لا تطمئن الدول الأوروبية للتطورات المقبلة، وبهذا سجلت أوروبا خلال الأيام الماضية إجراءات هامة تؤكد انتقالها إلى مرحلة حقيقية للدفاع عن نفسها من دون المظلة الأمريكية.
لندن ـ «القدس العربي»: يعيش الاتحاد الأوروبي حالة استنفار وطوارئ شبيهة بالتي عاشها إبان أزمة جائحة كوفيد- 19، حيث ردت الدول الأعضاء على ذلك التحدي بشكل جماعي، والآن يعيش حالة استنفار مشابهة خوفا من التقارب الروسي-الأمريكي على حساب، ليس فقط الملف الأوكراني، وإنما قرار الرئيس دونالد ترامب سحب المظلة العسكرية الأمريكية عن أوروبا. وهو ما يدفع الاتحاد إلى محاولة بناء حلف «ناتو» أوروبي.
ودخلت العلاقات الأطلسية «الأوروبية-الأمريكية» التي شكلت تاريخيا محورا في التحكم في مختلف القرارات الدولية لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية، أزمة لا سابقة لها بحكم التوجه الجديد لواشنطن نتيجة قرارات دولة عميقة جديدة «نيو إشتبلشمنت» تريد تسريع الاستراتيجية الجديدة المتمثلة في محاصرة الصين من جهة، واستقطاب روسيا إلى الصف الغربي.
ومن المعطيات الكبرى الدالة على هذا المنعطف خلال هذه الأسابيع هو قرار البيت الأبيض وقف تزويد أوكرانيا بالسلاح في مواجهة روسيا، والاتفاق حول وقف الحرب الروسية-الأوكرانية باتفاق بين موسكو والبيت الأبيض في تهميش ملفت للأوروبيين وكييف، ثم وقف تفويت إلى القوات الأوكرانية المعطيات الميدانية حول الأهداف الحربية الروسية. وكتبت جريدة «لوموند» يوم الجمعة من الأسبوع الجاري أن وقف تفويت المعطيات الحربية سابقة في تاريخ التعاون العسكري بين الحلفاء. ومن جانبها، نشرت جريدة «الباييس» في افتتاحيتها يوم الجمعة من الأسبوع الجاري «بعد 80 عامًا من التعاون الوثيق، لم تعد الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا به. يبدو ترامب قريبًا بشكل متزايد من بوتين، وهذه الطفرة تؤثر بشكل خطير على مسألتين مترابطتين: الحرب في أوكرانيا ومستقبل الأمن الأوروبي».
وهكذا فرض الرئيس ترامب على الاتحاد الأوروبي ضرورة التأقلم مع التطورات الجيوسياسية الجارية في العالم، بشكل يدفع إلى التساؤل حول مستقبل الغرب كما ذهبت إلى ذلك جريدة «نيويورك تايمز» السبت من الأسبوع الجاري في مقال لها بعنوان «أوروبا التي تعاني من صدمة عاطفية تصارع حقبة جديدة»، في تعليق وتحليل لما يجري في القارة بعد قرارات الرئيس ترامب.
ومن ضمن العوامل التي تدفع ترامب إلى وقف الحرب الروسية-الأوكرانية بدون الاهتمام كثيرا بكييف هو اعتقاده الراسخ بصعوبة هزم الجيش الروسي في أوكرانيا، وذلك بشهادة قادة عسكريين على رأسهم القائد الأسبق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال مايك ميلي بتأكيده على هذا نهاية 2022 وبداية 2023.
أوروبا أمام روسيا
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟ تشكل الدول الأوروبية قوة عسكرية كبيرة نظرا لصناعتها مقاتلات متطورة مثل رافال ويوروفايتر وغرينبين وجيوشا محترفة وعتادا عسكريا متعددا ومتنوعا، ثم مظلة نووية لا بأس بها. غير أنها مقارنة مع روسيا تبقى ضعيفة نسبيا لسببين، وهما: افتقارها لأسلحة استراتيجية ومنها مقنبلات وصواريخ فرط صوتية وأنظمة دفاع متطورة. في المقابل، يتوفر الجيش الروسي على مقنبلات استراتيجية مثل تو 160 وأنظمة دفاع متطورة مثل إس 400 وإس 500 والأساسي هو ترسانة مخيفة من الصواريخ فرط صوتية قادرة على ضرب كل العواصم الأوروبية وبنياتها التحتية الحساسة مثل الطاقة بدون استثناء ولا توجد أنظمة تعترضها.
ووقفت أوروبا على حجم الخسائر التي لحقت البنيات التحتية الأوكرانية بسبب الصواريخ فرط صوتية، علما أن الجيش الروسي يستعمل جزءا محدودا من قواته الاستراتيجية ضد أوكرانيا ويحتفظ بالباقي تحسبا لتحول الحرب إلى روسية-غربية. وهذا الفارق في العتاد العسكري ونوعيته، هو الذي يدفع الاتحاد الأوروبي إلى الإسراع بالاتفاق حول مظلة دفاعية موحدة.
ناتو أوروبي
في غضون ذلك، لا تطمئن الدول الأوروبية للتطورات المقبلة، وبهذا سجلت أوروبا خلال الأيام الماضية إجراءات هامة تؤكد انتقالها إلى مرحلة حقيقية للدفاع عن نفسها من دون المظلة الأمريكية.
في هذا الصدد، وجه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماركون خطابا إلى الشعب الفرنسي يوم الثلاثاء من الأسبوع الجاري مطالبا إياه بالتضحية وكأن البلاد مقبلة على حرب حقيقية. ويبقى الأهم هو تبني الاتحاد الأوروبي الخميس من الأسبوع الجاري استراتيجية الدفاع التي تقوم على خطة دفاعية طموحة بقيمة 800 مليار يورو، منها مئة مليار يورو خاصة بألمانيا التي قررت التحول إلى قوة صناعية حربية كبيرة والتخلص من القيود المعنوية التي كانت تكبلها منذ الحرب العالمية الثانية. وسترفع برلين نسبة ميزانية الدفاع إلى 3 في المئة من الإنتاج القومي الهام وفرض الخدمة العسكرية الإجبارية من جديد. وعلق المستشار الألماني المحافظ الجديد، فريدريك ميرتس: «ستكون أولويتي المطلقة هي تعزيز أوروبا بأسرع ما يمكن حتى نتمكن، خطوة بخطوة، من تحقيق الاستقلال الحقيقي عن الولايات المتحدة». وأشار إلى أن إدارة ترامب «غير مبالية إلى حد كبير بمصير أوروبا».
وتهدف هذه الخطة، المسماة «إعادة هيكلة أوروبا عسكريا»، إلى زيادة الإنفاق الدفاعي والقدرات العسكرية للاتحاد الأوروبي بشكل كبير استجابةً للتهديدات الأمنية المتزايدة. وعموما، يمثل هذا التحول نحو إنفاق دفاعي أعلى وصناعة عسكرية أكثر تكاملاً تغييراً تاريخياً في السياسة الأوروبية، وهو يعكس قلقاً متزايداً على ضمان السيادة والاستقلالية الاستراتيجية للقارة في سياق جيوسياسي متقلب بشكل سريع ومتزايد.
وفي إجراء آخر أكثر أهمية، قررت الدول النووية فرنسا من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من أوروبا توظيف السلاح النووي للدفاع عن أمن القارة في مواجهة روسيا أو أي عدو آخر يهدد هذا التجمع من الدول. وكانت بريطانيا قد احتضنت الأحد الماضي قمة حول أوكرانيا والأمن الأوروبي، وتتبنى سياسة الاتحاد الأوروبي في مجال الدفاع. كما ينوي الاتحاد الأوروبي الاعتماد على دول أخرى إلى جانب بريطانيا وهي النرويج وإيسلندا وأساسا تركيا ذات القوة العسكرية الهامة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي.
ومن العوامل التي تساعد الاتحاد الأوروبي على تنفيذ الخطة الدفاعية هي عدم معارضة اليمين القومي المتطرف لهذه الاستراتيجية رغم تحالفه مع ترامب، ثم الدعم الشعبي، حيث أنه في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوروباروميتر مؤخرًا، أيد 79 في المئة من المشاركين في الاستطلاع زيادة التعاون الدفاعي على مستوى الاتحاد الأوروبي، ووافق 65 في المئة منهم على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي. ومن شأن هذه النسبة أن ترتفع لتتجاوز 90 في المئة مع تفاقم الأزمة مع روسيا.
وهكذا، لقد أجبر الرئيس دونالد ترامب الاتحاد الأوروبي على التأقلم مع تطورات القرن الواحد والعشرين لأن أجندة واشنطن هي الصين بينما أجندة أوروبا هي الاستعداد لردع روسيا. وعليه، إذا تطور التعاون العسكري الأوروبي وخاصة الفرنسي الألماني بشكل سريع واستُكمل بمشاركة عسكرية بريطانية وتركية، يمكن لأوروبا وقتها أن تتخلص من سمعتها كعملاق اقتصادي وقزم استراتيجي لتصبح قوة اقتصادية وعسكرية في آن واحد.
لقد فاتهم الأوان وسيحل عليهم كل أنواع الذل والهوان عصابة الاتحاد الأوروبي المنافق العنصري البغيض المتغطرس الذي يكيل بمكيالين يطرد المهاجرين العرب والمسلمين و الأفارقة وتستقبل ملايين الأوكران يا إخوان 😁😎☝️