«شو منلبس» مسرحية تحكي بعضاً من تحولات بنيوية وزمن مقاومة غير «مؤرشفة» فنياً
بيروت ـ «القدس العربي»: لم تعد أنجو ريحان بحاجة لتعريف أو لأوصاف. بعد مسرحية «شو منلبس» التي مسّتني بقوة سأترك للأسئلة أن تحكي عن حضورها الذي يمسك المسرح خلال العروض بكل ما لديها من احتراف وجدارة. «يلاّ يا ملكة» يقول لها يحيى جابر قبل انطلاق العرض. هي ملكة مساحتها فعلاً مهما طال زمن العرض، وللمرة الثالثة وحيدة على المسرح. والأمل أن يثمر تعاونها مع كاتب ومخرج مقدام بالمزيد.
مع الممثلة أنجو ريحان هذا الحوار:
○ في حضوري الثاني لمسرحية «شو منلبس» لفتني تفاعلك مع الحضور والخروج عن النص. إنه اختمار التجربة؟
• أكيد. قبل سنتين كان الارتجال مستحيلاً. إنه المراس والتكرار. «مجدرة حمرا» تُعرض للمرة 400. ومنذ 2016 إلى الآن أمتهن المسرح ومن دون توقف، وهذا أثمر حرفية خاصة بكيفية حفظ النص وتقطيعه. في «مجدرا حمرا» محطات درامية كثيرة، أنتظر حركة من الجمهور تحمسني للتفاعل. «شو منلبس» لها صلتها التفاعلية مع الجمهور، فأستغلها، وأسرع للإمساك بالمسرحية. الخروج عن النص ليس عشوائياً. اختار نقاطاً محددة.
○ أقدمت بعفوية أم بعد تشجيع؟
• للتشجيع أهميته في الحياة. إنه وجود يحيى جابر الذي شجعني لأكون على المسرح. يمدني بالدعم والإطراء. ويتوقف عند محطات النقد البناء الذي يؤدي لمزيد من تألق العروض. أمتلك الحماس، وانتظرت «الدفشة» الأولى.
○ «شو منلبس» عرض لساعة و40 دقيقة كيف حفظتها؟ وهل تستنجدين بالذكاء الاصطناعي؟
• تضحك وتقول: بت أمتلك تقنية للحفظ. يسلمني يحيى النص بالقطعة. نعجن المسرحية معاً. يحكي وأكتب. نشطِّب ونعيد الكتابة على مدى ثمانية أشهر. وهكذا تتغلغل المسرحية في نسيجي الذهني. ثمّة تقنية مُكتشفة من يحيى ومني، وتأتي في سياق تسلسل الأفكار. فكلمة في «قفلة» مشهد، تشكّل «فتحة» لمشهد تالي. انها الاستجابة لمنطق الذاكرة والحفظ بانسيابية. خلال التمثيل لا أتذكر النص، إنما كلمة تفتح للثانية وصولاً للنهاية. الارتجالات خفيفة، والعودة للسياق ضرورية، ومسؤوليتي كاملة. وحفظ النص حتمي لكوني وحيدة.
○ تتضمن المسرحية جزءاً من حياتك الشخصية. لماذا تحوّل والداك لنجوى ويوسف بدل خليل ومريم؟
• المسرحية ليست بكاملها سيرتي. إنما سيرتي تنطلق من الخاص نحو العام. إنها قصة أتابعها مع الجمهور. تتضمن تأليفاً، وإسقاطاً لبعض ما هو حقيقي لصالح مسار درامي أو كوميدي محدد. وقد يكون والدي وأخواتي غير مرحبين بورود أسمائهم في العرض، أو تناولهم بمزيد من التفاصيل الخاصة بهم. لهذا تغيرت الأسماء، والمسار.
○ وهل بات لك جمهور من كفرصير الجنوبية حيث ولدت وكبرت؟
• تركتها بعمر الـ18 سنة. والدي ما زال فيها، وأخوة والدتي ووالدي وأبناءهم. كفرصير كبيرة وناشطة ثقافياً. كُثر من أهلها حضروا العرض في صيدا، وآخرون سيأتون إلى العرض المقبل، إلى جانب من حضروا في بيروت.
○ كم يفرحك هذا؟
• كثيراً. خاصة وأن مقاطع من المسرحية يعرفونها. نعم تأثرت بهؤلاء الناس الذين نشأت معهم، ولم تنقطع علاقاتنا.
○ حكت «شو منلبس» في جزء منها عن اجتياح الصهاينة للبنان سنة 1982 وما أعقبه من اعتقالات واغتيالات ومقاومة. والصهاينة يواصلون احتلال الماضي والحاضر كالإبادة في غزّة؟
• قدرنا العيش على أرض ألهبتها الصهيونية بوحشية متنقلة. دائماً أسأل نفسي وكما يقول «يوسف» بـ«شو منلبس» هل «سنصبح على وطن كما نتمناه؟» هذا متروك لما تسمح به الولايات المتحدة، وهل ستعترف بدولة فلسطينية؟ ونسترد أرضنا المحتلة في لبنان وتُحترم حدودنا؟ غزّة تشهد جرائم يعجز من استيعابها المنطق الإنساني. نأسف أننا نعيش في عصر يوافق فيه المتحكمون بشؤون البشرية بأن يُقطع الأطفال أرباً وبسلاحهم.
○ في لغة المسرح ما يحدث في غزة هو تراجيديا أم ملحمة بشرية؟
• برأي وبعد أن باتت إسرائيل تُعرّف عالمياً بالدولة الوحشية، فالتعبير عن ما حدث ويحدث سيطال كافة أنواع الفنون. السخط على إسرائيل ومؤيديها كبير جداً. رغماً عن كافة المسؤولين في هولييوود بعينها، ستظهر أفلام فرنسية وأمريكية وإيطالية وعربية مستقلة، تتناول هذه الملحمة التي سطّرها شعب غزّة.
○ تميز «يوسف» بتدوير الزوايا مع المد الديني في «شو منلبس» رغم ذلك حاولوا اغتياله؟
• في النص محطات مقتبسة من والدي. حياته تستحق فيلماً. عاش اليتم صغيراً، وتنقل في طفولته بين عدّة منازل. يمتلك صفة أورثني إياها، ففي العلاقات الاجتماعية يضع ذاته مكان الآخرين، إنما بشكل مبالغ فيه، حتى أنه برر لمن حاولوا اغتياله، معيداً الأمر إلى نشأتهم، وإلى ما بلغهم عنه، وهو ما زال إلى حينه يلفتني «بزيارتك للضعية كوني مرتبة بالملابس». منذ الطفولة وأنا أسأل «شو بلبس»؟ أقلعت عن الملابس الأنثوية لزمن. في كفرصير الـ«بلا كم» كان ممنوعاً. «يوسف» كان يحثّنا لنكون نساء محترمات، ومثقفات و«امسكوا كتاب». هذا نصه الدائم لبناته الخمس، لكنّه تحكّم بالأولى والثانية جيداً، وخففّ مع الثلاث الأخريات، وحريتهنّ كانت أكبر.
○ لأول مرّة في عمل مسرحي يحضر الحزب الشيوعي بهذه المساحة خاصة مقاومته للعدو. هل هو الوفاء للشهداء وخاصة «عمو» حكمت الأمين والقائدة ميرفت عطوي؟
• قدمت أولاً مع يحيى جابر «إسمي جوليا» وفي خلال عرضها بدأنا كتابة «مجدرة حمرا». وانطلقت عروضها وبدأنا كتابة نص «شو منلبس» سنة 2018. وبين إقدام وتريث، ألحّ السؤال «ما الذي سنقوله؟» وهل هي تحية للحزب الشيوعي؟ أم للمرأة زوجة السياسي؟ أم تحية للأبناء الذين عاشوا عقدة الذنب المرّة، وذويهم يرونهم تمام التمام؟ هل هي إدانة للصهاينة؟ أم لمن لا يحتملون الاختلاف في الرأي؟ في النهاية كان القرار: إن كانت «شو منلبس» بنظر المتفرجين تحية للحزب الشيوعي فلتكن. قررنا أنه لا مشكلة لو كان الحضور جميعه من الحزب الشيوعي. من حقنا التعبير بقالب فني عن كافة مشاعرنا، توقعنا النجاح للمسرحية أقله في البيئة اليسارية. شخصياً لم أتوقع أن تخبرني متفرجة من دير الأحمر أنّ «يوسف ونجوى» يشبهان أبي وأمي وهما من حزب القوات اللبنانية. وجد المتفرجون «نجوى» تُجسّد نساء كافة العاملين في السياسة، والمدافعين عن قضايا تُقنعهم. نساء هدفهنّ احتضان الأبناء، وهنّ خائفات على رجالهن. فرحت لأن أكثرية الحضور لم يدركوا أن المسرحية تتضمّن جزءاً مني. كمحترفين للمسرح أخلصنا في تقديم عمل فني متكامل، وإن فرح به الشيوعيون أكثر من سواهم. فرحت كثيراً بتقديم هذه التحية، فلا أرشيف فنيا ترجم هذه اللحظة من المقاومة.
○ يبدو أن القائدة في اتحاد الشباب الديمقراطي ميرفت عطوي تركت بك أثراً كبيراً وتوقعت التمثيل مهنتك؟
• ميرفت عطوي اسم حقيقي وكثيرون بحثوا عنها على منصة غوغل. كانت في عمر الـ17 حين دمّر الصهاينة مقرّ الحزب الشيوعي في الرميلة، صدمت كثيراً، كانت تدفعني وتحثني خلال العمل الكشفي. نعم استشهاد ميرفت عطوي و«عمو» الدكتور حكمت الأمين جرح في نموي العاطفي ومسار حياتي. أخرجت المسرحية الجرح من أعماقي لأتشاركه مع الجمهور.
○ ملابس بطلة «شو منلبس» في غاية البساطة. كذلك استُنفدت أدوات السينوغرافيا إلى نهايتها في مهمات عدّة. لماذا هذا الخيار؟
• السينوغرافيا والبساطة والاقتصاد في أدوات المسرح طموح دائم لدى يحيى جابر. والهدف أن تُحمل وتسافر داخلياً وخارجياً وبسهولة. النص والتمثيل هما الثقل والأساس في أعماله، وكذلك حال الإضاءة. في «شو منلبس» بساطة السينوغرافيا جديدة لدى يحيى، حتى قطعة القماش البيضاء أتينا بها كنموذج لكنها باتت شخصية، صارت حجاباً، وغطاء رأس للراهبة، وجريدة، وطفلا رضيعا ووو. نختار المريح والبسيط من الملابس، والأسود هو أول الاختيارات.
○ وماذا عن مشاركتك بـ«مجدرة حمرا» في لندن؟
• هي دعوة لعرض وحيد في مهرجان «أ» من ضمن أسبوع الفن اللبناني في لندن.
• من اكتشف الآخر كمخرج وممثلة يحيى أم أنت؟
• استمر يحيى جابر يسألني «فينا نقعد؟» و«تعي نعمل مسرح» على مدى ثلاث سنوات. فيما كنت مسرورة بما أقوم به كمعلمة، وممارسة أمومتي مع طفلين على مدى أربع سنوات، ولا وقت للمسرح. في لقاءات الصدفة هذه كنت أعده «إن شاء الله» وتمتد. شاهدت عرضيه «بيروت طريق الجديدة» و«بيروت فوق الشجرة» وعاد ليكلمني عن العمل سوياً. بتواضع كبير كنت أشعر بأني أختزن طاقة مؤجلة للمسرح. عملت في التمثيل من كل قلبي ببساطة وعفوية. كنت أدرك حاجتي لعمل فني «متعوب عليه» وبدأنا العمل معاً. اكتشفني يحيى ووثق بي، وحفّزني لتقديم أفضل ما عندي بدءاً من «اسمي جوليا» وما زال.
○ يحيى جابر لا يكبل أجنحة الممثل؟
• بل يمهد له الطريق ويفرشها. يقابل عطاء الممثل بمزيد من الثناء، والتحفيز للأفضل. يحيى شغوف بعمله، يشغله منذ استيقاظه حتى نومه. سأله الممثل القدير رفعت طربية «هل تحضر كافة العروض؟» نعم يحضر كافة العروض يعطي اشارة الإنطلاق، ويحيي الجمهور في النهاية، وينسحب.
○ وجوده بكافة العروض وفي الصف الأمامي ماذا يقول لك؟
• أشعر بالمسؤولية. وقبل العرض يسألني «أعدت مراجعته؟» ويحرص لأن أكون على أتم الاستعداد. يتفقدني في الكواليس أكثر من مرة. يدعمني بكلامه ويصفني بالـ»ملكة». أنظر إليه في الصالة وأعرف بماذا يفكر. وعندما أنفذ ملاحظة وجهها أرى ابتسامة الدعم.
○ وماذا أثمرت هذه السنوات بين مخرج حيوي وممثلة معطاءة؟
• إنها سنوات من النضوج الكبير. ومن دون شك جنيت خبرة من الأعمال الدرامية التي شاركت فيها. الحرفية التي اكتسبتها وامتلاك الأدوات الذاتية انعكست حتى على «مجدرة حمرا» بين عروضها المئة الأولى وما تلاها.
○ وماذا عن الماستر بإعداد الممثل؟
• درستها في الجامعة اللبنانية. أنهيت سنتين من الدراسة، وعرضت مسرحية من إخراجي، وأواصل العمل على الأطروحة.
○ والدراما؟ ومسرح يحيى جابر ريبرتوار يعاد ويستعاد؟
• من الآن وإلى الخريف مستحيل. اعتذرت عن مسلسل، لاحقاً يمكن التنسيق بين المسرح والتلفزيون، رغم كوننا يحيى وأنا في كتابة مسرحية دائمة، وأي دراما أشارك فيها ستكون بالمستوى الذي أصبو له.
○ وأخيراً استقلت من المؤسسة الرسمية ومن الوظيفة المحبوبة والمطلوبة للبنات بأن يكنّ معلمات؟
• تزغرد وتقول: وبعد 21 سنة عمل طلبت التقاعد وراتبي يساوي حالياً130 دولاراً. اخترت المهنة ودار المعلمين برغبة من والدتي، وليتسنى لي أن أكون في بيروت، وتالياً دراسة المسرح، وهذا ما حصل. خدمتني مهنة التعليم بمكان ما، إنما تركت أثراً على مساري الفني. الجودة مع مهنتين صعبة، لكني تعلّمت من والدتي الإخلاص بكل ما نقوم به، فوالدتي المناضلة في لجنة حقوق المرأة خير من أستدعيه وقت الشدة، أمثولاتها في بالي، رحمها الله.
○ وماذا عن شريك حياتك؟
• كنت أنتظر السؤال. حبيبي فادي شريك الحياة وكل التفاصيل، من تجربتي أقول بأن النجاح خارج البيت يأتي من دعم قوي داخل البيت. طفلانا بعمر 11 و9 سنوات، يهتم بهدوئهما إن كنت بصدد مراجعة النص. كلانا يهتم بمهنة الآخر، فهو مخرج ومدير تصوير، نتعاون في مهماتنا المهنية. أحدنا يلتزم أكثر بالعائلة لدى انشغال الآخر. فادي داعم أول لي، وأب وزوج رائع. اعتبر خياري العاطفي والإنساني صائبا. أن يكون في المهنة فهذا يُسهّل عملي بالتصوير الليلي وأحياناً يمتد للصباح، التزمت بالتصوير في تركيا لتسعة أشهر وكان طفلانا من مسؤوليته وحده. جزء كبير من نجاح «شو منلبس» يعود لدعم زوجي لي، لنبقى معاً إلى جانب طفلين قررنا إنجابهما.