أكتب مقالي هذا قبل نشر نتائج الانتخابات الإسرائيلية الرسمية؛ فالصورة العامة التي كشفت عنها صناديق الاقتراع واضحة وهي تؤكّد أننا سنواجه في الحقبة القريبة المقبلة اكتمال تشكيل نمط حكم سياسي جديد مختلف عمّا واجهناه منذ إقامة دولة إسرائيل وحتى أيام الحكومة السابقة.
أعرف أن الكثيرين من أبناء مجتمعي العربي سيعترضون على هذا التوصيف، لأنهم يساوون بين سياسات الحكومات الإسرائيلية السابقة، منذ عهد دافيد بن غوريون حتى عهد حكومة يئير لبيد، تجاه المواطنين العرب وما ستفعله حكومة نتنياهو سموطريتش بن غفير وحلفائهم من الأحزاب الصهيونية والمتدينة. لقد عاملت جميع حكومات إسرائيل المتعاقبة مواطني الدولة العرب بعنصرية ممنهجة سافرة، وأحيانا بقمع دموي أسقط، في بعض محطات المواجهة الساخنة، الضحايا العرب مثل ما حصل في مواجهات يوم الأرض عام 1976 ومواجهات أكتوبر عام 2000 وفي حالات اعتداء فردية كثيرة.
من الصعب طبعا إقناع العديدين من شرائح المجتمع العربي بوجود فوارق خطيرة بين نظام الحكم العنصري الذي أقرت «ديمقراطية» قادته العرجاء، بعد فشلهم بتهجير آبائنا إبان النكبة، بضرورة معاملة المواطنين العرب بمساواة منقوصة، في حين كانوا يمارسون ضدنا سياساتهم العنصرية بشتى الأساليب والذرائع، ونظام «كامل الفاشية» سوف يتعاطى ويتصرف معنا حتما وفق مفاهيم تقضي بضرورة تلقيننا، نحن المخربين، حسب قاموسهم، خلاصات قناعاتهم، «القومودينية»، ومفادها انهم «أصحاب هذا البيت وسادة هذه الأرض»، ولن يقبلوا معهم في هذه المساحة شريكا ولا نزيلا. لقد أخفق جميع قادة الأحزاب العربية، ومؤسساتنا القيادية الأساسية، اللجنة العليا لمتابعة شؤون المواطنين العرب، واللجنة القطرية للرؤساء، ومعهما معظم مؤسسات المجتمع المدني، بتذويب الفوارق بين الحالتين وبتعبئة المواطنين وبتنظيمهم استعدادا لمواجهة لحظة الحسم، وذلك كما تجلّت مواقف الجميع إزاءها قبل وخلال المعركة الانتخابية. لقد آثرت أن أكتب مجددا عن مخاطر ما أفضت إليه نتائج الانتخابات، وأبتعد متعمّدا، على الأقل في هذه المرحلة، عن معالجة تداعياتها وتحليل نتائجها المقلقة؛ فكثيرون سيشرعون باستلال أقلامهم وإغراقنا بهذه التحاليل ولا حاجة لمزيد، ولقناعتي بعدم وجود جدوى من أي انتقاد لأصحاب المواقف وكيف مارسوها قبل وفي يوم الانتخابات، ولأن ما يهمني اليوم هو كيف سنواجه ما ستفضي اليه هذه النتيجة في اليوم التالي لإقامة حكومة نتنياهو المتوقعة. قد يراهن البعض على أن الحكومة المقبلة، مهما كانت يمينية قومية متدينة ومتطرفة، لن تجرؤ على القيام بما لم تجرؤ عليه سابقاتها. لا أعرف من أين يجيء هؤلاء بهذه القناعة، خاصة بعد أن سمعنا وعود عشرات النواب، من معظم أحزاب الإئتلاف المرتقب، لناخبيهم وتعهداتهم بتطبيق مواقفهم الفاشية تجاه الفلسطينيين بشكل عام وتجاهنا، نحن المواطنين العرب، على وجه التحديد؛ وسمعناهم أيضا يجاهرون بمخططاتهم لاستكمال عناصر إحكام سلطتهم على جميع مرافق الدولة، وتمكينهم كحكومة ووزراء، من تجسيد عقائدهم «القومودينية» لتأكيد فوقية الشعب اليهودي وتسيّده على أرض إسرائيل ومن يسكنها من الأغيار، من دون منازع وكما وعدهم ربّهم.
الأمل مهما دثّرناه بالعواطف الصادقة، لن يكفي لصد قطعان الفاشيين الذين تتأهب كتائبهم لاختلاق الذريعة والانقضاض على مواقعنا
سيكون «قانون القومية» مجرد متكأ لما يخططون له، فمنه سينطلقون للاستيلاء الكامل على المحكمة العليا الإسرائيلية، وذلك من خلال تغيير قانون انتخاب قضاتها وتفويض الحكومة بتعيينهم، أو على الأقل، بضمان أكثرية حكومية في لجنة التعيينات؛ كما سيبادرون مباشرة إلى سن قانون يخول الكنيست سلطة إلغاء قرارات المحكمة العليا، عندما تتدخل هذه المحكمة وتلغي قانونا لا يتماشى مع مبادئ الديمقراطية والمساواة وغيرها. هكذا صرّح قبل يومين، عضو الكنيست عن الليكود ميكي زوهر، عندما سئل عن نشاطه الأول في الحكومة المقبلة، وأضاف أنهم سيشرّعون في اليوم الأول قانونا «يحظر على العرب في إسرائيل رفع العلم الفلسطيني، وسحب جنسية كل مواطن يرفعه». لن يكفي مقال لجرد قائمة ما ينوون تنفيذه بعد استلام الحكومة؛ فالنائبة ميري ريغف مثلا، ستبدأ بتنظيف الوزارات من طبقة الموظفين المهنيين، التكنوقراط، لأن هؤلاء الموظفين يعرقلون تنفيذ قرارات الحكومة في أحيان كثيرة، ويتوجب التخلص منهم. بينما أعلن سموطريتش أنه إذا أصبح وزيرا للجيش فسيدفع بوحداته النظامية إلى شوارع المدن المختلطة لتضمن تلك القوات إحقاق النظام والأمن هناك. وفي المقابل صرح زميله في القائمة إيتمار بن غفير الذي يطالب بحقيبة الأمن الداخلي، على أنه سيبدأ مباشرة بتغيير تعليمات إطلاق النار «فلن تلقى، بعد اليوم، الحجارة والصخور على عناصر الشرطة دون أن نأذن لهم بإطلاق النار. سنمنح حصانة شخصية لكل شرطي، وفي كل حدث وحادث يحصل على خلفية قومية ستمنح الجنود وللشرطة حرية العمل». لن أسهب حول كيف يفكر هؤلاء تجاه العرب/المخربين وممثليهم في الكنيست ففكرة تهجيرنا/ الترانسفير لم تعد مجرد هواجس صهيونية كما كانت في السنوات الخوالي، بل أصبحت خطة ناجزة تنتظر فرصة مؤاتية لتنفيذها في ظل الحكومة المقبلة.
من الواضح أن عناصر النظام المقبل تعمل على تطوير منظومة أدوات متكاملة لإدارة الحكم ولتثبيته وفقا لمفاهيمها ولأهدافها، ولملاحقة جميع «اعداء الدولة والنظام» ومعاقبتهم، بدءا من عامة الناس، مرورا بطلاب الجامعات والموظفين، وحتى الأطباء والمحامين والمحاضرين في الجامعات. فهناك من سيراقب سلوك الجميع اليومي ونشاطاتهم المرئية والفيسبوكية وغيرها؛ وما مارسته حكومات نتنياهو سابقا سيظهر كتدريبات تمهيدية على ملاحقات عرقية ستطال جميع شرائح مجتمعنا من دون تمييز وحساب. نقلت مواقع الأخبار قبل أيام معدودة عن رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست النائب عن حزب يش عتيد، بن براك تصريحا مفاده إنه على قناعة «أن عودة رئيس المعارضة (يقصد نتنياهو) للسلطة مع حزب «الصهيونية المتدينة» ستكون بداية النهاية فهذا تحالف خطير» ؛ وبعد تأكيده على وجود الاختلاف والفارق بين الحالتين، أضاف مؤكدا أن «هتلر اعتلى سدة الحكم بصورة ديمقراطية، فبناء الديمقراطية يتم خلال سنوات ولكن من السهل هدمها». ورغم تأكيده على وجود اختلاف، فقد أثارت أقواله عاصفة داخل إسرائيل على جميع الصعد. ألنا في هذا التصريح عبرة؟
يؤسفني أن الصراعات والملاسنات بين قادة وناشطين داخل الأحزاب العربية ما زالت مستعرة؛ بدل أن يقوموا بمراجعة تبعات الهزيمة التي تحققت، وهي هزيمة حتى لو اعتبرها البعض نصرا، وإعلامنا ماذا سيفعل كل «تيار» منهم في مواجهة خطر الفاشية الداهمة. فأنا لا أعتقد، كما كتبت في الماضي، أنهم يملكون رؤية واضحة من الممكن تحويلها إلى خطة عمل مؤثرة وناجعة وتتعدى شعاراتهم الهوياتية الحزبية وحسب. أعرف أن زرع الأمل في نفوس الناس هو المقدمة الأولى لصمودهم ولثباتهم، وأنا طبعا أوافق على ذلك؛ بيد أن الأمل مهما دثّرناه بالعواطف الصادقة، لن يكفي لصد قطعان الفاشيين الذين تتأهب كتائبهم لاختلاق الذريعة والانقضاض على مواقعنا. قد تكون المدن المختلطة، كما صرّحوا، هي أول المعاقل المهاجمة في المستقبل القريب، وإذا حصل ذلك سيتصدى لهم أهل المدن وسيدافعون عن «البيت والعرض» ببسالة طبعا. ولكن لن يضير القادة إذا تذكروا اليوم ما قاله «لاعب النرد» وفكّروا بالجنود الذين سيدفعون أرواحهم أثمانا من دون أن يعرفوا من المهزوم ومن انتصر .
كاتب فلسطيني
إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون
يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار