الرباط ـ «القدس العربي»: مع حلول سنة 2025، بدأ العد التنازلي لانتخابات 2026، فالفارق سنة واحدة، لذلك تسترشد الأحزاب السياسية بمقولة شعبية تفيد بأن الاستعداد لعرس ليلة واحدة يتطلب عاماً كاملاً، وبذلك بدأت الاستعدادات باكراً لخوض ماراثون طويل إلى غاية الوصول لصناديق الاقتراع في السنة المقبلة.
أحزاب الأغلبية بدا عليها ذلك التأهب، بحكم أنها نالت الكثير من النقد والهجوم خلال تدبيرها للشأن العام من خلال وجودها في الحكومة التي يقودها حزب «التجمع الوطني للأحرار» ويشاركه فيها كل من حزب «الأصالة والمعاصرة» وحزب «الاستقلال» وكان هذا الأخير حديث المحللين وعدد من متتبعي الشأن الحزبي والسياسي بشكل عام، خاصة بعد حديث أمينه العام، نزار بركة، عن ارتفاع معدل البطالة والغلاء، إذ ردد في كلمته بمناسبة تخليد الذكرى الحادية والثمانين لتقديم «وثيقة المطالبة بالاستقلال» قائلاً: «نقولها بكل صراحة ومسؤولية: لدى شباب بلادنا أسباب موضوعية ومشروعة للشعور بالقلق تجاه المستقبل، ومخاوف من اللايقين، ما يسهم في خلق أزمة ثقة مركبة ومتعددة الأبعاد».
واستعرض بركة الذي يشغل أيضاً منصب وزير التجهيز والماء في الحكومة الحالية مؤشرات أسباب شعور الشباب «بالقلق تجاه المستقبل» وأولها «الارتفاع المتزايد للبطالة التي سجلت في السنوات الأخيرة مستويات عالية جداً، بحيث بلغت حسب الإحصاء (التعداد السكاني) الأخير21,3 في المئة، وهي أكثر ارتفاعاً بخصوص الشباب بنسبة 39,5 في المئة والنساء بـ 29,6 في المئة».
ثاني تلك الأسباب، وفق بركة، «اندحار الطبقة الوسطى جراء غلاء المعيشة وتعميق الفوارق الاجتماعية» واستطرد قائلاً: «رغم الجهود المبذولة من خلال التغطية الصحية والدعم الاجتماعي والرفع من الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل» لكنه عاد ليؤكد: «قلة وهشاشة مناصب الشغل المحدثة، وبالتالي محدودية فرص الارتقاء الاجتماعي بالنسبة للشباب». وتابع استعراض الأسباب، مشيراً إلى «التقدم الرقمي المتواصل والمتسارع، لا سيما مع بروز الذكاء الاصطناعي، بما يحمله من فرص جديدة للتطور والتقدم والإدماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب وما يحمله من حلول تعمق الهوة بين شباب الدول المتقدمة وشبابنا وتشكل تهديداً للعديد من المهن ومناصب الشغل الحالية والمستقبلية».
ولم يفته الحديث عن «تواتر الظواهر الطبيعية القصوى (من جفاف وفيضانات ونُدرة المياه) بسبب التغيرات المناخية وآثارها السلبية على قدرات الصمود لدى الشباب، ومقومات العيش الحيوية بالنسبة للأجيال القادمة، لا سيما مع تفاقم الظواهر الوبائية والأزمات الصحية في السنوات الأخيرة، بتداعياتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية».
المثير، يؤكد بعض المحللين، هو توقف الأمين العام لحزب الاستقلال عند «انحسار الجواب السياسي والثقافي أمام هذه التحديات المعقدة، في مقابل تفشي منطق التقاطبات الحادة التي تذكي التوترات والشروخ داخل المجتمع، وتخلق مناخًا من عدم اليقين والقلق، والتي تؤدي إلى فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة وفي الأحزاب السياسية». وحسب نزار بركة، فإن «هذه المخاوف، وهذه الأسباب الموضوعية للقلق لن تزول بمفردها، ولن تتبدد إلا إذا خرج الشباب من منطقة الانتظارية إلى منطقة الفعل والمساهمة في صياغة الحلول والبدائل، وأخذوا زمام المبادرة بالقوة الاقتراحية والمشاركة في مسالك الإنجاز وفي العمل السياسي».
وتتطابق تقريباً تصريحات نزار بركة مع تصريحات قيادي في حزب «التجمع الوطني للأحرار» هو محمد أوجار، وزير العدل سابقاً، الذي تحدث في برنامج تلفزيوني عن تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة في المغرب في السنوات الأخيرة، وتفاقم أزمة الغلاء التي تؤثر على حياة المواطنين، منتقداً الوزراء والنخب الاقتصادية، ومطالباً الجميع بتحمل المسؤولية لمواجهة هذه الأزمة الوطنية.
الوتر الحساس للغلاء وتكاليف المعيشة يبدو أكثر جاذبية للعزف عليه استعداداً لعام الانتخابات، ويفيد بعض المحللين بأن أحزاب المعارضة راكمت الكثير من المعزوفات على وتر الغلاء وتدهور الوضع الاجتماعي للأسر واندحار الطبقة الوسطى، لأنها من موقعها النقدي لتدبير الحكومة للشأن العام، كان هذا هو الموضوع الأهم، إلى جانب مواضيع أخرى ذات طبيعة قانونية وتشريعية، ومنها قانون الإضراب ومدونة الأسرة (قانون الأحوال المدنية) والقانون الجنائي ومستجداته وملفات أخرى، لكن المعيش اليومي يبقى هو سيد الجدل والتجاذب بين الحكومة وخصومها.
من جهة المعارضة، يؤكد عدد من المتتبعين، أن بعض أحزابها فقدت ثقة المواطن، لأنها كانت في موقع المسؤولية ولم تنجز عكس ما تقوله اليوم وتعيبه على حكومة أخنوش، والإشارة هنا إلى حزب «العدالة والتنمية» الذي تولى تدبير الشأن العام لمدة عقد من الزمن في عهد حكومة عبد الإله بن كيران وحكومة سعد الدين العثماني.