أكاد أجزم بأن الجزائريين تعرفوا أكثر وبشكل أحسن على بعضهم بعضا، وهم يحتجون في المسيرات وينظمون الوقفات الاحتجاجية والإضرابات، كما حصل أكثر من مرة خلال تاريخهم السياسي المضطرب. هذا ما حصل لي كتجربة شخصية بُعيد أكتوبر 88، حين تعرفت على صديقي مصطفى باهي، الذي غادرنا هذا الأسبوع. عن عمر تجاوز السبعين سنة (مواليد 1952) هو الذي كان يدرس الرياضيات في جامعة باب الزوار في العاصمة، دون ان أتمكن أنا أستاذ السوسيولوجيا في جامعة الجزائر في المدينة نفسها، من اللقاء معه قبل أحداث أكتوبر، في مجتمع ساد فيه الخوف من الآخر، حتى إن كان هذا الآخر قريبا سياسيا وابن المهنة نفسها.
أسباب موضوعية كثيرة يمكن أن تفسر هذا البعد بين الجزائريين، كالرقعة الجغرافية الكبيرة في بلد تأخر فيه ظهور السلطة السياسية المركزية، معروف بكثافة ديموغرافية ضعيفة وتأخر وسائل النقل العمومي وشبكة الطرق لوقت قريب. ليبقى المعطى السياسي لما بعد الاستقلال هو الأكثر حضورا لتفسير هذا البعد بين الجزائريين بعد الاستقلال. فقد عمل النظام السياسي بثقافته الأمنية، المستحيل لكي يفرق بين الجزائريين، اعتمادا على شروخ ثقافية وجهوية، استعان فيها بما سميته أكثر من مرة بالانقسامية التي تعاني منها النخب.
عمل النظام السياسي بثقافته الأمنية، المستحيل لكي يفرق بين الجزائريين، اعتمادا على شروخ ثقافية وجهوية، استعان فيها بالانقسامية التي تعاني منها النخب
فقد كان من الصعب جدا على أستاذ شاب في علم الاجتماع مثلي، حتى إن كان من المدرسة السياسية نفسها تقريبا وبالاهتمامات نفسها، أن يلتقي بأستاذ رياضيات في جامعة باب الزوار، الموجودة في المدينة نفسها، كما كان الحال مع الفقيد مصطفى باهي، الذي كانت تقدمه هذه الانقسامية على شكل أستاذ مفرنس، رغم تمكنه من العربية إلى حد كبير هو ابن بوسعادة – وسط البلاد 245 كلم عن العاصمة – في حين كانت تصر هذه الانقسامية على التعامل معي كمعرب، حتى إن كنت أقرب لمزدوج اللغة، كما تؤكده دراساتي مثل صديقي مصطفى في الجامعة الفرنسية وقبلها في المنظومة التعليمية الوطنية مزدوجة اللغة. انقسامية بنظرتها إلى الآخر الذي قد يكون غير مختلف تماما على أرض الواقع، هي التي جعلت إحدى الزميلات في جامعة باب الزوار، مباشرة بعد بداية التعارف مع أساتذة جامعة الجزائر، كما كان يسموننا تطلب من زملائها قبل الدخول إلى أحد مطاعم العاصمة، التي تواعدنا فيها، بعد أول نشاط جماعي بيننا أثناء أحداث أكتوبر، ألا يطلبوا نبيذا مع الأكل حتى لا يحرجوا زملاءهم المعربين الذين يفترض أنهم متدينين، حسب هذه الرؤية الانقسامية! صديقي مصطفى الذي التحق بجامعة ليون الفرنسية بعد دراسة متميزة في جامعة الجزائر وقبلها في الثانوية التقنية برويسو -ابن الهيثم حاليا – التي كونت بؤرة علمية نوعية من طلبة الرياضيات، كان يسمح بها نظامها الداخلي، الذي فضله الطفل مصطفى ابن الوسط الاجتماعي الشعبي الفقير والمدينة البعيدة. الذي لم يكن من المتاح له الالتحاق بجامعة الجزائر لدراسة الرياضيات بعد الحصول على البكالوريا للتوجه للدراسة في جامعة ليون الفرنسية لولا سياسة الدولة الوطنية التعليمية، التي دعمت تعليم أبناء الفئات الشعبية الفقيرة مثل مصطفى الذي لم يقطع مع انتماءاته الاجتماعية والعائلية – هو بكر عائلته من الذكور – ليقرر الدخول الى الجزائر بمجرد الانتهاء من دراسته الجامعية، رغم الفرص الكثيرة التي قدمتها له الجامعة الفرنسية لاستقطابه للبقاء فيها.
ستنطلق المسيرة المهنية لمصطفى باهي في جامعة باب الزوار ومعهد الرياضيات التابع لها، حيث سينجز عدة مهام لا تتعلق فقط بنشاطاته البيداغوجية الذي أداها على أحسن وجه لمدة أكثر من ثلاث عقود من التدريس والبحث، كما يشهد له بذلك زملاؤه من مختلف الأجيال والمشارب الفكرية، الذي كان يجد احتراما كبيرا لديهم. أدوار سمحت له بالتحول إلى فاعل رئيسي داخل الجامعة الجزائرية، ليس في باب الزوار فقط، بل على المستوى الوطني. كما ظهر ذلك بشكل جلي خلال تجربة المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي، النقابة التي كونها أساتذة الجامعات بعد الاعتراف للجزائريين بحق تكوين نقابات مستقلة، بعد المصادقة على دستور 1989. مجلس تحول مصطفى إلى مكلف بالإعلام فيه نتيجة القدرات الكبيرة في التواصل التي كان يملكها، ابن بوسعادة، صاحب الابتسامة الدائمة والخجل الطبيعي الذي ميزه طول حياته. نشاطات ما زلت أتذكر من أحداثها ذلك اللقاء الذي نظمته قيادة المجلس ليلا في مقر إحدى النقابات المستقلة استمر طول الليل، لم نخرج منه إلا فجرا. لقاء مصيري كان يجب فيه اتخاذ موقف من الإضراب الوطني العام الذي عاشته الجامعات الجزائر لمدة ثلاثة شهور، والذي بدأ في التعفن نتيجة الوضع السياسي ككل في البلد 1996- دافعت رغم ذلك بعض الوجوه النقابية القليلة على مواصلته، كان من بينهم السعيد بوتفليقة الذي كان حاضرا مع وفد جامعة باب الزوار، استمر شبه نائم في أغلب زمن اللقاء نتيجة التعب نظرا للمجهود الكبير الذي كان يبذله في النهار هو ومجموع القيادات النقابية في تنظيم الإضراب، الذي طال، لكنه ينهض بسرعة بمجرد سماع من ينادي بتوقيف الإضراب الذي كان يريد له ان يستمر، في وقت كان أخوه الأكبر عبد العزيز خارج السلطة.
لتتغلب في الأخيرة الحكمة ويقرر المجلس تعليق الإضراب بعد نقاش طويل، تعرف فيه الحضور على مواقف كل طرف بعيدا عن العنعنات والأفكار المسبقة. قرار لم يكن ممكنا لولا الأدوار التي قام بها القيادي النقابي مصطفى باهي، الذي كان يحظى باحترام لدى كل التيارات الفكرية والسياسية الحاضرة داخل هذه التجربة النقابية التي شهدتها الجزائر بداية من 1992. لتنحرف لاحقا عن أدوارها كما حصل للكثير من الأمور الأخرى، بعد انطفاء وهج الربيع الديمقراطي القصير الذي عرفته الجزائر بعد أكتوبر 88.
مصطفى الذي استمر في أداء ادواره ليس داخل جامعة باب الزوار فقط، بل على مستوى مدينة بومرداس التي سكنها، كما ظهر أثناء الحراك الشعبي، طيلة سنوات كان متميزا بحضوره في العاصمة والكثير من المدن الأخرى كقسنطينة وبجاية. لم يهتم بالعمل السياسي فقط، فقد كان حاضرا في الفعاليات الثقافية التي كان يصر على حضورها. تبعده عن صورة أستاذ الرياضيات، الذي لا يهتم الا بمجال تخصصه، كما تعودنا على ذلك في جامعاتنا. التي تخصصت في إنتاج الأستاذ صاحب البعد الواحد.
كاتب جزائري
الجامعة والخدمة العسكرية تسمح للجزائريين بالتعرف على بعضهم درست بمدرسة وطنية واقامة جامعية جمعت كل ولايات الوطن وسعت افاقي وعرفت ان بلدي قارة وصرت محصنا ضد الصور النمطية لدي اصدقاء في كل الولايات حتى نكون جزائريين ليس مطلوبا ان نكون متشابهين بل العكس اختلافاتنا غنى واثراء لثقافتنا الجزائر عظيمة لا تستحق المكانة التي فيها
مجرد تساؤل.
ما هي أجمل محطات حياة الجزائري !!!؟؟؟
كل الناس تعرف الانتقاد، وتعلم أنه سهل في متناول كل منا.
يكفي فقط تجاهل إيجابيات أي بلد أو شخص، والتذكير بسلبياته، وإن لم تجد ابتدع وأنفخ فيها وركز عليها.
أذكر القراء، من دون الكاتب، بثلاثة مناسبات أو محطات تجمع الجزائريين، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، ولا صغيرهم وكبيرهم، ولا رجالهم ونسائهم، ولا مثقفهم وأميهم.
1- النظام الداخلي الذي اعتمدتها الدولة في المدارس منذ الاستقلال. حيث ينتقل الفائزون بشهادة التعليم الابتدائي (12) سنة والتعليم المتوسط (16سنة) والباكالوريا (18 فما فوق) من تلاميذ القرى والمداشر إلى المدن لمزاولة دراستهم على التوالي في المتوسطات والثانويات والجامعات.
2- نظام الخدمة العسكرية، والذي كان يشمل أيضا أبناء المهاجرين ويمتد لمدة سنتين، يقضي الشاب مدتها دائما خارج منطقته، وقد ينتقل من المدينة إلى البادية والعكس صحيح.
3- الرياضة المدنية والعسكرية والمدرسية التي بموجبه تتنقل الفرق وطواقمهم، ومشجعوهم من منطقة إلى أخرى.
../… يتبع
…/…تتمة
مجرد تساؤل.
ما هي أجمل محطات حياة الجزائري !!!؟؟؟
كل هذا المناسبات/المحطات التي كانت فرص للقاءات وللتعارف، وحتى الزواج، وخلق الفرص لصداقات جديدة وللعمل وللتعليم. والكثير من الجزائريين، مازال يحتفظ بأجمل ذكرياته وأصدقائه بفضل هذه المناسبات.
وتأسيا على مقال الحل، والمقالين اللذين نشرتهما “القدس العربي” للكاتب، تحت العنوانين التاليين:
– 02/07/2023: يوم دلّني محمد بوضياف على قبر والدي.
– 18/08/2024: لمنور مروش: الموت في أغسطس.
أنا أرى أن كاتب مثل أستاذه ” لمنور مروش ” ينتميان إلى فئة انطوائية متزمتة ترفض الأخر ويرفضها الأخرون، والدليل أن الكاتب لا يعجبه النظام الجزائر ولا الإعلام الجزائري ولا الشعب الجزائري، وكل شيء في الجزائر فهو محل انتقاد.
حتى الحرية التي ينعم بها في الجزائر ينتقدها، ولا تعجبه لأنها فقط صناعة جزائرية.