بعد يومين من انتخابات الكنيست الإسرائيلي الرابع والعشرين؛ قام جيش دولة الاحتلال في الخامس والعشرين من شهر آذار/ مارس الجاري بهدم قرية العراقيب للمرة 185 منذ عام 2000 ويندرج ذلك في إطار مخطط برافر لتهويد منطقة النقب، الذي يعتبر من أخطر المخططات الاستيطانية التهويدية منذ عام 1948 حيث تسعى دولة الاحتلال من خلاله إلى تهويد منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة بالكامل والسيطرة الصهيونية المباشرة على 800 ألف دونم من أراضي منطقة النقب، وطرد أهلها العرب لترسيخ قانون يهودية دولة الاحتلال.
سياسة الترانسفير
تندرج السياسات الإسرائيلية في الهدم المتكرر لقرية العراقيب في إطار مخططات الترانسفير الصهيونية الرامية إلى طرد العرب الفلسطينيين من وطنهم، بغرض تهويده في نهاية المطاف، تقع قرية العراقيب في شمال مدينة بئر السبع في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة، وتعد واحدة من 45 قرية عربية في النقب لا تعترف دولة الاحتلال بها، حيث تستحوذ منطقة النقب في جنوب فلسطين المحتلة على أكثر من (50) في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، البالغة 27009 كيلومترات مربعة، وبفعل الزيادة السكانية العالية بين العرب الفلسطينيين في تلك المنطقة، ارتفع عددهم من 15 ألفا في 1948 إلى حوالي (260)ألفا في بداية العام الحالي 2021.
وقد سعت سلطات الاحتلال، منذ السنوات الأولى لإقامة دولة الاحتلال إلى السيطرة المباشرة على ما تبقى من أراضي البدو في النقب، لصالح بناء الترسانة العسكرية الصهيونية من جهة، وبناء مزارع حكومية وخاصة من جهة أخرى.
وتبعا لذلك، ألزمت السلطات الصهيونية أهالي منطقة النقب في بداية السبعينيات تسجيل أرضهم في دائرة ما تسمى هيئة أرض إسرائيل، في وقت تعلم فيه السلطات الصهيونية حقيقة عدم احتفاظ غالبية أهالي النقب البدو بمستندات حول ملكيتهم في أراضي النقب والتجمعات والقرى هناك، خصوصاً عاصمة النقب بئر السبع.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن مساحة المنطقة المأهولة بالسكان البدو العرب في منطقة النقب، أصحاب الأرض الأصليين، لا تتعدى (240) ألف دونم من أصل مساحة صحراء النقب، البالغة نحو (13،5) مليون دونم، وكانت المحاكم الصهيونية أقرت في عام 1948 أنه لا ملكية للبدو في أرضهم وأرض أجدادهم.
زحف صهيوني مبرمج
تمكنت السلطات الصهيونية، عبر سياسات ديموغرافية واستيطانية محكمة، من عدم الاعتراف بكل التوسعات العمرانية العربية في منطقة النقب، وقامت السلطات الصهيونية بتجميع بدو النقب في مناطق محددة، لأسباب أقلها محاولة كسر التمركز الديمغرافي الشديد للبدو في مناطق لها هوية عربية خالصة، ومن تلك المناطق التي تم إسكان قسم من البدو فيها بلدة مرعيت، وكانت هذه الخطوة بمنزلة اقتلاع وترحيل قسري لعرب النقب في الوقت نفسه. وثمة مخططات صهيونية عديدة لإعادة تجميع عرب النقب في ثلاث مناطق في جنوب فلسطين المحتلة، هي: ديمونا وعراد وبئر السبع.
وفي الاتجاه نفسه، قد تتم عمليات التجميع في سبع قرى، عوضا عن 70 قرية بدوية منتشرة في صحراء النقب غير معترف بها أصلا من قبل السلطات والإدارات الصهيونية المختلفة، وهو ما سيجعل حياة البدو أكثر هامشية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى.
واللافت أن مخطط برافر يكمن في مصادرة 800 ألف دونم؛ وتجميع عرب النقب، وعددهم نحو (260) ألف عربي فلسطيني خلال العام الحالي 2021، في مساحة هي أقل من 100 ألف وفي هذا السياق، تندرج عملية تدمير قرية العراقيب وإزالتها للمرة 185منذ عام 2000.
وستسعى الحكومة الإسرائيلية المقبلة بغض النظر عن تلاوينها السياسية إلى مصادرة مزيد من أراضي منطقة النقب خلال السنوات المقبلة، ما يجعل البدو العرب يتركزون في مأوى، ولكن من دون الاعتراف بهم مواطنين، لهم حقوق المواطنة الكاملة في دولة تدعي الديمقراطية لمواطنيها.
تستخدم دولة الاحتلال ومراكز البحث الإسرائيلية مسميات عديدة، وفي مقدمتها عمليات التطوير، من أجل تكثيف الاستيطان وتسمينه في منطقة النقب والجليل أيضاً، ولهذا برزت قضية اللجوء داخل الخط الأخضر، وخصوصاً في منطقتي النقب والجليل، إثر نكبة الفلسطينيين الكبرى في 1948، حيث بقي في المناطق التي أنشئت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي (151) ألف فلسطيني، فبعد أن سيطر الجيش الإسرائيلي على أملاك اللاجئين وأرضهم، من خلال استصدار ما يسمى قانون الغائبين في 20-3-1950 حيث أصبح الحاضرون في وطنهم، وغير القاطنين في قراهم ومدنهم، غائبين، وصودرت أملاكهم وأراضيهم.
يهودية دولة الاحتلال
وبلغ عدد هؤلاء في 1950 نحو 45 ألف لاجئ فلسطيني، حسب تقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» في العام المذكور، وقد شرد هؤلاء بفعل ارتكاب المجازر الصهيونية من 44 قرية فلسطينية في عام 1948 وتركز معظمهم في منطقة الجليل في شمال فلسطين؛ ويعانون ظلماً مزدوجاً، فمن جهة هم جزء من الأقلية العربية داخل الخط الأخضر التي تواجه تمييزاً عنصرياً صهيونياً، كنموذج خاص في التاريخ الإنساني المعاصر، ومن جهة أخرى، هم مهجرون يعانون جراء عدم القدرة في العودة إلى قرية أو مدينة الأصل التي طردوا منها.
وقصارى القول أن هدم قرية العراقيب للمرة 185 خلال واحد وعشرين عاماً خلت، إنما يندرج في إطار ترسيخ قانون يهودية دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر فرض ديموغرافيا وجغرافيا تهويدية تبدأ بعملية الهدم وتنتهي بطرد العرب من قراهم ومدنهم ومضاربهم على امتداد فلسطين.
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
الله يعطيك الصحة والعافية ويديمك علما من اعلامنا تحتذي به اجيالنا القادمة