أمريكا وإيران… الانتقال من حافة الهاوية إلى منصة التفاهم والتفاوض

تناقلت الصحافة، أن ترامب سيقوم بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، بعد فوزه برئاسة الإدارة الأمريكية، كما أن الحديث الذي ازدادت وتيرته؛ بعد وصوله إلى البيت الأبيض، أنه في طور الإعداد للهجوم على إيران، بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي، وبالذراع العسكري الإسرائيلي، أو دعم الكيان الإسرائيلي بالهجوم على إيران، وبالذات على المنشآت النووية الإيرانية، أو على مراكز القيادة والسيطرة والتوجيه.
من وجهة نظري؛ أن أي هجوم واسع النطاق على المنشآت النووية الإيرانية؛ لن يحدث، لكن ربما تكون هناك ضربات إسرائيلية لا تتعدى الحدود المسيطر عليها، أي أنها ستكون رمزية ومحدودة جدا. أما تشديد العقوبات الاقتصادية؛ فهذا أمر وارد جدا. فقد قام ترامب بإصدار عدد من العقوبات الاقتصادية على إيران، قبل أيام، كما أنه هددها بتشديد العقوبات الاقتصادية عليها، وتفعيل العقوبات السابقة التي قام بها في ولايته الاولى. السؤال المهم هنا، لماذا لا تقوم كل من أمريكا وإسرائيل بالهجوم على إيران وتحديدا على منشآتها النووية؟ بل تكتفي أمريكا ترامب بإصدار عقوبات اقتصادية جديدة، وإعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية السابقة؛ في إطار ما كان يعرف في وقته؛ بالضغط الأقصى على إيران؛ لإخضاعها للإرادة الأمريكية؟
أولا، لأن البرنامج النووي الإيراني وصل إلى عتبة الحافة النووية، وبمقدور إيران ـ إن أرادت ـ صناعة السلاح النووي فهي متمكنة تماما من صناعته وفي ظروف زمنية ربما تكون قصيرة، حسب تسريبات أو تصريحات خبراء في هذا الشأن. إن أي نوع أو حجم لأي ضربة إسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني؛ ستسبب كارثة بيئية، ليس في إيران فقط، بل في كل دول الجوار. ثانيا، مهما يكن حجم وقوة الضربات الإسرائيلية على تلك المنشآت، فإنها لن توقف البرنامج، كما أنها لن تلحق ضررا كبيرا منتجا فيه. ثالثا، قادة إيران أعلنوا في أكثر من مناسبة؛ أن إيران إن تعرضت أو تعرض برنامجها النووي للضربات الإسرائيلية بدعم وإسناد وتغطية أمريكية، سواء كانت تغطية عسكرية أو سياسية أو غيرهما؛ فإن القواعد الأمريكية في المنطقة وعددها أكثر من 50 قاعدة ستكون في مرمى النار الإيرانية، وهذا يعني تماما أن الضربات الإسرائيلية، إن حصلت، ستوسع دائرة الصراع ليشمل كل المنطقة العربية وبالذات دول الخليج العربي. هذا التطور إن حدث، وهو لن يحدث؛ ليس في وسع أمريكا أن تتحمل نتائجه وتداعياته على مصالحها وهيبتها في المنطقة العربية وجوارها، وفي ظل مشاريع ترامب الجنونية في غزة والضفة الغربية، التي ليس فيها، ولو ذرة واحدة من الأخلاق أو احترام القانون الدولي؛ لذا، من المستبعد جدا، إن لم أقل من المستحيل؛ أن تسمح أمريكا لإسرائيل بتوجيه ضربات جوية، أو صاروخية إلى المنشآت النووية الايرانية. أما التصريح الأخير لترامب الموجه إلى الشعوب الايرانية؛ من أن إسرائيل لن تقصفكم في حالة إبرام اتفاق نووي جديد؛ فما هو إلا رسالة ضغط.. بالتهديد باستعمال القوة، من دون استخدامها. رابعا، هناك وفي الفترة الأخيرة؛ رسائل ودية وإيجابية متبادلة بين إيران وأمريكا، أو لجهة الدقة بين إيران الإصلاحية وأمريكا ترامب. في هذا المسار يقع الضغط الاقتصادي في خانة كسر الإرادات في الوقت القريب. أما تصريح المرشد الإيراني السيد خامنئي، الذي يقول فيه؛ إن التفاوض المباشر مع أمريكا لا يقع في خانة الذكاء والحكمة والشرف؛ فهذا التصريح للمرشد، من وجهة نظري، يقع في اتجاهين مترابطين؛ الاول إلى الإدارة الإصلاحية الإيرانية، لناحية تشددها في أي مفاوضات مقبلة. وثانيا، هي أيضا رسالة إلى أمريكا ترامب، رسالة ضغط مقابل؛ من أن إيران ليست في عجلة من أمرها في مسعاها للتخلص من العقوبات الاقتصادية الأمريكية. خامسا، إن أمريكا ترامب منشغلة بدرجة كبيرة في الطرف الثاني من المعمورة، في الحرب الروسية الأوكرانية، لوضع حد لها أو إنهائها.

أي هجوم واسع النطاق على المنشآت النووية الإيرانية؛ لن يحدث، لكن ربما تكون هناك ضربات إسرائيلية لا تتعدى الحدود المسيطر عليها، أي أنها ستكون رمزية ومحدودة جدا

توسعة الحرب والصراع مع إيران، يتناقض كليا مع خطط ترامب في إيجاد تسويات للصراعات في المنطقة العربية، وفي العالم، بالنسبة للأولى المعني بالتسويات هي القضية الفلسطينية، حسب الرؤية الترامبية لهذه التسويات وهي حكما مرفوضة من فلسطين الثورة ومن الشعوب العربية. إيران ومنذ قيام نظامها الإسلامي؛ بثورة مشهود لها، قوتها وسعتها، وحمولتها من الأيديولوجية الدينية، وتأييد شعوب إيران، كل شعوب إيران لها؛ فإنها وفي كل سياساتها، منذ خط شروعها الأول في الحكم؛ تمارس اللعبة البراغماتية، في اقتناص الفرص حين تتغير البيئات السياسية، وتستثمر فيها، أقصى حدود الاستثمار، وللأمانة تستثمر بذكاء مخطط له سلفا، أي تحسب حساب المتغيرات، والتحضير لها مسبقا، حتى لا تكون مفاجئة لها ولسياستها في المنطقة العربية وفي داخلها؛ فتتجنب الارتباك والفوضى والاضطراب في اتخاذ خطوات ردها على كل التحولات والمتغيرات، إن هي حصلت؛ وهذا يحسب لإيران، ولقادة إيران، ففي زمن الحصار على العراق، وفي زمن التحضير من قبل أمريكا بوش الابن لغزو واحتلال العراق؛ وصل التيار الإصلاحي إلى الرئاسة الإيرانية، وبدعم مخطط له من قبل المرشد الروحي الإيراني الأعلى، وفي كل زمن الحصار على العراق، الذي جاء كنتيجة لخطيئة غزو واحتلال الكويت المرتب أمريكيا واسرائيليا، تخطيطا وأهدافا، بغطاء أممي؛ حتى احتلاله. تاليا عندما غرقت أمريكا في العراق، بسبب المقاومة العراقية من كل العراقيين بلا أدنى استثناء، وصل التيار المتشدد الإيراني إلى الرئاسة الإيرانية، وأيضا بدعم من المرشد الروحي الإيراني الأعلى.. هكذا تستمر إيران أو قادة إيران في إحكام بوصلة سياستها، داخليا وإقليميا ودوليا، من غير مفاجآت تربكها وتلحق ضررا بها. هذا لا يشكل أي مثلبة للنظام الإيراني، فهو حق لأي دولة في الحفاظ على مصالحها، وفي ممارسة اللعبة الديمقراطية؛ بما يخدم مصالحها التكتيكية والاستراتيجية. قادة إيران على ما يظهر كانوا قد توقعوا أن ترامب سيفوز برئاسة الإدارة الأمريكية، وعرفوا، ربما، خطط ترامب عن طريق اللوبي الإيراني في أمريكا، أن ترامب في الولاية الأولى، هو غير ترامب في الولاية الحالية في ما يخص إيران والمنطقة العربية والصراعات فيها، بصرف النظر عن التشدد الأمريكي في العقوبات الاقتصادية على إيران. لذا، قبل، ربما، فوز ترامب، بزمن ليس قليلا؛ قاموا بإرسال رسائل ودية وإيجابية، مسنودة بإجراءات فعلية على أرض الواقع، بما يخص برنامج إيران النووي، لجهة التهدئة والتبريد مع أمريكا بايدن، أو ترامب حاليا، وأيضا رسائل ردعية في تزامن تخادمي في الفترتين. هذا الوضع يتواصل الآن وبقوة ولو بصورة غير ظاهرة، من طرفي الصراع أمريكا وإيران.
ختاما أقول أين النظام الرسمي العربي من كل هذا الذي يجري، وبالذات في الذي يخص قضيتهم المركزية، القضية الفلسطينية، كما كانوا في الزمن السابق يقولون. المؤلم هنا أن كل هذه المتغيرات والتحولات سواء الكائنة الآن، أو التي هي في الافق تلوح؛ غياب أي مشروع عربي مواز لمشاريع الجوار، ومضاد للمشروع الأمريكي الإسرائيلي؛ الذي يهدف كما أعلن ترامب ونتنياهو العنصري، المجرم التوسعي؛ في تهجير فلسطيني غزة، وتصفية القضية الفلسطينية؛ حسب رؤية الوهم، أو وهم الأوهام الأمريكية الاسرائيلية.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول العلمي:

    أمريكا ليست من الحمق حتى تفرط في فزاعة فعالة للعرب تكسبها الملايير و توفر عليها تحركات عسكرية مكلِّفة لضبط التحكم.
    أمريكا تخاف من بندقية بيد عربي حرّ أكثر من قنبلة نووية بيد الفرس

اشترك في قائمتنا البريدية