أوكرانيا – روسيا: المفاوضات مستمرة من دون أي اختراق وسط مخاوف من تصعيد عسكري مقبل

آدم جابر
حجم الخط
0

باريس ـ «القدس العربي»:

تتواصل الجهود الدولية، لاسيما الأمريكية، لوضع حد للحرب المستمرة في أوكرانيا، من دون حدوث أي اختراق يذكر في مفاوضات الهدنة، ووسط تحذيرات أمريكية من رد انتقامي روسي قوي على عملية «شبكة العنكبوت» العسكرية التي نفذتها أوكرانيا نهاية الأسبوع الماضي، وقلق في كييف من تحضيرات روسية لمنع الأوكرانيين من الوصول إلى البحر الأسود.
فمع استمرار مساعيه للدفع باتجاه تسوية سريعة للنزاع الذي بدأته روسيا في شباط/فبراير عام 2022، أجرى الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع – يوم الأربعاء المنصرم – مكالمة هاتفية جديدة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، استمرّت حوالي ساعة. عقب هذا الاتصال قال دونالد ترامب إنهما أجريا «محادثة جيدة، لكنها لن تؤدي إلى سلام فوري»، متحدّثاً عن عدم وجود آفاق «سلام» في أوكرانيا. ووصف الزعيمان تبادل وجهات النظر بينهما بأنه إيجابي ومثمر إلى حد ما، لكنهما شددا بشكل خاص على «رغبتهما في البقاء على تواصل دائم». وهي نقطة مهمة يجب التوقف عندها، لا سيما وأن دونالد ترامب قد كثف في الآونة الأخيرة انتقاداته اللاذعة أحيانًا لفلاديمير بوتين، منذ آخر مكالمة هاتفية بينهما في 19 أيار/مايو الماضي، والتي استمرت حوالي ساعتين.
فقد صرح ترامب يوم 26 أيار/مايو المنصرم بأن نظيره الروسي، الذي يتباهى بعلاقة خاصة معه، قد «فقد عقله تماما» عقب الهجمات الروسية الدامية على أوكرانيا حينها. لكن بدا أن هذه الانتقادات طُويت سريعًا، كما يتضح من مضمون المكالمة الهاتفية بين الزعيمين يوم الأربعاء، حيث «قدّم الرئيس الروسي تقريرًا مفصلًا عن نتائج» المفاوضات التي جرت بداية هذا الأسبوع في إسطنبول بين الروس والأوكرانيين. ولم يفوّت سيّد الكرملين الفرصة لاتهام أوكرانيا بمحاولة إفشال هذه المفاوضات من خلال شنّ قواتها، عشية انطلاق جولة المفاوضات هذه، لعملية «شبكة العنكبوت» التي استهدفت مطارات روسية وألحقت أضرارًا كبيرة بعدد من الطائرات العسكرية، بما في ذلك قاذفات استراتيجية. كما أن هذه الهجمات أدت إلى خروج ثلاثة قطارات عن مسارها، وأسفرت عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة 113 آخرين. مع ذلك، أبلغ فلاديمير بوتين دونالد ترامب أن مفاوضات إسطنبول كانت «مفيدة»، كما جاء على لسان يوري أوشاكوف، المستشار الدبلوماسي للرئيس الروسي.

توعد روسي بالرد

استغل ساكن البيت الأبيض الحديث عن الهجمات بالطائرات المسيّرة التي نفذتها كييف خلال عطلة نهاية الأسبوع والتي تعدّ واحدة من أكبر الهجمات الأوكرانية منذ بدء الحرب، لتبرئة الولايات المتحدة الأمريكية منها، مؤكدًا أنه لم يكن على علم مسبق بها. وأكد الرئيس الأمريكي أن نظيره الروسي يعتزم «الرد» على تلك الهجمات الأوكرانية، من دون أن يوضح كيف، أو يدين تلك النية الروسية. وغداة تحذير ترامب، أعلن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الرد سيأتي «عندما وكيفما يرى الجيش الروسي ذلك مناسبًا».
ومن المؤشرات الأخرى على تحسن العلاقات بين ترامب وبوتين، أو على الأقل توقف تدهورها، وفق مراقبين، أن مسألة عقد لقاء ثلاثي يجمعهما بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لم تُذكر على الإطلاق، لا من الجانب الأمريكي ولا من الجانب الروسي عقب المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الروسي والأمريكي هذا الأسبوع. وسبق للروس أن رفضوا بشكل متكرر هذه الدعوة الأوكرانية، والتي لا يبدو أن الرئيس الأمريكي أعارها اهتماماً كبيرًا في مكالمته مع بوتين. كما أن دونالد ترامب لم يشر إلى أي عقوبات إضافية محتملة على روسيا، والتي طالبت بها أوكرانيا وأثارها الرئيس الأمريكي نفسه مؤخرًا.
من جهة أخرى، وتزامناً مع المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الروسي والأمريكي، دعا البابا ليون الرابع عشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «اتخاذ خطوة لصالح السلام» في أوكرانيا، مُشددًا على أهمية الحوار من أجل تحقيق اتصالات إيجابية بين الطرفين والسعي إلى حلول للنزاع، حسبما أفاد الفاتيكان في بيان له. بدوره، عبّر بوتين عن رغبته في تحقيق السلام مع الأوكرانيين عبر الوسائل «الدبلوماسية»، بينما، وفقًا له، تسعى كييف إلى «التصعيد وتمارس أعمال تخريب ضد البنية التحتية المدنية على الأراضي الروسية».
فبينما تُكافح أوكرانيا على خطوط الجبهة، يدعو الرئيس الأمريكي، إلى جانب حلفائه الأوروبيين، منذ أسابيع إلى وقف إطلاق نار غير مشروط، وهو ما ترفضه روسيا، التي تعتبر أن مثل هذه المبادرة ستسمح للأوكرانيين بإعادة تسليح أنفسهم بمساعدة غربية.
ويوم الخميس، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عدم وضع الطرفين المتحاربين، الروسي والأوكراني، على قدم المساواة، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البرازيلي لولا، الذي يتبنى موقف الحياد تجاه الصراع. وقال الرئيس الفرنسي: «هناك معتدٍ، وهو روسيا. وهناك معتدى عليه، وهي أوكرانيا. كلنا نريد السلام، لكن لا يمكننا أن نعامل الطرفين المتحاربين بشكل متساوٍ»، مشددًا في الوقت نفسه على أن «للبرازيل دورًا مهمًا جدًا تلعبه»، في البحث عن حل للنزاع.

شروط روسية

حتى الآن، فشلت جولتا المفاوضات بشأن هدنة، اللتين عقدهما وفدان من روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، على وقع الضغوط الأمريكية، في تقريب وجهات النظر. فخلال الاجتماع الثاني، الذي تم بداية الأسبوع، بوساطة تركية، قدم الوفد الروسي قائمة مطالب، بما في ذلك سحب القوات الأوكرانية من أربع مناطق تطالب موسكو بضمها، وتخلي أوكرانيا عن عضوية الناتو، وتقييد حجم جيشها. وهي شروط وصفها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الأربعاء بأنها «إنذارات نهائية» غير مقبولة، معتبرًا أنه «لا جدوى» من الاستمرار في محادثات اسطنبول بتشكيلة الوفدين الحالية، داعيا لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فكما هو الحال خلال الجولة الأولى من المفاوضات التي انعقدت في منتصف شهر أيار/مايو المنصرم في المدينة التركية ذاتها، اتفق الطرفان في الجولة الثانية بداية الأسبوع على تبادل الأسرى المصابين بجروح خطيرة أو الذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا، بالإضافة إلى تبادل 6 آلاف جثة لجنود قتلى من كل طرف، حسب ما أعلنه كبير المفاوضين الأوكرانيين. وقد اقترح الوفد الروسي وقفًا جزئيًا لإطلاق النار لمدة يومين إلى ثلاثة أيام في بعض أجزاء الجبهة. وقال المفاوض الروسي فلاديمير ميدينسكي خلال مؤتمر صحافي عقب المحادثات: «قدمنا اقتراحًا عامًا إلى حد ما، يتعلق بوقف إطلاق نار محدد لمدة يومين أو ثلاثة في بعض مناطق الجبهة». كما قدّمت روسيا إلى كييف مذكرة تتضمن مطالبها من أجل وقف إطلاق النار، وبشكل عام لإنهاء الغزو الروسي. قبل تنفيذ «وقف إطلاق نار لمدة 30 يومًا»، تطالب موسكو بانسحاب الجيش الأوكراني من المناطق الأوكرانية التي تحتلها القوات الروسية جزئيًا، والتي أعلن فلاديمير بوتين ضمّها عام 2022 – وهي دونيتسك، لوغانسك، زابوروجيا، وخيرسون. ولتسوية النزاع نهائيًا، قدمت الدبلوماسية الروسية قائمة من المطالب القصوى، والتي سبق أن رفضتها كييف مرارا، بما في ذلك الاعتراف القانوني الدولي بعمليات الضم الروسية، وحياد أوكرانيا، ووقف تسليم الأسلحة الغربية.

لقاء جديد نهاية يونيو؟

اقترحت أوكرانيا على روسيا عقد لقاء جديد بين 20 و30 حزيران/يونيو الجاري، كما جاء على لسان وزير الدفاع الأوكراني، روستيم أوميروف، الذي اعتبر الأمر «أساسيا لتقدم عملية التفاوض». وجدد الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، اقتراحه بعقد قمة تجمع الرؤساء، الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والأمريكي دونالد ترامب «في إسطنبول أو أنقرة». وجددت المتحدثة باسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كارولين ليفيت، التأكيد أن ترامب «مستعد» للذهاب إلى تركيا للقاء فولوديمير زيلينسكي وفلاديمير بوتين». في حين، اعتبر الكرملين أن عقد اجتماع بين الرئيس الروسي والأوكراني والأمريكي «غير مرجّح» في «المستقبل القريب».

مخاوف أوكرانية

في ظل غياب أي اختراق مهم على المستوى الدبلوماسي، حذّر نائب رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية، العقيد بافلو باليسا، عقب اجتماعه يوم الأربعاء في واشنطن بعدد من النواب والمسؤولين الأمريكيين، حذّر الولايات المتحدة الأمريكية من أن الجيش الروسي يُعدّ لهجمات عسكرية كبيرة العام المقبل، من بينها خطة لقطع وصول أوكرانيا إلى البحر الداخلي. وعرض المسؤول الأوكراني ما وصفه بأنه استنتاجات صادرة عن الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، موضّحًا أن روسيا تهدف إلى السيطرة، بحلول نهاية شهر أيلول/سبتمبر المقبل، على كامل منطقتي دونيتسك ولوغانسك الواقعتين شرق البلاد، واللتين تدّعي موسكو ضمّهما.
وأضاف أنه بحلول نهاية العام، تسعى روسيا إلى إقامة منطقة عازلة على الحدود، وقال: «لديهم حتى خطط لعام 2026. المشروع للعام المقبل يتمثل في احتلال كامل الجزء من أوكرانيا الواقع على الضفة اليسرى لنهر دنيبر». ويعبر نهر دنيبر العاصمة كييف ويصب في البحر الأسود، ما يجعله يقسم البلاد فعلياً إلى قسمين. وتسعى موسكو أيضاً إلى احتلال منطقتي أوديسا وميكولايف الجنوبيتين من أجل «قطع وصول أوكرانيا إلى البحر الأسود»، حسب المسؤول الأوكراني. ويُعدّ البحر الأسود منطقة حيوية بالنسبة لكييف، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، كما أنه ممر رئيسي لنقل الحبوب إلى دول الجنوب.
وتزامنا مع هذه التحذيرات، وبعد المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الروسي والأمريكي، يوم الأربعاء، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى عدم إظهار «الضعف» في مواجهة فلاديمير بوتين، وذلك بعد أن حذّر بوتين من «ردّ قريب» على الهجمات الأوكرانية الأخيرة. وقال زيلينسكي: «إذا ردّ العالم بليونة على تهديدات بوتين، فإنه يفسر ذلك على أنه رغبة في التغاضي عن أفعاله. عندما لا يشعر بالقوة أو الضغط، بل بالضعف، فإنه يرتكب جرائم جديدة دائمًا». وأضاف: «إذا لم يوقف الأقوياء بوتين، فهذا يعني أنهم يشاطرونه المسؤولية».
بدوره، دعا رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية، أندري يرماك، الذي ترأس وفد بلاده إلى واشنطن الأربعاء، أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى فرض عقوبات جديدة لـ«زيادة الضغط على روسيا». وقال المسؤول الأوكراني، بعد لقائه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو: «من الضروري خلق مناخ مناسب يجعل روسيا تدخل في مفاوضات، لا من أجل الاستعراض، بل من أجل مفاوضات حقيقية وجادة».

دعم «غير مشروط» من بيونغ يانغ

وسط ذلك، تلقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعمًا كبيرًا من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ، الذي تعهد، خلال استقباله، يوم الأربعاء، سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، وهو مستشار مقرب من الكرملين، بتقديم بيونغ يانغ «الدعم غير المشروط لموقف روسيا وسياستها الخارجية بشأن جميع القضايا الدولية الحاسمة، بما في ذلك الملف الأوكراني»، حسبما جاء في التقرير الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية. وعبّر الزعيم الكوري الشمالي عن «ثقته في أن روسيا ستحقق، كما هو الحال دائمًا، النصر في قضيتها المقدسة من أجل تحقيق العدالة»، وفقًا لما أضافته الوكالة.
وكانت فرقة من الجنود الكوريّين الشماليّين قد شاركت إلى جانب الجيش الروسي في القتال ضد القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية الحدودية مع أوكرانيا، التي نجح الجيش الأوكراني في احتلال جزء صغير منها في هجوم خاطف شنّه في صيف عام 2024، لكنّ الجيش الروس تمكّن بمؤازرة من القوات الكورية الشمالية من استعادة السيطرة على هذه المنطقة بالكامل في نيسان/أبريل الماضي. وعزّزت موسكو وبيونغ يانغ تعاونهما العسكري في السنوات الأخيرة، ووقّعا اتفاقية دفاع مشترك خلال الزيارة النادرة من نوعها التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية العام الماضي. وفي نيسان/أبريل، أكدت بيونغ يانغ لأول مرة نشرها قوات على الجبهة الأوكرانية إلى جانب الجيش الروسي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية