إسرائيل أدمنت على الانتخابات وفي كل مرة تسفر عن جيل من المتطرفين آخرهم فصيل الكاهانيين وراعيهم نتنياهو

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

أسفرت تتائج الانتخابات الإسرائيلية التي عقدت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر عن عودة ثانية لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو الذي تلاحقه اتهامات الفساد.
وكانت تهنئة يائير لابيد، رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال، والمصنف على تيار الوسط بمثابة إقرار أن نتنياهو وأحزاب اليمين الديني المتطرف في طريقه لتشكيل حكومة أغلبية. ستواصل سياسات الليكود المتطرفة، وسيعود نتنياهو الذي يعد الأطول حكما من بين رؤساء وزراء إسرائيل لموضوعاته المفضلة وعلى رأسها الاستيطان وإيران، إضافة إلى رفع اليمين الصهيوني مطالب ترحيل الفلسطينيين في داخل إسرائيل لعدم «ولائهم» للدولة. ووصفت نتائج الانتخابات بأنها تحول إسرائيلي نحو اليمين، مع أن التحول هذا جار وتحت رعاية وإشراف نتنياهو الذي اعتمد في معظم حياته السياسية عليه من التلويح له بالمكاسب، وخاصة المستوطنين الذين مناهم بالأماني وعمل على إخراج أحزابهم المتطرفة من هوامشها وأدخلها التيار الرئيسي، وليس غريبا أن يطالب زعيم القوة اليهودية، إيتمار بن غفير بحقيبة الأمن ليواصل قمع الفلسطينيين. وبن غفير والكل يعرفه شجع طوال الأشهر والأسابيع التي سبقت الانتخابات اقتحامات المستوطنين المسجد الأقصى وإغلاق الطرق الرئيسية المؤدية لمدن الضفة الغربية، كما في استفزازاتهم لأهل بلدة حوارة القريبة من مدينة نابلس وتعقيد حياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يتنقلون بين مدن الضفة. ويبدو أن ورقة الأمن كما يتصورها المستوطنون باتت الورقة التي تؤثر على جولات الانتخابية، وهذه الخامسة من عامين تقريبا، فشلت الأطراف المشاركة فيها بالتوصل إلى تحالفات غالبية، بسبب النظام الانتخابي الذي يمنع حصول حزب على معظم مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعدا. وبات بن غفير، بمقاعده الـ14 القوة المهمة في تشكيل الحكومة وثالث قوة سياسية إسرائيلية.

لا تهديد عليهم

ورأت «واشنطن بوست» (3/11/2022) أن الإسرائيليين مالوا نحو اليمين وتناسوا قوة الدولة عما كانت عليه قبل 74 عاما، والوضع الاقتصادي المتقدم عن بقية دول المنطقة، حيث يبلغ معدل دخل الفرد 51.000 دولار في السنة، بشكل يجعل إسرائيل في المرتبة 25 عالميا، حسب أرقام البنك الدولي. كما أن علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب تحسنت ودخلت عدة دول عربية اتفاقيات تطبيع، وحتى التي لم تطبع منها تتعامل وكأنها مطبعة، فحتى حزب الله الذي يرفع شعار المقاومة ومحورها في المنطقة ويهيمن على السياسة في لبنان دعم اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع إسرائيل تتعلق بالتنقيب عن الغاز. ونسي الناخب الإسرائيلي كل هذه المميزات واختار نتنياهو وزمرته من اليمين المتطرف. ففي الماضي كان الزعيم الإسرائيلي الذي يوصف بالساحر يقيم تحالفات مع الأحزاب الدينية والمتطرفة ثم يتراجع بعد تمكنه من السلطة، لكنه هذه المرة لن يقوم بهذا، فهو يريد هذه الأحزاب أن تصوت لصالح قرار ينهي الملاحقة القانونية في قضايا الرشوة والفساد. وفي الحقيقة كانت الانتخابات الإسرائيلية كلها عن صلاحية نتنياهو للحكم في ظل الملاحقة القانونية أم لا.

معضلة لبايدن؟

ومع ذلك تضع النتائج حلفاء إسرائيل أمام معضلة للتعامل مع التشكيلة الجديدة في إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة. ولاحظت صحيفة «نيويورك تايمز» (3/11/2022) أن إدارة جو بايدن، ستواجه معضلة في التعامل مع نتيناهو، نظرا لتاريخ معاداته للإدارات الديمقراطية وعلاقة العداء المستحكمة بين باراك أوباما ونتنياهو بسبب الاتفافية النووية مع إيران، ومعارضته لها وخطابه الذي ألقاه في عام 2015 محرضا المشرعين على رئيسهم. وظل نتنياهو ملتزما بدعم دونالد ترامب حتى اضطر للتسليم بنتائج الانتخابات الأمريكية 2020 وعاقبه بايدن على تردده بتأخير اتصاله به لعدة أسابيع، وهاجمه ترامب واتهمه بالخيانة. ومن المعروف أن نتنياهو لم يواجه ضغوطا من إدارة ترامب بل ومنحه الرئيس السابق الهدية تلو الأخرى بدون مقابل. وتشير الصحيفة إلى أن علاقة بايدن ظلت لطيفة مع نتنياهو، وتعود لأربعة عقود عندما كان بايدن رئيسا للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ونتنياهو دبلوماسيا في سفارة إسرائيل بواشنطن. ورغم اعتراف بايدن بحبه لإسرائيل، وتصريحه الأخير بأنه «لو لم توجد إسرائيل لأوجدناها» إلا أن العلاقة مع نتنياهو لم تخل من توترات، مثل الاستيطان في القدس الشرقية الذي أعلن عنه وبايدن في إسرائيل عام 2010 وانتقاده لدور نتنياهو في عملية الألعاب الأولمبية السرية ضد المشروع النووي الإيراني.
والفرق هو أن الكثير تغير منذ خروج نتنياهو من الحكومة قبل عام، وستواجه الحكومة الكثير من الاشكاليات في علاقاتها مع واشنطن، وأهمها الحرب في أوكرانيا، فقد تذرعت إسرائيل بأنها لم تشجب الحرب هناك بسبب مخاوفها من توتير العلاقة مع فلاديمير بوتين الذي يحمل مفتاح غاراتها في سوريا، ولمخاوفها على اليهود الروس. كما أن إدارة بايدن بدأت منذ عام محاولات لإحياء المفاوضات النووية مع إيران.
ولم يتحقق شيء، وأكد مسؤولون أمريكيون لموقع «أكسيوس» (31/10م2022) أنه لا توجد امكانية للعودة للملف النووي، نظرا لانشغال إيران بالاحتجاجات التي ضربت البلاد منذ أيلول/سبتمبر. ويشعر الصقور في أمريكا أن لحظة التخلص من نظام الملالي قد حانت بسبب عدم قدرته على وقف زخم التظاهرات التي انتشرت من المدن الكبرى إلى الأقاليم ومناطق الأكراد، ذلك أن مهسا أميني التي أشعلت وفاتها التظاهرات هي كردية جاءت إلى طهران في زيارة. يضاف إلى هذا هناك دعوات لعدم منح النظام الإيراني شريان حياة بالعودة للمفاوضات، وخاصة بعد مساعدة الإيرانيين الروس وتزويدهم بصواريخ باليستية من جيل ذو الفقار ومسيرات انتحارية «شاهد 136» التي أحدثت أضرارا بالبنى التحتية، وهو ما دعا إليه المعلق في «واشنطن بوست»(2/11/2022) ديفيد إغناطيوس حيث قال إن الدماء تسفك في شوارع طهران وليس من الحكمة دعم النظام القمعي لقمع حركة تريد الحرية. ورأى معلقون من منظمة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن والتي تقوم بالضغط على الحكومتين في إسرائيل والولايات المتحدة لاتخاذ خطوات أكثر شدة، وجاء بمقال بمجلة «فورين بوليسي» لجون هاردل فيها إن إيران بدعمها لروسيا باتت في حالة حرب مع أوكرانيا، وبالضرورة مع الحلفاء الذين يدعمونها.
وربما وجد نتنياهو في الوضع الجديد مساحة للمناورة، فمن جهة جاءت تحركات موسكو ضد الوكالة اليهودية في روسيا وتهديدات مسؤول الأمن القومي الروسي والرئيس السابق ديمتري ميدفيدف، الذي هدد إسرائيل ضد أي عمل «متهور» وتقديم الدعم العسكري ضد إيران، مبررا لتغيير الموقف الإسرائيلي من الحرب.

ملامح تغيير موقف

وهناك ملامح تغير ذكره موقع «بلومبيرغ» (4/11/2022) حيث تحدث فيه عن تحول في الموقف الإسرائيلي وإمكانية تزويد أوكرانيا بأنظمة إنذار مبكر ضد الصواريخ الروسية ومساعدات أخرى غير الإنسانية، ولو حدث هذا فلن يجد بايدن مبررا لفتح مواجهة مع نتنياهو، رغم أن هذا الأخير دعا الرئيس الأمريكي عندما قابله أثناء زيارته لإسرائيل تموز/يوليو إلى عمل متشدد ضد إيران غير العقوبات الاقتصادية. وربما تغير كل هذا لو فاز الجمهوريون بالانتخابات النصفية في الأسبوع المقبل، وعندها قد يعود نتنياهو إلى قاعدته الطبيعية ودوره باستخدام الانقسام السياسي الأمريكي والضغط باتجاه ضرب المشروع النووي الإيراني واستمرار حرب الظل داخل إيران، بما تشمل عليه من تخريب. ومهما حصل فعودة اليمين المتطرف وعلى رأسه نتنياهو يظل كابوسا لإدارة بايدن، خاصة أنها ستضطر للتعامل مع شخصيات مثل غفير الذي ترتبط جذوره الأيديولوجية بمائير كاهانا، مؤسسة حركة كاخ المناهضة للعرب، وظلت تعتبرها الخارجية الأمريكية حركة إرهابية، حتى بداية العام الحالي. وظلت صورة منفذ مذبحة الحرم الإبراهيمي، باروخ غولدشتاين على جدار غرفة المعيشة في بيته حتى دخوله السياسة، ومن هنا فقد تجد إدارة بايدن نفسها أمام معضلة للتعامل معه، ومقاطعته إلى جانب المتطرف الآخر وبتسلئيل سموتريتش الفائز هو الآخر في الانتخابات، كما رأت «واشنطن بوست».

تغيير في حرس السجن

ولكن ما الذي يجعل من انتخابات إسرائيل الخامسة مختلفة، فنفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق جاء من اليمين المتشدد واعتمد في ائتلافه المفكك على الأحزاب الدينية إلى جانب أحزاب الوسط وحزب إسلامي عربي صغير. والجواب، هو أن انتخابات إسرائيل الأخيرة مخيفة وكابوسية لأنها تمثل تهديدا على «ديمقراطية» إسرائيل كما رأت صحيفة «الغارديان» (2/11/2022) في افتتاحيتها وأن النتائج خطيرة لكونها تحد للضوابط القانونية ومعايير الضبط على عمل الحكومة أو المؤسسة التنفيذية. وقد تكون نقطة تحول في ديمقراطية إسرائيل، وخاصة القضاء وبتداعيات قاتمة. وتشترك الصهيونية الدينية والليكود بمصلحة رئيسية وهي كبح قوة المحكمة العليا والضمانات الديمقراطية الأخرى مثل سلطة النائب العام واستقلاله. ويريد نتنياهو أن تختفي مشاكله القانونية. وسيؤدي السماح للمشرعين باختيار قضاة المحكمة العليا وتجاوز القضاء بطريقة يتم من خلالها تمرير قوانين غير دستورية تفتح المجال أمام أجندة جديدة للاستيلاء على الأراضي وتغيير قواعد الاشتباك للجنود وفتح المجال أمام انتهاكات جديدة. وبحكومة يمين فوق متطرفة متجانسة فمن السهل على نتيناهو السيطرة عليها، وبالتالي الدوس على القضاء والفلسطينيين أيضا، ولهذا وصف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الانتخابات بأنها مثل الاختيار بين الكولا والبيبسي. ورأت الكاتبة يارا هواري في «الغارديان» (3/11/2022) أن الحكومة الجديدة لن تكون إلا مجرد تغيير لحرس السجن. وقالت إن الانتخابات الإسرائيلية لم تحظ باهتمام الفلسطينيين ولم تكن جزءا من المناقشات اليومية، حيث يواصلون المقاومة والكفاح من أجل بقائهم على أرض تتقلص مساحتها باستمرار.
وترى أنه بالنسبة للفلسطينيين فإن الأمر يتعلق ببساطة بتغيير حراس السجن، حيث ترى أنه مهما اختلفت جميع الأطراف الإسرائيلية، فإن دعم القمع المستمر للفلسطينيين واستعمار فلسطين هو سمة توحدهم. مشيرة إلى بن غفير يعيش في كريات أربع قرب الخليل، وهي مستوطنة يسكن بها متطرفون، وكمحام عمل بن غفير للدفاع عنهم. ولا يعدو دخول بن غفير والأحزاب الصهيونية المعترك السياسي وبفضل نتنياهو سوى كونه تطبيعا لهم والسيطرة إسرائيل شبه الكاملة على الضفة الغربية. ولا يختلف ما يعرف بالوسط عن المتطرفين، فلابيد أخبر مجلة «تايم» عام 2013 «تعرف أن والدي لم يأت من هذا الحي اليهودي ليعيش في حي نصفه عربي وآخر يهودي، لقد جاء ليعيش في دولة يهودية». وتضيف هواري إنه بالنسبة للفلسطينيين فقد «كشفت أكثر من سبعة عقود من القهر والسرقة واستعمار الأراضي أن الحكومة، يسارا كانت أو يمينا، لا تحدث أي فرق على مستقبلهم، ذلك أن النظام الإسرائيلي قائم بشكل أساسي على قمعهم. لهذا السبب في نهاية المطاف، لا يريد الفلسطينيون حراس سجن مختلفين. يريدون التحرر من السجن».
لكن الفصيل الإسرائيلي الفائز في الانتخابات الأخيرة يختلف عن اليمين المتطرف الأوروبي بكونه لا يريد مهاجرين بل ولانه كما قال محرر صحيفة «هآرتس» ديفيد روزنبرغ يريد ترحيل الأشخاص المولودين في الأراضي الخاضعة للإدارة الإسرائيلية، أي العرب. ومن هنا لم يهتم الفلسطينيون من حملة الجواز الإسرائيلي بالانتخابات لأن حياتهم لم تتغير، وتعودوا على وعود الساسة الإسرائيليين التي تتبخر بعد وصولهم إلى الكنيست. وفهموا أن مشاركتهم في الحكومة عبر حزب إسلامي «راعم» لم تغير من وضعيتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، حسب قانون الدولة القومية. فالنتائج على الفلسطينيين أيا كانوا هي كارثية، شاركوا أم لم يشاركوا، رغم اقتراح بعض المحللين أنهم «رمانة القبان» إلا أن عرب الداخل اختلفوا حول حيوية المشاركة، فبين الشباب هناك خيبة من قادة العرب والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ومن دعم المشاركة يرى أنها محاولة لإسماع الصوت والحفاظ على وجود داخل المؤسسة التشريعية.

جولة أخرى

ويرى المحامي ديفيد غرين في صحيفة «الغارديان» (31/10/2022) أن الامتناع عن التصويت قد تكون له عواقب وخيمة: تمكين ظاهرة الاستعلاء اليهودي الصريح. حتى أن البعض قد يساوي ذلك بقطع أنف المرء غصبا عنه. ومن المحتمل أن يتم تسليم التحالف المعروف بالصهيونية الدينية، وهو تجمع سياسي للكاهانيين الجدد، أدوات السلطة في حكومة يقودها نتنياهو. مقابل دعم إعاقة محاكمة نتنياهو بشأن الفساد والرشوة المستمرة. وعلى العموم تعتبر المقاعد التي حصلت عليها القوائم العربية 13 مقعدا هي النسبة العادية رغم أن بامكان العرب لو وضعوا ثقلهم وتناسبا مع حجمهم السكاني، خمس السكان، الحصول على مقاعد أكثر. إلا أن الحصيلة النهائية التي ستعلن تعتبر «كارثة» على الفلسطينيين كما ترى صحيفة «فايننشال تايمز» (3/11/2022) وتثير مخاطر إذكاء التوترات في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. والسؤال هو إن كان نتنياهو الذي أخرج مارد اليمين فوق المتطرف ورعاه سيكون قادرا على التحكم به حسب الصحيفة. واقترحت الصحيفة أن رفض الإدارة الأمريكية التعامل مع بن غفير وسموتريتش لو حصلا على حقائب وزارية سيؤدي أيضا إلى إحراج الدول العربية التي وافقت في عام 2020 على إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل، خاصة الإمارات. وتقول إنها وقعت اتفاقات مع نتنياهو عندما كان في منصبه. وفي النهاية فهذه ليست نهاية اللعبة بالنسبة للناخب الإسرائيلي الذي شارك في خمس جولات انتخابية بدون حكومة مستقرة. ومن غير المتوقع أن يقدم نتنياهو الاستقرار المطلوب، فهناك احتمال دعوته لسادسة من أجل قصقصة أجنحة حلفائه أو الوحش الذي أيقظه، كما تقول مجلة «إيكونوميست» (2/11/2022).

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية