إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا

هذه المقولة تنطبق تمامًا على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، ولكن حكومة أبو ظبي بدل أن تستتر قامت بتحميل العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص، فَضْلا ومِنّة، إبرامها الاتفاق المشبوه بأن هدفها تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، وأن الاتفاق سيمنح المسلمين الحق في الصلاة في المسجد الأقصى عبر الخطوط الجوية الإماراتية.

صفقة القرن

وهذا بلا شك استغباء معيب بحق الشعوب العربية التي باتت ترصد تحركات حكامها وصناع قرار بلدانها بسبب فقدان الثقة بهم، وبألاعيبهم السياسية التي تتشارك وخطة ترامب للسلام وصهره «جاريد كوشنر» في تمرير «صفقة القرن» والتي تعبر في نصها؛ عن تطبيع اسرائيل مع العرب بالدرجة الاولى وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن تقوم مصر بمنح أراضٍ للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع تكفيهم ذاتيًا في قطاعي التجارة والزراعة دون السماح للفلسطينيين في الإقامة فيها. يسبقه الاتفاق على مساحة الأراضي الممنوحة وثمنها، كما تقوم بإنشاء جسرًا معلق يربط الضفة بقطاع غزة لسهولة الحركة المرورية.
وبعد أن يمر عام من الاتفاق تُجرى انتخابات فلسطينية يعترف بها المجتمع الدولي ومنظماته الأممية.
كما أن الصفقة تمنح دولا عربية مجاورة لفلسطين التاريخية مبالغ كبيرة، توزع على مصر والأردن ولبنان.
وفي معرض الإغراءات التي تمنحها صفقة القرن سيتم توزيع المبالغ التي ستساهم فيها أمريكا ودول الخليج النفطية، حيث تحصل الضفة الغربية وقطاع غزة على (27.813 مليار دولار)والأردن (7.365 مليار دولار) ومصر (9.167 مليار دولار) ولبنان (6.325 مليار دولار) بإجمالي 50.67 مليار دولار، حسب وثيقة نشرها البيت الأبيض.
وتأتي الإغراءات على شكل محاولة لثني الملك عبد الله بن الحسين عن لاءاته الثلاثة، التي أطلقها قبل ورشة المنامة في البحرين والتي أقيمت في يونيو/حزيران 2019: لا للتوطين ولا للوطن البديل ولا للتنازل عن أي شبر من القدس الشرقية والتمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
شاركت عدة دول عربية ومنظماتٍ دولية هذه الورشة، تصدرتهم منظمتا صندوق النقد والبنك الدوليين.
وكل ما سبق يندرج تحت الشق الاقتصادي للصفقة أما عن الجانب السياسي فتمثله مجموعة القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة في هذا الإطار، بدءًا من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها وصولا لوقف الدعم عن اللاجئين الفلسطينيين عبر وكالة الأونروا. ومن الواضح أن صفقة «جاريد كوشنر» لا تهدف لتمييع القضية الفلسطينية فحسب وإنما تفتيت فلسطين التاريخية بإنشاء سدٍ منيع يحرُم الفلسطينيين حق العودة لوطنهم والعيش في أرض أجدادهم بحدودها الطبيعية.
وهذا ما ساهمت به دولة الإمارات بفتحها الباب أمام الراغبين من الحكومات العربية في التطبيع مع إسرائيل، ليرافقها ثناء بعض من الدبلوماسيين والوزراء العرب.
بالإضافة لتصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش «الإمارات تحركت ضمن الإجماع العربي»!
وحتى وقتٍ قريب كانت الإمارات في ورطة مع الإدارة الأمريكية بسبب إفشالها مهمة السفير الأمريكي في الرياض «جون أبي زيد» من أجل الوصول لمصالحة خليجية تعزز من إمكانية مواجهة إيران بعد توسع نفوذها في عواصم عربية عدة.
ولتخرج من ورطتها ذهبت لعقد اتفاقا مع إسرائيل إرضاءً لرغبات الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» وبذات الوقت منحه خدمة انتخابية قبل ثمانين يوما على الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وعلى أي حال هذا لا يجيز لدولة الإمارات ولغيرها من الدول استغلال الانقسام السياسي العربي في تقديم ملف على حساب ملفاتٍ أخرى؛ مع الإقرار بخطر إيران على الأمن القومي العربي، وتوسعها وتمكينها للشيعة السياسية في أربع عواصم عربية أصيلة. ولكن إسرائيل ليست أقل خطورة حتى نغض النظر عن احتلالها لأراضً عربية موثقة بقرارات أممية.
ثم من أعطى الإمارات حق التصرف في حقوق الشعب الفلسطيني، بعد صموده لعقودٍ من الزمن تخللها عدة انتفاضات في مواجهة العنجهية الإسرائيلية والثلاثة وأربعين فيتو أمريكيا، والتي ساهمت في عرقلة الوصول لأبسط حقوق الفلسطينيين.

قضية الضم ستبقى على الطاولة

تصريحات نتنياهو لا توحي أن ما يتناقله الإعلام والدبلوماسية الإماراتية وحتى المشجعة لها في اتفاق أبو ظبي- تل أبيب، أنه سيتخلى عن الاستيطان وهذا ما صرح به قائلا: أن قضية الضم ستبقى على الطاولة وبأنها لا تزال على جدول الأعمال، مؤكدا «أنا من جلبت قضية الضم على الطاولة، وملزم القيام بها بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية فقط».
وهنا السؤال الأهم؛ ما الذي يدفع الإمارات لعقد اتفاق إن لم تستطع أن تحقق شيئا للفلسطينيين ولحفظ ماء وجهها أمام الشعوب الرافضة والمنددة به.
هل تريد إغلاق الباب أمام مدعو المقاومة والممانعة وتقول لهم إننا العرب أحق بالقضية الفلسطينية منكم ونحن بدبلوماسيتنا وحنكتنا السياسية نحقق ما عجزتم عنه خلال أربعة عقود من إطلاق الشعارات الرنانة، والتهديدات الخجولة؟
وهذا ما يقودنا للاعتراف بأن بقاء صراع المحاور حتى أمدٍ بعيد سيساهم في زيادة معاناة الشعوب العربية القابعة تحت مظلة الاستبداد والفساد السياسي والاقتصادي.
وبالتالي ستُهدر ملايين الدولارات للتحالف مع قوى عظمى للاستقواء بهم عند الحاجة على حساب تنمية شعوب المنطقة وإهدار فرصة اللحاق بركب التطور المتصاعد في قطاعات التعليم والتكنولوجيا والصحة… إلخ.
كان حريا برئيس دولة الإمارات «محمد بن زايد» أن يدعم مراكز بحوثٍ علمية لإنتاج لقاح لوباء كورونا بعد أن تجاوز عدد إصابات كوفيد-19على العشرين مليونا، وبذلك يعيد ثقة المجتمعات العالمية في العرب وتغيير الصورة الراسخة أننا شعب كسول مستهلك لا ينتج.
في الحقيقة توقعت أن أستيقظ في اليوم التالي لإعلان الاتفاق على صوت الشعوب العربية في ساحاتها الكبرى منددةً بالاتفاق تنادي بإسقاط محمد بن زايد وكل من تخول له نفسه في إهدار كرامة العرب ونسف تضحياتهم ودماء شهدائهم التي تجاوزت الـ 100 ألف شهيد منذ عام النكبة حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. كما أن التاريخ سيذكر مطولا خيانة الثلاثي الإماراتي بن زايد- يوسف العتيبي- أنور قرقاش، لفلسطين والعرب.
وأختتم بمقطع للشاعر الثوري محمود درويش (ديوان محمود درويش، ص 109).
وطني! يا أيها النسرُ الذي يغمد منقار اللهبْ في عيوني
أين تاريخ العرب؟
كلّ ما أملكه في حضرة الموت:
جبين وغضب.
وأنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرهْ
وجبيني منزلاً للقبَّرهْ
وطني، إنّا ولدنا وكبرنا بجراحك
وأكلنا شجر البلوط.. كي نشهد ميلاد صباحك.

كاتب سوري وباحث في الشؤون الدولية

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية