دمشق ـ «القدس العربي»: وافق الاتحاد الأوروبي، أمس الثلاثاء، على رفع العقوبات المفروضة على سوريا، التي اعتبرت الخطوة «إنجازاً تاريخيا»، ستعزز «الأمن والاستقرار والازدهار».
وقالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في التكتل في تدوينة على موقع إكس: «نريد مساعدة الشعب السوري في بناء سوريا جديدة سلمية تشمل جميع السوريين»، مضيفة أن «الاتحاد الاوروبي وقف دائما بجانب السوريين على مدار السنوات الـ14 الماضية، وسوف يستمر في القيام بذلك».
وسارع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى توجيه الشكر للاتحاد الأوروبي.
وقال في منشور على منصة إكس «نحقق مع شعبنا السوري إنجازا تاريخيا جديدا برفع عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا. كل الشكر لدول الاتحاد الأوروبي، ولكل من ساهم في هذا الانتصار».
وأضاف «سيعزز هذا القرار الأمن والاستقرار والازدهار في سوريا».
وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي إن القرار من شأنه أن يؤدي إلى وضع حد لعزلة البنوك السورية عن النظام العالمي وإنهاء تجميد أصول البنك المركزي.
لكن دبلوماسيين قالوا إن الاتحاد يعتزم فرض عقوبات فردية جديدة على المسؤولين عن إثارة توترات عرقية، عقب هجمات استهدفت الأقلية العلوية موقعة قتلى.
الدكتور عبد الناصر الجاسم، الأكاديمي السوري المتخصص في إدارة الأعمال تحدث لـ «القدس العربي» حول انعكاسات هذه الخطوة الأوروبية، وآفاق المرحلة المقبلة.
وقال: لا شك أن العقوبات الاقتصادية، سواء الأمريكية أو الأوروبية، لطالما اعتُبرت أداة ضغط سياسي تُستخدم للتأثير في سلوك الحكومات، بهدف دفعها إلى تعديل سياساتها والاستجابة لمطالب دولية محددة.
هذا ما شهدناه في حالة سوريا خلال السنوات الماضية، حيث فُرضت حزمة واسعة من العقوبات على مختلف القطاعات الحيوية في البلاد.
وبين أن رفع العقوبات عن سوريا، وخصوصاً مع إعلان الاتحاد الأوروبي الأخير، يشكل فرصة سياسية واقتصادية بالغة الأهمية.
وعلى المستوى السياسي، يرى الجاسم أن هذا القرار يُعدّ بوابة جديدة أمام الدولة السورية للاندماج مجدداً في المحيطين الإقليمي والدولي، وبناء علاقات أكثر توازناً وانفتاحاً، وهو ما يُعدّ شرطاً أساسياً لتحقيق استقرار سياسي وأمني يمهد بدوره لتطور اقتصادي ملموس.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيوضح الجاسم أن رفع العقوبات سينعكس بشكل فوري ومباشر على القطاع المالي، تحديداً عبر إعادة ربط المصارف السورية بشبكة التحويلات المالية العالمية «سويفت» وقد «لمسنا مؤشرات أولية على ذلك، أبرزها تحسّن سعر صرف الليرة السورية بعد ساعات من الإعلان، ما يعكس أثر القرار على مستوى الثقة في السوق».
محللون أكدوا لـ«القدس العربي» أن الخطوة ستنعكس على القطاع المالي وإعادة الإعمار واجتذاب الشركات
وأضاف: على المدى البعيد، سيُسهم رفع العقوبات في خلق مناخ أكثر جذباً للاستثمار، وتوفير طمأنينة لرؤوس الأموال السورية في الخارج، وكذلك للمستثمر الأجنبي، شريطة أن تُبادر الحكومة بإعادة تأهيل القطاع المصرفي من الناحيتين الإدارية والقانونية، وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة، لأن القطاع المصرفي يُمثل شريان الحياة للاقتصاد، تماماً كما ينقل الدم في جسد الإنسان.
وأشار إلى ضرورة رسم خريطة وطنية للقطاعات الاقتصادية، توضح فيها الحكومة حجم الضرر الذي لحق بكل قطاع نتيجة العقوبات، وتحدد أولويات الدعم والتطوير، معتبرا أن قطاعات النقل والطاقة والسياحة ستكون من بين الأسرع في الاستجابة، وهو ما من شأنه أن يخفف من معدلات التضخم، ويعزز استقرار الأسعار، ويضع الاقتصاد على سكة التعافي.
وبين أن استمرار العمل بالعقلية السابقة التي ساهمت في إنتاج واقع اقتصادي هش، سيقود إلى النتائج القديمة نفسها. لذلك شدد على أن المطلوب اليوم هو تجديد البنية التشريعية والرقابية، وتوفير بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، إلى جانب إطلاق معركة حقيقية ضد الفساد، الذي يعتبره أحد أكبر التحديات المتجذرة في الإدارة السورية.
وختم بالتأكيد على أن رفع العقوبات ليس مجرد حدث تقني، بل فرصة تاريخية ينبغي استثمارها بذكاء، محذراً من أن ضياع هذه الفرصة سيكلف البلاد زمناً طويلاً من الخسائر، ويقول: «لقد شبعت سوريا خسارات. آن الأوان لتبدأ بمرحلة الربح: الربح الاقتصادي، الربح الاجتماعي، والربح السياسي. فالسوريون يستحقون الحياة».
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على «خريطة طريق» لتخفيف العقوبات على سوريا بدءا بقطاع الطاقة، التي فرضت في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
تشجيع الشركات الأوروبية
المستشار السياسي باسل الحاج جاسم اعتبر في تصريح لـ «القدس العربي» أن رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، تطور بالغ الأهمية سياسيا واقتصاديا، موضحا أن هذه الخطوة قد تشجع الشركات الأوروبية والعالمية على العودة أو الدخول للسوق السوري، خصوصا في قطاعات الطاقة، الإعمار، الاتصالات، والبنية التحتية، كما يسهل الاستيراد والتصدير مع الدول الأوروبية، مما ينعكس على توفّر المواد الأساسية وانخفاض التكاليف، فضلا عن أن دخول استثمارات جديدة سيخلق فرص عمل ويحرك الدورة الاقتصادية.
وتابع: تسمح هذه الخطوة بعودة الشركات التي انسحبت سابقا بسبب العقوبات، للعودة لاستثمار الموارد الغنية في سوريا، وهذا سيؤدي الى تطوير البنية التحتية النفطية التي تضررت خلال الحرب أو جُمّدت مشاريعها، مما يساعد في تلبية الطلب المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، كما أن رفع العقوبات يعد إشارة إلى انفتاح تدريجي دولي على سوريا، وهو ما قد يفتح أبواب التطبيع السياسي مع دول أخرى، ويسمح للحكومة السورية بالتحرك في المحافل الدولية بشكل أوسع.
خطوة محورية
وكان الاتحاد الأوروبي قد بدأ نهاية فبراير/شباط الماضي بخطوات عملية لرفع بعض القيود الاقتصادية عن سوريا، من بينها إزالة عدد من الحواجز في قطاعات الطاقة والنقل والخدمات المصرفية، بالإضافة إلى السماح باستيراد السلع الكمالية للاستخدام الشخصي من دول الاتحاد إلى سوريا.
وفي هذا الصدد، اعتبر الباحث السياسي السوري درويش خليفة لـ «القدس العربي» أن رفع العقوبات الأوروبية عن سوريا خطوة محورية نحو التعافي.
وأضاف أن قرار الاتحاد الأوروبي بعدم تمديد العقوبات المفروضة على سوريا، والمقرر في الأول من حزيران/يونيو المقبل، يعدّ تطورا محوريا في مسار الأزمة السورية، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي والإنساني.
إعادة الإعمار
وأوضح أن رفع العقوبات سيشمل القطاعات الصناعية، والخدمية، والمصرفية، وهي مجالات تؤثر مباشرة في حياة المواطن السوري اليومية، ما من شأنه أن ينعكس إيجابا على جهود إعادة الإعمار وتحسين مستوى المعيشة وجذب الاستثمارات، فضلاعن تعزيز الاستقرار الداخلي.
وأشار إلى أن هذه الخطوة لا تعني شطب كافة الإجراءات العقابية، إذ ستبقى العقوبات المفروضة على النظام السوري، وعلى رأسه بشار الأسد، بالإضافة إلى قائمة تضم نحو 324 شخصية من الضباط ورجال الأعمال المرتبطين به، كما حُدد في بيانات الاتحاد الأوروبي.
وزاد: هذا التغيير يوفّر فرصة حقيقية للسوريين للانفتاح على 27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، ويفتح كذلك أمام أوروبا آفاقًا اقتصادية مهمة في سوق يضم أكثر من 25 مليون نسمة. من منظور اقتصادي، ترى أوروبا في هذا الانفتاح فرصة لتعزيز نفوذها الدبلوماسي والحدّ من الهجرة غير النظامية، إضافة إلى إمكانية الاستثمار في قطاعات حيوية مثل الغاز، والكهرباء، والاتصالات، وتوريد المعدات الصناعية. كما لفت إلى أن الأموال السورية المجمّدة في البنوك الأوروبية قد تُصبح متاحة للبنك المركزي السوري، في حال تم استكمال عملية رفع العقوبات بشكل فعلي وممنهج، مشددًا في الوقت ذاته على أن نجاح هذه الخطوة يستوجب التزامًا سياسيًا واضحًا، وشفافية تحترم حقوق الإنسان وتراعي التحديات القائمة.
واعتبر أن المرحلة المقبلة تمثل اختبارا حقيقيا لكل من سوريا والاتحاد الأوروبي، وفرصة لإعادة ضبط العلاقات على أسس بنّاءة تحقق مصالح الطرفين. وحول الانعكاسات الأولية، قال خليفة: القرار بحد ذاته يحمل رمزية سياسية، ويشكّل نافذة اقتصادية حقيقية، إذ أنه مؤشر على استعداد أوروبا لإعادة فتح قنوات معينة، وقد يكون تمهيدا لمرحلة من الانفتاح المشروط. الأهم أنه يبعث برسالة للأسواق بأن سوريا لم تعد في عزلة تامة.
وأضاف: الانعكاسات المباشرة قد تكون محدودة في البداية، لكنها مهمة على صعيد الثقة، سواء لدى المستثمرين أو لدى الشركاء التجاريين. أما غير المباشرة، فتشمل تسهيل المعاملات المصرفية، وخفض كلفة الواردات، وإمكانية الوصول إلى معدات وتقنيات كانت محظورة.
أخبار سارة اتمنى ان تنعكس إيجاباً على سوريا العظيمة وشعبها العزيز
بارك الله جهودك
نرجو الخير للبلاد والعباد