أنقرة تتحدث عن “تعاون سياسي مع النظام” لأول مرة منذ 2011.. هل يتجه قطار التطبيع التركي إلى دمشق؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

أنقرة- “القدس العربي”: لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 تحدث مسؤول تركي رفيع عن إمكانية “التعاون السياسي” مع النظام السوري، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام عدد كبير من الأسئلة الصعبة المتعلقة بمدى التحول الذي طرأ على السياسة التركية تجاه دمشق، وما إن كان ذلك مقدمة لإعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق وذلك في ظل الحملة الدبلوماسية التركية الجديدة التي تضمنت إعادة تطبيع العلاقات مع الكثير من الدول بالمنطقة ومنها إسرائيل والإمارات والسعودية وأرمينيا وغيرها.
ففي لقاء تلفزيوني، الأربعاء، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده مستعدة لتقديم “كافة أنواع الدعم السياسي” للنظام السوري فيما يتعلق بـ”إخراج الإرهابيين من المنطقة”، وذلك في إطار الحديث عن إنهاء تواجد الوحدات الكردية في مناطق شمالي سوريا وسيطرة قوات النظام السوري عليها.
وفي السياق العام لتصريحات جاويش أوغلو التي أدلى بها لتلفزيون “تي في 100” التركي، قال تعقيباً على التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية شمالي سوريا: “الولايات المتحدة وروسيا لم تفيا بوعودهما بإخراج الإرهابيين من المنطقة، وهذا يدل على عدم إخلاصهما في محاربة الإرهاب”، لافتاً إلى أن بلاده أجرت سابقا محادثات مع إيران بخصوص “إخراج الإرهابيين من المنطقة ومستعدة أيضاً لتقديم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”.
وأضاف الوزير: “من الحق الطبيعي للنظام (السوري) أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين”، مشدداً على أن العمليات العسكرية التركية “تدعم وحدة الأراضي السورية” وستكون مهمة من ناحية السيادة ووحدة الأراضي السورية.
وعقب أشهر من اندلاع الثورة السورية، قطعت تركيا علاقاتها مع النظام السوري واعتبرت أكبر الدول دعماً للمعارضة السورية ولم تجري أي اتصالات سياسية بين أنقرة ودمشق منذ 11 عاماً، حيث وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ”القاتل والإرهابي والجزار”.
وفي السنوات الماضية، تحديث أكثر من مسؤول تركي رفيع عن وجود “اتصالات على مستوى الاستخبارات” مع النظام السوري، وهو ما برر مراراً بأنها اتصالات امنية محدودة تبقي عليها كافة الدول فيما بينها مهما وصلت إليها الخلافات لتجنب وقوع أحداث غير مرغوب فيها ومن أجل مناقشة “ملفات قومية” بعيداً عن الخلافات السياسية وحتى العسكرية، فيما بقي المسؤولون الأتراك ينفون بشكل قطعي أي تغير في التوجهات السياسية نحو النظام السوري.
إلا أن تصريح وزير الخارجية التركي عن “تقديم كافة أنواع الدعم السياسي” للنظام، وحتى إن جاء مشروطاً بملف “دعمه في الحرب على تنظيم بي كا كا/ب ي د الإرهابي”، إلا أنه يعتبر بمثابة نقطة تحول مهمة كونها المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن دعم أو اتصالات “سياسية” وهو ما لم يقدم الوزير حوله أي توضيحات أو تفاصيل أكثر عن طبيعة “الدعم السياسي” الذي يمكن أن تقدمه أنقرة للنظام السوري.
وفي العمليات العسكرية السابقة التي نفذها الجيش التركي شمالي سوريا، كانت التصريحات الرسمية تؤكد دائماً على أنها تستهدف التنظيمات الإرهابية وتقوم من أجل مصلحة الأمن القومي التركي، ونفت مراراً أن تكون هذه العمليات تستهدف النظام السوري بل حرص المسؤولون مراراً على القول إن هذه العمليات “تدعم وحدة الأراضي السورية”، ولفتت تصريحات سابقة إلى أن أنقرة تبحث عن الغاية وليس الوسيلة، وإنه في حال تكفل النظام السوري بتطهير شمال سوريا من التنظيمات الإرهابية فإن أنقرة لن تكون بحاجة لتنفيذ عملية عسكرية.
وما زاد من أهمية هذه تصريحات جاويش أوغلو هو توقيتها الذي يأتي عقب أقل من شهر على قمة طهران التي جمعت زعماء إيران وروسيا وتركيا تحت مظلة “ثلاثي أستانة” والتي بحثت الملفات المتعلقة بالأزمة في سوريا وعلى رأسها خريطة الانتشار العسكري ومستقبل الحل السياسي وحل ازمة اللاجئين، إلى جانب بحث العملية العسكرية التي تهدد تركيا بتنفيذها ضد الوحدات الكردية في شمالي سوريا.
كما أن هذه التصريحات تأتي عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة ودمشق والتي أطلق منهما رسائل سياسية -غير معتادة- معطياً إشارات على وساطة إيرانية ما يجري بحثها ما بين أنقرة ودمشق، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول ما إن كانت طهران تحاول التوسط لتجنب العملية العسكرية التركية المتوقعة شمالي سوريا أم أنها تلعب دور الوسيط لإعادة تطبيع العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري.
كما ربط محللون بين تصريحات جاويش أوغلو وعرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة طهران أن تشمل اجتماعات أستانة المقبلة في موسكو حضور ممثلين عن النظام والمعارضة السورية، وهو ما فتح الباب أمام تكهنات وتساؤلات عن مدى إمكانية مشاركة ممثلين رفيعي المستوى عن النظام السوري في قمة أستانة المقبلة.
يضاف إلى ذلك، أن كل هذه التطورات تأتي في ظل التوجه السياسي التركي الجديد في إطار مساعي العودة إلى سياسة “صفر مشاكل” وذلك من خلال إعادة تطبيع العلاقات مع الكثير من الدول في المنطقة ومنها السعودية والإمارات وأرمينيا وإسرائيل والمسار المتواصل مع مصر ودول أخرى أيضاً، كما يتزامن ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات التركية وتصدر ملف اللاجئين انتقادات المعارضة للحكومة التركية من خلال ملف اللاجئين والذي كثفت الحكومة بدورها مساعيها لإيجاد حلول له دون وجود أفق لحل هذه الازمة حتى الآن.
وباستثناء تصريحات جاويش أوغلو التي اعتبرت وسائل إعلام تركية إنها “أخرجت من سياقها” وعلى الرغم من كافة المؤشرات السابقة، إلا أن التصريحات الرسمية التركية وعلى لسان الرئيس وكبار الوزراء لازالت تنفي أي نية للتقارب مع النظام السوري وتطالب بحل سياسي بين النظام والمعارضة، كما رد مسؤولون على وعود المعارضة بحل أزمة اللاجئين من خلال المصالحة مع النظام السوري بالتأكيد على أن ازمة اللاجئين لا يمكن حلها مع النظام كون اللاجئين هربوا من جرائمه وبالتالي فإن عودتهم مرتبطة بحل سياسي حقيقي وليس مصالحة أو إعادة تطبيع للعلاقات مع النظام السوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية