أهم بنود وقف إطلاق النار في لبنان

حجم الخط
6

أهم بنود وقف إطلاق النار وأهمُّ هدفٍ إسرائيلي أمريكي (وعربي إبراهيمي) أُعلنوا هذا أم لم يعلنوه، هو فصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة وفلسطين، أو ما سمي وحدة الساحات. هذا الهدف على المدى البعيد والاستراتيجي، أهم من إبعاد حزب الله كيلومتر أو خمسة كيلومترات عن الحدود الدولية، فالمسافة عن الحدود هي هدف تكتيكي عملياتي، قابلة للتغيير، ويمكن فرضها بالقوة العسكرية، من قِبَل الطّرفين، كذلك من الممكن التغلّب عليه، بمعنى أن القذيفة التي كانت تقذف باتجاه مستوطنات الشّمال من حدود لبنان مباشرة، يمكن قذفها من مسافة عشرين كيلومتراً، وبالفاعلية نفسها، وقصف تل أبيب وضواحيها نموذج يبرهن أن مسافة الخمسة كيلومترات ليست الأهم، رغم ما لها من أهمية تتعلّق بجغرافية المواقع وعلى ماذا تشرف، إضافة للأهمية المعنوية.
الهدف الأهم هو وأد النموذج الذي قدّمه حزب الله في مساندة مقاومة غزة، وما أطلقوا عليه وحدة الساحات التي يشارك فيها الحزب والحوثيون في اليمن وحزب الله العراقي، وبعض المجموعات في الضفة الغربية. البند الأهم الآن، هو إعادة السّاحات إلى ما كانت عليه، أن تنشغل كل فئة بنفسها، وأن لا يعنيها مصير غيرها، أو اقتصار مشاركتها على الدعاء في أقصى الأحوال، وليس المساندة بالسيف والفِعل. المطلوب هو العودة إلى النموذج الكلاسيكي القديم من التسليم بالتجزئة، التي مارسها الاستعمار القديم والجديد والاحتلال بكل أشكاله، لمواجهة المقاومين لهيمنته، تفتيت جبهات المعارضين لوجوده، والاستفراد بكلٍ منهم على حدة. هذه التجزئة تكون إما برشوة فئة منهم، بتقديم وعود لها بالخير والسُّلطة والتعويض المادي، أو بعقوبة قاسية جدا وثمن باهظ لا تستطيع تحمّله كي تندم هذه الفئة أو تلك على موقفها، وتكون عبرة لغيرها.

البند الأهم الآن، هو إعادة السّاحات إلى ما كانت عليه، أن تنشغل كل فئة بنفسها، وأن لا يعنيها مصير غيرها، أو اقتصار مشاركتها على الدعاء في أقصى الأحوال، وليس المساندة بالسيف والفِعل

في لبنان كما في فلسطين، هنالك من يمنّون أنفسهم بمناصب وقيادة وسيطرة بعد انتهاء الحرب وما يسمى «اليوم التالي»، أي قطف ثمار يقدمها لهم الاحتلال. وحدة السّاحات مأثرة تاريخية سطرها حزب الله الشّيعي بدماء أبنائه خاصة، وأبناء لبنان عموما، ضرَب في موقفه هذا أحد الأعمدة الأساسية لسياسة الاحتلال والاستعمار، وتحدى النّظرة الفوقية، التي ترى في شعوب المنطقة العربية طوائف ومذاهب وعشائر متناحرة على السُّلطة، وترفض رؤيتها كشعوب موحدّة تحت أي إطار كان، سواء كان إطار القومية العربية، أو الإطار الديني الإسلامي، أو الإطار الجامع بين القومي العربي والثقافة والتراث الإسلاميين. مساندة حزب الله الشيعي المذهب في الأساس للمقاومة في غزة، وهي في الأساس من أهل السّنة، واشتراط الحزب وقف الحرب على غزة لوقفها الفوري على جبهة لبنان، هو في الواقع ليس دعماً عسكرياً لمقاومة غزة وفلسطين فقط، وليس عملا تكتيكياً للحقبة الراهنة، بل هو موقفٌ سُجِّل في تاريخ العلاقات المذهبية بين الشّيعة والسُّنة إلى قرون مقبلة، وهو ضربة لسياسة دق الأسافين، التي تعتمد على تضخيم الخلافات المذهبية حتى في أتفه القضايا، وتحويل الهامشي إلى عامل شحن وتجييش وتحريض عدائي، يمارسه مختصّون في إثارة الفتن، خصوصاً شيوخ السّلاطين، الذين يتجاوبون فوراً مع التحريض المذهبي وما يسبّب النُّفور بإيعاز من أولياء أمورهم، فيرقصون بالضبط على إيقاعات التفرقة والكراهية. وفي ذروة الصراع وحرب الإبادة، حيث يفترض توحيد الجهود العربية والإسلامية والأممية، لوقف حرب الإبادة المعلنة، نجد من يفطن إلى خلافاته مع أشقائه وجيرانه العرب ويصعّدها، بل ويستعرض قوّته العسكرية ويتوعّد ويهدّد «كل من تسوّل له نفسه أن يمسَّ ذرة رمل من تراب الوطن»! مساندة حزب الله الشّيعي للمقاومة في غزة علامة فارقة لن ينساها التاريخ، مثلما أنّه لن ينسى مواقف من تحالفوا مع الاحتلال ضد المحاصرين وخذلوهم، وأسهموا في تجويع أطفال ونساء غزة بحجة «على نفسها جنَت غزّة» وتحميل مسؤولية كل ما يجري من جرائم حرب على المقاومة.
موقف حزب الله سُجّل وقُضي الأمر، بغضّ النّظر عن كيفية الاتفاق على وقف إطلاق النار، ونتمنى أن يحدث هذا بأسرع ما يمكن، وألا يتحوّل لبنان أو أجزاء واسعة منه إلى قطاع غزّة آخر. هذا الموقف ليس آنيّاً، بل هو لقرون مقبلة، ولهذا فإن نتنياهو وحكومة الإبادة التي يقودها، تتمسّك باستمرار القتال في قطاع غزّة حتى بعد نفاد بنك الأهداف، ورغم إعلان قيادة جيش الاحتلال أنّها نفّذت كل ما يمكن تنفيذه، وأن استمرار القتال يعرّض الرهائن والأسرى إلى خطر الموت، إلا أن نتنياهو وحكومته يتمسّكون بمواصلة القتال، وذلك لمواصلة الإبادة، والسّعي من خلال مواصلة الحرب في قطاع غزة إلى استمرارها في لبنان، لأنّ موقف حزب الله هو وقفها في غزّة أوّلا، وهذا ما يرفضه الاحتلال وحلفاؤه، فهم يريدون أكثر من مجرّد وقف القتال، وعلى رأس أهدافهم تفكيك فكرة وحدة الساحات، لأنّ استمرار حزب الله بموقفه حتى النهاية، رغم الثمن الباهظ، يؤسّس لوحدة جبهة مقاومة مشتركة عابرة للمذاهب، وهو عكس ما حدث في سوريا في الحرب الأهلية، حيث أخذ الصراع على السّلطة قناعا مذهبيا بغيضا كلّف قوافل طويلة من الشُّهداء والضحايا من كل الأطراف، ضحيتها كلها الشعب السّوري في الأساس. سوف يلفُّ المبعوث الأمريكي هوكشتاين ويدور ويضيف بندا ويحذف ويعدّل آخر، ويمنح الاحتلال المزيد من الوقت للتدمير والضغط للوصول في النهاية إلى لبّ الموضوع، وهو اتفاق يضرب نموذج حزب الله المختلف المتحدّي، الذي ساند المقاومة. لهذا فإنّ البند الأهم في أي اتفاق، هو تراجع حزب الله عن أهم ما حققه في وقفته العابرة للمذاهب، والتي لا تقل أهمية عن امتصاص وإشغال أعداد كبيرة من جيش الاحتلال على جبهة القتال، فما حققه معنويا، في رأيي أهم من إنجازاته العسكرية، بل يزيد عليها. حزب الله من جهته رفض حتى الآن فكرة الفصل بين الجبهتين، ومن هنا نشأت فكرة وقف إطلاق نارٍ أوّليٍ لمدة ستين يوما، هدف الفكرة إنزال حزب الله عن الشّجرة العالية، بمعنى أن يحافظ على موقفه المساند لغزة، رغم الوقف الفعلي للقتال لستّين يوما، بينما تستمر خلالها حرب الإبادة في قطاع غزّة.
في نهاية الأمر، فإن الواقع العسكري في الميدان هو الذي يقرّر، وغالباً ما يكون الاتفاق على مضض، وذلك في ظلّ الضربات المؤلمة التي تلقاها حزب الله، خصوصاً في بداية المعركة، والخلل الهائل في مجال الطيران والدفاع الجوي والقدرة المتفاوتة جداً على الإيذاء، في ظل الدّعم الغربي والأمريكي والعربي المتسامح مع استباحة دماء المدنيين ومنشآتهم، مقابل الحصار والخذلان العربي وحلقات العداء الواسعة لحزب الله، التي نشأت خلال صراعاته في لبنان وسوريا. لقد سجّل حزب الله موقفه التاريخي بغض النظر عما يؤول إليه اتفاق وقف إطلاق النار، كيف وفي أي شروط، ستفرضها المعادلة الميدانية في نهاية الأمر.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” لأنّ استمرار حزب الله بموقفه حتى النهاية، رغم الثمن الباهظ، يؤسّس لوحدة جبهة مقاومة مشتركة عابرة للمذاهب، ” إهـ
    هناك فيديوات متداولة بالنت عن طائفية هذا الحزب !
    هناك أوامر إيرانية لإشغال هذا الحزب بالحرب لغرض تصنيع القنبلة الذرية بعيداً عن الأضواء !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول محمد:

      يعني أن حزب الله ضحى بخير قادته كي تصنع القنبلة في جحر ضب ؟ كان على الأنظمة “السنية”أن تدخل الحرب بعددها و عتادها الى جانب المقاومة حتى لا تصنع القنبلة في جحر الضب .

  2. يقول برن:

    نختلف مع حزب الله في سوريا وكلنا مع حزب الله في الحرب ضد الصهاينه ودائما سنسمع أصوات المرتشين بالحج والعمرة ضد هاد الحزب

  3. يقول كمال - نيويورك:

    فرق تسد

  4. يقول كمال - نيويورك:

    سيتم القضاء على الحزب من داخله و من محيطه اللبناني اذا أوقف الحرب عنده قبل وقوفها في غزة و فك ربط الساحات. لن يسلم أبداً.

  5. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكراً أخي سهيل كيوان. كيما تم النظر حول حزب الهه ومناوشاته وثم حرب إسرلئيل على لبنان تزامننا مع حرب إبادة غزة، لقد تبين أن الإنتصارات الخطابية ليس إلا لذر الرماد في العيون ولتخقيق مأرب وأهداف لاعلاقة لها بفلسطين!

اشترك في قائمتنا البريدية