيطر عليه قوى خارجية، أو لاستعادتها كأداة لتعزيز الهوية اللاتينية عالميًا…
…في السيناريو الأول، قد تتبنى الولايات المتحدة هذا الشكل الدرامي، وتعيد تقديمه من خلال منصاتها الكبرى مثل نتفليكس وهوليوود ( او عبر شركات مثل Telemundo، التي رغم أنها تستهدف الجمهور اللاتيني، إلا أنها تعمل في إطار الإعلام الأمريكي، ما يجعلها أداة مثالية لإعادة تدوير هذه الدراما وفق القوالب الأمريكية، سواء من خلال التكيف مع معايير الإنتاج الهوليوودي أو من خلال إعادة صياغة الرواية اللاتينية ضمن سردية أمريكية معولمة)، وبالتالي تعديل هذا الشكل الدرامي ليناسب ذوق الجمهور الأمريكي أو حتى العالمي، مما يؤدي إلى إفراغه من عناصره الأصلية واستبدالها بمحتوى أكثر انسجامًا مع الهيمنة الثقافية الأمريكية. هنا، يتحول المنتج الثقافي من رمز لاتيني إلى مادة خام معولمة تُستهلك ضمن السياق الأمريكي، ما يجعله جزءًا من عملية إعادة تدوير الهيمنة الثقافية. في المقابل، قد تسعى بعض الدول اللاتينية إلى استعادة هذا الإرث الدرامي، عبر تحديث أساليب إنتاجه وتسويقه بشكل يتماشى مع المنافسة الدولية، دون التخلي عن خصوصيته الثقافية، مما قد يمثل شكلًا من أشكال المقاومة داخل اللعبة الثقافية الكبرى…
…في النهاية، يبقى السؤال معلقًا حول ما إذا كانت التيلينوفيلا ستظل أداة لتعزيز الهيمنة الخارجية من خلال إعادة تشكيلها وفق الأجندة الأمريكية، أم أنها ستنجح في إعادة فرض نفسها كقوة ثقافية مستقلة تستعيد بريقها العالمي دون التفريط في هويتها الأصلية.
…هذا قد يتجلى في إعادة بناء شبكات الإعلام العالمية بحيث تظل الروايات الكبرى تُروى من منظور أمريكي، أو في دعم الشركات الترفيهية والتكنولوجية بحيث تحكم السيطرة على المنصات التي تشكل وعي المجتمعات الأخرى، مثل نتفليكس ويوتيوب وتيك توك. في هذا السياق، فإن صناعة الترفيه الأمريكية تصبح سلاحًا استراتيجيًا، حيث يتم ضخ روايات تتبنى القيم الأمريكية، وتعزز نموذج النجاح الأمريكي، وتُضعف الروايات المحلية التي قد تشكل تحديًا ثقافيًا مستقلًا.
لكن الهيمنة الثقافية ليست مجرد مشروع استهلاكي، بل تتطلب أيضًا خلق رموز جديدة تعيد ترسيخ المركزية الأمريكية على مستوى الهوية والخيال الجمعي. يمكننا تصور سيناريوهات يتم فيها استخدام التكنولوجيا المتقدمة – مثل الذكاء الاصطناعي أو الميتافيرس – لتصميم عوالم افتراضية تصبح امتدادًا للثقافة الأمريكية، أو الترويج لشخصيات رمزية أمريكية تُعيد بناء صورة البطل العصري الذي يحتكر قيم الحداثة والتقدم…(تتمة)
…وبهذه الطريقة، لا تصبح أمريكا فقط جزءًا من النظام الثقافي العالمي، بل تتحول إلى النظام نفسه، بحيث يكون الوجود الثقافي الأمريكي في أي مجتمع جزءًا من طبيعته المعاصرة، وليس مجرد تأثير خارجي.
إن هذه الشعارات ليست مجرد خطابات سياسية، بل يمكن فهمها كخطة لإعادة هيكلة النفوذ الأمريكي في عصر التعددية الثقافية. ففي عالم تتنافس فيه الحضارات على من يمتلك السردية الأكثر إقناعًا، فإن أمريكا تحتاج إلى أكثر من مجرد الاقتصاد القوي أو الجيش المتفوق، بل تحتاج إلى إعادة هندسة الهيمنة الثقافية بحيث لا تترك أي مجال لنشوء نموذج بديل. وبهذا، فإن “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” قد لا يكون مجرد استعادة لماضٍ مجيد، بل تصميمًا لمستقبل تصبح فيه أمريكا مرة أخرى نقطة البداية والنهاية لأي طموح ثقافي عالمي.
عبر الحرب الباردة كانت دول العالم عالة على إتحاد سوفياتي فسقط وانسحب من العالم وبدأت مرحلة عولمة وتجارة حرة وتحولوا جميعا مع روسيا والصين إلى عالة كاملة على اقتصاد أمريكا لدرجة استنزافه رغم ضخامته فنجح اتجاه امريكا أولاً وبدأت الضغط على كل من سبق أن دعمتهم بشكل كبير لأخذ مقابل بشكل أو بآخر فتريد أرض جرينلاند من أوروبا واسترجاع قناة من بنما وتحويل كندا لولاية 51 ونصف تريليون معادن نادرة من أوكرانيا وتريد أرض وشاطيء قطاع غزة من إسرائيل وتريد أرض مناسبة من كل دولة عربية دعمتها لإخلاء الغزاويين لها.
الترامبية تحفز الشعبوية وتضعف العولمة، ولو كانت امريكية؛ لذلك عادت الشعوب لتتفقد هويتها. لكن ما هي هوية العرب وهم في قلب العالم كله؟