أمريكا توجه “فيتو مؤدباً” لـ”حكومة التطرف” وإسرائيل تتحدث عن تهديدات 2023

حجم الخط
1

 مفاجأة مختلطة بالقلق – هذه هي الطريقة التي تنظر بها واشنطن لنتائج الانتخابات في إسرائيل وإلى وجه الحكومة الجديدة التي تلوح في الأفق. الإدارة الأمريكية، كما نشر، تدخلت بشكل استثنائي في مهمة تشكيل الحكومة في البلاد ووضعت أمام نتنياهو خطاً أحمر – فيتو مؤدب بدرجة معينة على تسليم ملف الدفاع لرئيس “الصهيونية الدينية”، عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش. ولكن حتى الآن من غير الواضح، حتى للأمريكيين، إذا كان هذا تحذيراً حقيقياً. هل فحص نتنياهو حقاً تسليم الملف الرئيسي جداً للمؤشر الثاني الأكثر يمينية في حكومته، أم أنه استخدم تسريباً محسوباً من أجل أن يبعد الفكرة عن جدول الأعمال وتوجيه سموتريتش نحو الاتجاه الذي يفضله، وهو وزارة المالية، وهو المكان الذي دفن فيه عدد غير قليل من الشخصيات السياسية في إسرائيل.

الأجواء في واشنطن مختلطة. ففي الجبهة الداخلية، تنفس الديمقراطيون الصعداء، حيث إنه في انتخابات منتصف الولاية الشهر الماضي، وبشكل أشد بعد الانتخابات المعادة لمقعد السيناتور في جورجيا، التي ضمنت لهم في هذا الأسبوع أغلبية صغيرة في مجلس الشيوخ (51 :49) بعد أن حقق الحزب الجمهوري فوزاً محدوداً فقط في مجلس النواب؛ كان هذا هو القلق الرئيسي للإدارة، والآن يمكنها أن تتوجه إلى جدول الأعمال الرئيسي في السياسة الخارجية: المنافسة مع الصين، أزمة المناخ، وإفشال الحرب الروسية في أوكرانيا. الشرق الأوسط بعيد عن الأماكن الأولى في هذه الأجندة.

الآن، ورغم أن نتنياهو هو السياسي الإسرائيلي المعروف أكثر للأمريكيين (تعارف استمر أربعة عقود)، فإنهم يتساءلون عن حنكته في نسخته الجديدة. الأسئلة التي تطرحها إسرائيل هذا الأسبوع تسمعها واشنطن. لماذا يضع نتنياهو مثل هذه القوة في يد سموتريتش وايتمار بن غفير. ألا يوجد خيار آخر أم أنه يعتمد عليهما لوقف الإجراءات القانونية ضده، أم أنه جرى هنا اعتبار محسوب أكثر، يعول بشكل متعمد على فوضى في “المناطق” أو على تفكير بأنه يمكن أن يسيطر على كل خطواتهما؟

في مؤتمر اللوبي اليهودي “جي ستريت”، هذا الأسبوع، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن الإدارة الأمريكية لن تبلور علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة حسب الأشخاص الذين يعملون فيها، بل وفقاً لأفعالها وسياستها. متحدثون أمريكيون آخرون أكدوا تصريحات نتنياهو الأخيرة في المقابلات التي أجراها مع وسائل الإعلام الأمريكية والتي بحسبها سيبقى ممسكاً بدفة القيادة. ليس للاقتباس، تساءلوا إذا كان هو الذي قائد الطائرة أم الطيار الاحتياط في الحكومة الجديدة. الأمريكيون بالطبع يعترفون بالنتائج الشرعية للانتخابات الديمقراطية في إسرائيل. ولكن يبدو أن كثيرين في الإدارة يتساءلون عن عملية التطبيع السريعة التي يمر بها بن غفير، الذي هو من أتباع مئير كهانا والذي يعتبر في إسرائيل ظاهرة هامشية متطرفة، إلى أن قرر نتنياهو لاعتباراته مساعدته في صعوده السياسي، في إحدى الجولات الانتخابية السابقة.

مجال التوتر المحتمل بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو موجود في “المناطق” [الضفة الغربية]، وبشكل محدد في طلبات سموتريتش من نتنياهو، التي كُشف جزء منها عند نشر الاتفاق الائتلافي بين القائمتين. سموتريتش وأصدقاؤه يطرحون عدة طلبات قد تقلق الأمريكيين، إلى جانب الخطر الذي سيحاول فيه بن غفير أن يهز الحرم (هذه احتمالية يعد نتنياهو بأنه يعرف كيف يوقفها مسبقاً). الأمر الذي سيشغل الإدارة الأمريكية هو محاولة المستوطنين وقوائم اليمين توسيع البناء في المستوطنات وشرعنة أكثر من 70 بؤرة استيطانية والمبادرة إلى عملية حكومية عنيفة ضد بناء الفلسطينيين في مناطق “ج”. البناء، حسب المستوطنين، يشكل محاولة لتثبيت حقائق على الأرض مع استغلال الأموال الأمريكية والأوروبية. الإدارة الأمريكية غير متحمسة من تسليم جهاز منسق أعمال الحكومة في “المناطق” لوزير من قبل سموتريتش في وزارة الدفاع. بناء على ذلك، أثنت واشنطن على عمل منسق أعمال الحكومة وقيادة المنطقة الوسطى، الذي ساعد في حالات كثيرة على تهدئة المنطقة في السنوات الأخيرة.

في هذا الأسبوع، سافر رئيس الأركان الجديد هرتسي هليفي، إلى واشنطن والتقى نظيره الأمريكي الذي سيكون، رئيس هيئات الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي. تراوح النقاش، يمكن الافتراض، بين الفلسطينيين وإيران. في السنوات الأخيرة، تعززت علاقات الجيش الإسرائيلي والجيش الأمريكي إلى جانب تحسين علاقات أجهزة المخابرات في الدولتين. وأشارت إسرائيل إلى التأثير الإيجابي الذي أوجده نقل العلاقة مع الجيش الإسرائيلي إلى القيادة الوسطى الأمريكية من يد القيادة في أوروبا قبل أكثر من سنة.

إضافة إلى ذلك، إذا كانت واشنطن تتحدث عن الوضع في إسرائيل، هذا كما قلنا لا يحتل أولوية عالية، فسيكون الخوف من تطورات غير متوقعة، لا سيما في الساحة الفلسطينية. هناك اقتباس قديم عن هارولد ماكملان، الذي كان رئيس الحكومة البريطانية في الستينيات. عندما سئل ما هي المشكلة الأكبر في منصب رئيس الحكومة قال: “الأحداث”.

حول مكان العاصفة

بادر جهاز الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع إلى خطوة تستحق التقدير. في مؤتمر أجراه معهد غازيت، معهد الأبحاث الذي أقامته الاستخبارات العسكرية في السنة الماضية، عرض تقدير المخابرات العسكرية للمرة الأولى قبل السنة القادمة. وهذه مبادرة تستحق التقدير لأنها تعرض على الجمهور وبدون فلاتر (بث المؤتمر في موقع الجيش الإسرائيلي) الطريقة التي يشرح فيها رجال الاستخبارات الواقع الإقليمي والدولي الصاخب والمعقد. رئيس قسم الأبحاث، العميد عميت ساعر، فعل ذلك بشكل طلق ومتزن، فقد تحدث عن واقع عالمي جديد، ثنائي الأقطاب، تتنافس فيه الولايات المتحدة والصين على الهيمنة في الوقت الذي لا تدير فيه الصين المعسكر المضاد الذي تتجمع فيه كل الدول التي تخشى من نفوذ الغرب، وعلى رأسها روسيا. ودول الشرق الأوسط غيرت المقاربة. “هي لن تتنازل عن علاقاتها مع أمريكا، لكنها جميعاً تلاحظ الأخطار وتقيم علاقات معقدة مع الدول العظمى”.

“الجميع في المنطقة يتحدث مع الجميع، قطر، تركيا، مصر وأيضاً نحن، للمرة الأولى جزء من الحوار”، وأضاف: “تعتبر إسرائيل في الشرق الأوسط لاعبة قوية ومستقرة ولها قوة اقتصادية وعلمية، وهي ذات صلة كبيرة بمشكلات المستقبل مثل أزمة المناخ ونقص المياه، وتعتبر أيضاً لاعبة طموحة لا تتردد في استخدام القوة”، قال ساعر.

خصص رئيس قسم الأبحاث جزءاً كبيراً من أقواله للوضع في إيران، بالأساس الأزمة الداخلية التي تتعرض لها القيادة على خلفية موجة احتجاج الحجاب، التي اندلعت قبل ثلاثة أشهر وترفض الخفوت حتى الآن. وقال ساعر إن “طهران ستدخل إلى العام 2023 بزاوية سلبية”. في هذه المرة، يبدو الاحتجاج مختلفاً عن الثورة الخضراء التي اندلعت على خلفية ادعاءات بتزوير الانتخابات في 2009 والاحتجاج على أسعار الوقود في 2019. هي مستمرة أكثر، وقد اندلعت لأسباب عميقة (غير سياسية وغير اقتصادية، بل هي تحد للإكراه الديني الذي يقف في مركز النظام ويتناول مسائل تتعلق بالهوية). معظم المتظاهرين من الشباب، طلاب الجامعات والمدارس الثانوية، ولا يترددون في استخدام العنف ضد رجال النظام ورجال الدين. ويعبر الاحتجاج عن تجمع أجندات مختلفة مثل الأقلية الكردية والأقلية العربية، التي تنضم للاحتجاج لأسبابها الخاصة.

النظام، حسب ساعر، قلق جداً. وقدرت الاستخبارات العسكرية أن السلطات ستتغلب على المدى القصير على الاحتجاج عن طريق استخدام وسائل قمع وحشية، ولكن أسباب الاحتجاج ستبقى، وستعرّض بقاء النظام للخطر في نهاية المطاف. “للنظام في إيران مشكلة مع جيل الشباب الذي لا يخاف منه، ولا يجد نفسه في الثورة. النظام فقد الجيل الرابع الذي ظهر في إيران منذ الثورة. حتى لو تجاوز هذا الاحتجاج الحالي، فلديه مشكلة عميقة”، قال ساعر.

حسب أقوال رئيس قسم الأبحاث، فإن المشروع النووي الإيراني في نقطة متقدمة جداً أكثر من أي وقت مضى. تسيطر طهران على العامل المعقد أكثر من المشروع، وهو تخصيب اليورانيوم. “تخصيب بمستوى 90 في المئة يبقى مسألة قرار فقط. لا توجد صعوبة تكنولوجية هنا، وسيستغرق هذا بضعة أسابيع بعد اتخاذ القرار”. عن بيع المسيرات الإيرانية لروسيا قال: “إيران تعرف بأنه سيأتي رد دولي على المساعدة، لكن هذا خيارها الاستراتيجي العميق. ستحصل إيران من روسيا على مقابل لهذه المساعدة”.

في السنة القريبة القادمة، كما قال ساعر، ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة تهديدات كثيرة من ساحات كثيرة، على رأسها إيران و”المناطق” [الضفة الغربية]. صورة الوضع التي ترسمها الاستخبارات العسكرية بخصوص “المناطق” محبطة جداً. التنظيم المستقل “عرين الأسود” الذي عمل في نابلس لبضعة أشهر إلى أن قتلت إسرائيل أو اعتقلت معظم أعضائه هو بالنسبة لساعر إشارة على ما سيأتي. “المهم في هذه الظاهرة ليس الأرقام، نحن نرى شباباً ولدوا بعد الانتفاضة الثانية ويركلون الجميع: السلطة الفلسطينية وحماس. يتحدثون عن قصتهم في “التك تك”. ولا يقل قلقا من الشباب الذين يطلقون النار على قوات الجيش عندما تدخل إلى نابلس، هو يقلق من مئات الشباب الذين يتجمعون في الشوارع كي يرشقوا الحجارة على السيارات العسكرية المحصنة ضد الرصاص الذي هو عملية عديمة الجدوى. “أنا أفكر بحجم الغضب المطلوب لفعل ذلك”، قال.

ساعر غير مخول بالتطرق إلى ما يحدث في الجانب “الأزرق” الإسرائيلي. في الفترة القادمة سيتبين هل القيمة العالية التي يعطيها لإسرائيل في نظر جيرانها ستبقى على حالها حتى بعد نتائج انتخابات الكنيست والحكومة الجديدة التي ستبدأ في تولي أعمالها. ربما يقف إشعاع القوة المستمرة أمام اختبار من نوع آخر، بالأساس إذا اشتعلت “المناطق” ووضعت تحدياً جديداً أمام العلاقات الآخذة في التشكل بين إسرائيل ودول الخليج.

في نقاش آخر في المؤتمر، كشف العميد (احتياط) نداف تسفرير، قائد الوحدة 8200 سابقاً وهو الآن ريادي في الهايتيك، عن قصة مثيرة من الماضي. يجري نقاش طوال سنين حول مسألة إلى أي درجة كانت الاستخبارات الإسرائيلية مصغية للتيارات العميقة في العالم العربي عشية الهزة التي هزته في كانون الأول 2010 والتي سميت بالربيع العربي. اعترف تسفرير بأن جهاز الاستخبارات في تلك الفترة ركز على الوضع المتدهور لرئيس مصر في حينه حسني مبارك، حسب رؤيته. ولكننا في الطريق فقدنا ما كان يحدث في الشبكات الاجتماعية، في الفيسبوك، في مصر ولم نعرف بأن ثورة الربيع العربي ستنضج.

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 9/12/2022



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قلم حر في زمن مر:

    هههههههه عبارة فيتو مؤدب مستفزة جدا جدا جدا ???

اشترك في قائمتنا البريدية