أثارت المقابلة الصحافية التي أجرتها «ميريت الثقافية» مع الشاعروالناقد المغربي صلاح بوسريف ردودا من قبل بعض الشعراء، والأدباء المغاربة، تتراوح بين الرفض القطعي لمشروع نقدي ما فتئ صلاح بوسريف ينجزه حول الشعرالعربي؛ وموقف يدعو إلى التريث والإنصات الحصيف لأسس وحيثياث العمل قبل الحكم عليه.
ليس غرضنا ههنا تسجيل مؤاخذات على هذا الموقف وذاك؛ ولا الانتصار لأحدهما على الآخر. فمسعى هذه المساهمة يتحدد في الأساس في تسليط الأضواء الكاشفة على موقف نقدي أعلنه الشاعرالمغربي صلاح بوسريف، بصدد الإنتاج الشعري المعاصر؛ مع إبرازعلامات القول كما ساقها صاحبها بين ثنايا الحوار/النص الأصلي.
سنمحورالمقابلة المشار إليها في مفصلين اثنين غير منفصلين: رهان الشعر، ثم «حداثة الكتابة» عند صلاح بوسريف بما هي عمل مسترسل، ومشروع مستقبلي.
لنتساءل، بادئ ذي بدء، مع صلاح بوسريف: متى يصير الشعر شعرا؟ وما هي مواصفات الذات الشاعرة؟ وإلى هذين السؤالين أضيف: بأي معنى يصح اعتبارالشعر صوت الوجود ونداءه؟
الشعرعند صلاح بوسريف هو ملتقى حقيقي لمعارف شتى وفنون متنوعة. يَغْرف الشاعر من كل المشاهد التراثية، والهامشية، لأنه ملزم بالتحرك في كل أراضي المعرفة وأنواع الكتابات: التاريخ، والأسطورة، والتصوف، والسرديات، والهايكو، إلى جانب الفلسفة، والشذرة، والفن التشكيلي، والمسرح، والسينما، والموسيقى.. بهذا المعنى، تتحقَّقُ، بلا غرو، كثافة الإيجاد، وتحصل الدهشة الباعثة على السؤال الاستفهامي، المُحَرِّك للاكتشاف الذي يفتح الأفق الشعري على الإبداع المُخْترق لفخاخ المعنى، ومَضَايق الكتابة التي تُحَرِّرُه من حِصَارِ القصيدة، فضلا عن رسْفِ القَضِيَّة. أَلَيْسَ الشعر لغة مُقَطَّرَة، من اللغة نَتَوَسَّلُ بها قول الأشياء بأشكال مغايرة؟ أَلَيْسَ الشِّعْرُ تَعَلُّماً، ودُرْبَة، وقراءة، فإنصاتا، فحوارا منتظما؟
ذلك هو التَّوَثُّبُ المُشْرَعُ على المغامرة، والتَّأهُبُ المفتوح علی المغايرة، التي تجعلنا: «ننتقل من «التشطير» إلى» التشذير» ونخرج من» التشابه» إلى «الاختلاف» ومن «شعرية الواحد» إلى «شعرية الكل» ومن القصيدة إلى»النص الشعري المتكامل» وننتقل أيضا من»الشفاهة» إلى»الكتابة» ، ومن «الصوت» إلى «الخط» إلى الصورة الدرامية «المتحركة»؛ والتَّهيُّؤ الذي يُصَيِّر العمل الشعري نسيجا من الأصوات، و»شبكة مركبة» من الرموز، والإشارات، والإيماءات، والبياضات الخَرْسَاء التي تُخفي خلفها حَفِيفَ اللغة، وتَحْجُبُ موسيقى دلالاتها، وارْتِعَاشَ مَعَانِيهَا..
2- ولايسعف هذا التعدد المرجعي في ثراء الذات المبدعة وحسب، وإنما يسهم، بشكل كبير، في استكمال صلاح بوسريف لأفقه النقدي الموسوم بـ»حداثة الكتابة» بوصفها «انفتاحا وانشراحا.. وسماء أخرى تضاهي السماء التي فوق رؤوسنا، لأنها أفق لانهائي من الأشكال والبناءات، ومن الاختراقات والاقتراحات».
«حداثة الكتابة» أو»نَشِيدُ الحداثة» إن صح التعبير، مشروع صِدَامِي يَرُومُ تَأْزِيمَ المألوف، ويَتَوَخَّى خَلْخَلَةَ العَادَة، وتَحْطِيمَ الأوثان. إنه تفجير لكل القيود المُصَادِرَة للحرية والمُعَثِّرَة للانفتاح. من ثم بات في أمس الحَاجَة إلى تشكيل وعي جمالي جديد.
«حداثة الكتابة» أو»نَشِيدُ الحداثة» إن صح التعبير، مشروع صِدَامِي يَرُومُ تَأْزِيمَ المألوف، ويَتَوَخَّى خَلْخَلَةَ العَادَة، وتَحْطِيمَ الأوثان. إنه تفجير لكل القيود المُصَادِرَة للحرية والمُعَثِّرَة للانفتاح. من ثم بات في أمس الحَاجَة إلى تشكيل وعي جمالي جديد.
ويُحْتَمَلُ أن يُشَكِّلَ ذلك العُدَّة النظرية التي استند إلَيْهَا صلاح بوسريف لِيُحَصِّلَ أنَّ «بابلو نيرودا، أو محمود درويش، أو مظفرالنواب، أو أحمد مطر أو غير هؤلاء، شعرهم، بهذا المعنى انتهى، لم يعد يقرأ إلا كوثيقة تاريخية وليس كشعر». وسيصير موقف صلاح بوسريف النقدي واضحا، جليا وهو يقول: «بل شيء آخرغير الشعر». و»غَيْرُ الشِّعْر» هذا سيجده عند « شعراء السبعينيات في المغرب، وفي العالم العربي» وسَيُلْفِيه أيضا «في عدد غير قليل من كتابات السياب، والبياتي، وصلاح عبد الصبور، وحجازي، وفي كتابات أحمد المجاطي».
وهي تجارب أدبية لها وَصْلٌ وَثِيقٌ بِمسَاق تاريخي انْطَبَعَ بالروح النضالية، وانْوَسَمَ بهَيْمَنَة «الخطاب السياسي الاحتجاجي أو التحريضي، (و) وما كان يستمع إليه الناس، ويجتمعون حوله، الشعر كان أداة لحمل هذا الخطاب، غاب الشعر وطفت السياسة على السطح. لا أحد كان يبحث في الشعرعن البُعْد الفني الجمالي، ولاعن البعد الرُّؤْيَوي، ولا عن الطرق التي كان الشعر يَهْجسُ بها، في بناء الإنسان، وفي إدراك معنى وجودنا على الأرض، وإقامتنا عليها، أوَلَيْسَ الشعر، بدْءاً ومُنتَهًى، انفعالَ النظر، واكْتِنَاهاً لمعنى الإنسان وجودا، وحياة، ومصيرا؟
أُقَدِّرُ، بالتَّرْتِيب على مَا مَرَّ مَعَنَا، أن مشروع الشاعر صلاح بوسريف، ومشاريع غيْرِه من النقاد المغاربة، في مَا يرْتَهِنُ بإبداع الشعر، والإبداع في الشعر، باعثٌ علی الاعتبار، وَجَدِيرٌ بِالمُتَابَعَةِ النَّقْدِيَّة بالنظر إلى ما يثيره من إشكالات تَسْتَلْزِمُ الاتِّئَاد في الفَحْصِ، وتَسْتَوْجِبُ التَّرْوِيَة في التَّقْلِيب؛ وبالنظر، في الآن عينه، إلى ما يَنْطوِي عليه مِنْ طُرُوحَات تَهُزُّ العادة، وتُخَلْخِلُ القناعات، وتُزَلْزِلُ اليقينيات. وَعَطْفاً على هذا أدعو المهتم بحقل النقد الأدبي، إلى التَّفَكُّرِ في تضاريس النص التالي الذي أُرَجِّحُهُ مُرْتَكَزاً، وَأَرْضِيَّةً لِنِقَاشٍ أكاديمي يَنْظُرُ في مُواصَفَات الذَّات الشَّاعِرة من جهة، ويُقَارِبُ مستقبل النقد الأدبي في عَالَمٍ تَغَيَّرَتْ جغرافية مَعْنَاه جُمْلَةً وتفصيلاً جَرَّاءَ تَهْشِيم العولمة لِلْمَتَارِيس بين الأوطان، وتَقْوِيضِهَا للهويات/الثقافات، ومُساءَلتِها لِلصَّيْرُورة والزَّمَان، فَضْلاٌ عن الكَيْنُونَةِ، ومصيرالإنسان على أدِيمِ الأرض بصورة لم نعهدها من قبل من جهة ثانية:
«الشعر العربي اليوم، هو شعر لم يخرج، في عمومه من «القصيدة» أعني من قديم الشعر ومن ماضيه، أي من الغنائية والإنشادية، التي جاءتنا من شعرالماضين، وكأننا لم نكتب، ولم نتأثربالكتابة التي هي أكبر ثورة قام بها العقل البشري، على الإطلاق، وبقينا نائمين في عسل ماض، اعتبرناه هو كل الشعر، أو مصدر الشعرية، وهذا خلل في رؤيتنا للشعر، بما في ذلك شعر الحداثة عند أدونيس نفسه، الذي بقي إنشاديا، رغم ما فعله في»الكتاب…أمس المكان الآن»…إنشاديا في بنائه، وفي لغته، وفي جوهره الشعري، وهذا ما لم يتخلص منه أدونيس، وغيره من الشعراء الذين ينتمون إلى جيل من الشعراء تحدروا من «القصيدة» ولم يتخلصوا من هذا المفهوم، حتى وهم يتحدثون عن»الكتابة» وهذه مفارقة تفضح أعطاب الحداثة في وعينا الشعري المعاصر، ويجعلها مرتبطة بالتقليد، أو الاتباع».
كاتب مغربي
اطلعت على بعض مما جاء في حوار الشاعر صلاح بوسريف و شخصيا لا ارى عيبا في وصفه لشعر نيرودا – درويش
–
عبد الصبور و غيرهم بكونه وثيقة تاريخية فلا قيمة لأي ابداع ان لم يوثق للحظة و لذات الشاعر و لا عيب في
–
قوله ان شعر الئك كان سياسيا لكونهم ببساطة عاشوا زمن زلازل طبعت وجودهم و سجلوا بصدق و نفذوا
–
لعمق القارئ و لا يزالون لا مشكلة في استجابة الشعر للحظة هولا او رخاء فالشاعر في النهاية انسان المشكلة هو
–
الاتيان بكلام مستعصي على الهضم ان قول شاعرنا بوسريف بضرورة تجميع كل تلك المعارف المشار اليها في حواره
–
في الشعر و ذات الشاعر تعني العودة للموسوعي الذي قضى عليه زمن التخصص و حبذا لو تفرغ الشاعر للشعر
–
و ترك الزمن حكما و فاصلا بين الشعر و دونه تحياتي