«أوقف الاتصال ببيروت» ذاكرة مستعادة بأنغام الحروب

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت – «القدس العربي»: وكأن فرقة «زقاق» المسرحية تتماثل مع غالبية اللبنانيين، الذين لا تنطلي عليهم وعود الأيام الحلوة المقبلة. ثلاثة فنانين متجايلين على المسرح يستعيدون أيام الدراسة، في الثمانينات وحال الأمن والمعابر والانقسام، والغربية، والشرقية. وأظنهم سمعوا وحفظوا في طفولتهم الدعاء الأبدي، أو الرجاء الصادر من قلوب من يلتقيهم، «الله يبعتلكن أيام حلوة». والدعاء ما زال ساري المفعول، يجدد شبابه من جيل طفولة إلى آخر.

«أوقف الاتصال ببيروت»

وأتى عرض (ستوب كولينغ بيروت) «أوقف الاتصال ببيروت» ليرفع الغبار عن تفاصيل مختبئة في حنايا الذاكرة المثقلة. محاولة في سياق سردية مسرحية، تسترجع أثر بيروت البليغ، والمحفور في وجدان من عاش فيها وعايشها. سردية تنفتح القلوب عبرها لتبوح بذكرياتها ومواجعها دون قيود.
حمل كتيب المسرحية نصاً بالعامية وفيه: «في مدينة زغيرة بتطل عشط البحر، للبيع، سعرها رخيص، معمّرة من الورق وقابلة للحريق».
وبعد العامية ورد بالفصحى: «بيروت ليست مُجرّد مدينة، بل هي صدى تناقضاتها. خراب، وجمال، ذاكرة ونسيان. العرض ينسج الحكايات، يراكم الذكريات لرسم ملامح بيروت التي فقدناها. يحاول ثلاثة أصدقاء على المسرح التقاط شظاياها قبل أن تختفي، قبل أن يحرق الطفل المدينة، قبل أن يختفي الأخ، قبل أن تُصبح بيروت مجرد كلمة عرفناها يوماً».
وكأني بكلمة الكتيب استنارت بشكل أو بآخر بشهية دونالد ترامب لشراء البلدان والتصرّف بمصائر الشعوب، فصارت بيروت معروضة للبيع. وكأن كاتبها لا يتلمس نهاية نفق رغم بحر الوعود والتطمينات بأننا سنصبح على وطن.
في العرض المسرحي التماس مباشر مع الممثلين ودون كواليس. ستارة من زجاج شفّاف تفصل بين الصالة والممثلين. مطر ينهمر بصوت واضح، والممثلون الثلاثة لميا أبي عازار وجنيد سري الدين ومايا زبيب يجلسون على كنبة ويباشرون سرديتهم عن «نيرون وموراسي ونابليون وخطوط التماس». اتصال هاتفي يتكرر ولا مجيب. وتساؤل عن اختفاء زياد؟ اختفاء يأخذنا إلى بيروت وأماكنها المحببة المنتشرة على الشاطئ. وكأنه عرض في مجملة وتفاصيله يشكّل جزءاً من كل من عاش ويعيش في المدينة.

أنغام الحروب

رفاق مدرسة ومدينة مقسومة على أنغام الحروب. يرفعون ركام السنوات عن ذاكرتهم الخصبة والفتية. مدارسهم والرفاق وذكريات اجتياز معبر المتحف بين البيروتين. الطفولة ومسرحيات الأطفال هنا وهناك، ومعالم المدينة الثقافية. وكأني بهذا النص المسرحي وهذا الآداء غير المتكلّف، والمستند إلى عيش تلك المشاعر بأسى الحاضر، يوقظ ذاكرة جماعية كانت في تلك المرحلة محمّلة بالتساؤلات وبالإجابات المبهمة. نص يُعلن مدى الأثر الذي غرسته وتغرسه بيروت في جينات ساكنيها. ويلمسون كم ألحقت بهم من أضرار إنسانية ونفسية، ويستمرون في البقاء من عشّاقها الأبديين. مدينة تُعلن بوضوح أنها الحب المستحيل أو حتى المحرّم والمشتهى. والعشّاق يتقاطرون طلباً لودها، علّها تلين.
عرض مسرحي تحتلّ فيه المشاعر حيزاً بارزاً. مشاعر مغلّفة بواقع مُشتت. وبأمل يتمسّك كلُّ إنسان بأهدابة «أومن أن خلف الحبّات الوادعات… يعلو سراج تزهو جنّات». نص أفرج عن ضيق ولامس تشابكات الأزمات في منطقتنا المنذورة للأذى الصهيوني المزمن والمتصاعد فجوراً. أزهار صفراء من براري ربيع نعيشه من بعيد، قُدّمت للمتفرجين. ممثلون أفرجوا عن ضيق ببوح محسوب. واستذكروا زياد أبي عازار واهدوا العرض لروحه.

خلفية المسرح

شاشة كبيرة شكّلت خلفية المسرح، حملت رسوماً متحركة، وأضفت مزيداً من التعبير إلى مضمون السردية التي وصلتنا من الممثلين الثلاثة.
فريق فني واسع شارك في ايصال المسرحية إلى الجمهور. فالنص خلق جماعي لفرقة «زقاق». والإخراج من توقيع لميا أبي عازار وعمر أبي عازار. التصميم البصري وتصميم الملصق لمايا شامي. والسينوغرافيا لحسين بيضون. والإنتاج لمسرح زقاق.
يُذكر أن العروض مستمرة في مسرح «زقاق» إلى 4 الشهر المقبل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية