تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي ضغوطا غير معهودة من ممثلي الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتمرير اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة قبل حفل تنصيبه رئيسا للمرة الثانية، ومع أن ذلك يعني النهاية السياسية، وربما الشخصية لنتنياهو إلا أن خيارته المحدودة دفعته للرضوخ ليترك وراءه سفينة مضطربة من الحلفاء اليمينيين، الذين مارسوا شتى أنواع الابتزاز السياسي في السنوات السابقة، من غير أن يكونوا يوما في موقع المسؤولية الكاملة لتمتد أمامهم مائدة الخيارات التي جعلتهم يخدمون مصالحهم إلى أبعد الحدود وبأدنى تكلفة يمكن تحملها.
كيف سيكون شكل إسرائيل بعد نتنياهو، الذي استنفد جميع فرص الهروب من العقاب مقابل اتهامات قانونية تتعلق بالفساد وسوء استخدام السلطة، إلى جانب ما يمكن أن يظهر من ملاحظات قضائية جديدة تفاعلت أثناء فترة الحرب على قطاع غزة؟ وهل يصح أن نربط إسرائيل بشكل عام بنتنياهو لنتساءل عن شكلها ومصيرها بعده؟ نعم السؤال منطقي للغاية، فنتنياهو هو السياسي الإسرائيلي الأكثر حضورا في موقع رئاسة الوزراء لقرابة الثلاثين عاما، حتى إنه يمكن أن تعتبر مرحلته حقبة سياسية منفصلة تخللتها ولايات متفرقة لرؤساء وزراء آخرين لم يستطيعوا الخروج من الأزمات التي كان يتركها نتنياهو وراءه في كل مرة.
يمكن التأريخ لبداية حقبة نتنياهو مع حادثة اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين الذي رآه الكثيرون في إسرائيل متسرعا في عملية السلام، ولديه شهية واسعة للتصدي حتى للمشكلات المعقدة، وكانت استراتيجية نتنياهو تعتمد على الاكتفاء بالقدر الذي تحقق من السلام، خاصة أن إسرائيل تحصلت على اعتراف الأمر الواقع بوجودها، فلم يعد أحد يتحدث عن اجتثاثها أو محوها، لتصبح النبرة السائدة هي الشكوى من تعنتها، وعدم جديتها في تحقيق السلام، وهذه حالة مناسبة لنتنياهو، الذي رأى في أوسلو المفخخة بالقضايا الصعبة والمعقدة ما يكفي من أجل تحقيق مصلحة إسرائيل، وأنه يمكنه التعايش إلى الأبد مع الكفة المختلة على مستوى الحقوق، طالما أنه يجرد الفلسطينيين من جميع أوراقهم، ويجعل السلطة في رام الله مجرد مجلس بلدي كبير يقوم بأدوار وظيفية لمصلحة إسرائيل، والثمن هو الاعتمادية الكبيرة والعميقة على الاقتصاد الإسرائيلي، ومع الوقت، لم تصبح للسلطة غاية واقعية سوى استمرارها، وتلبية متطلبات عناصرها وتسيير حياة الفلسطينيين، التي كانت تمضي بصورة معقولة قبل مجيء السلطة.
لم يثبت السلام بالقوة فعالية في تجارب تاريخية سابقة، ولكنه يكفي مبدئيا في تصورات ترامب، وإسرائيل ستجد نفسها في مقاربة جديدة بين استيعاب المنطقة أو استيعابها في المنطقة
المناورة في الدوائر المفرغة، أو بلغة شعبية، اللف والدوران، مثلتا استراتيجية نتنياهو المفضلة لفترة طويلة، ولكن ترامب القادم من جديد، يرى أن هذه الحالة من السيولة في المنطقة لا تناسبه، فالشرق الأوسط لم يعد بؤرة الصراع بقدر ما يمثل موقعا استراتيجيا لإدارة صراعات أخرى، والشرق الأوسط لا يمكن في هذه الحالة أن يستهلك من وقته وموارده أكثر بكثير من منطقة وسط آسيا، أو حتى البلطيق أو افريقيا، التي تلفظ فرنسا وتبدو فرصة جيدة للأمريكيين الذين اكتشفوا في أنفسهم رغبة في المزيد من الأرض والموارد.
اعتاد نتنياهو على أن يحظى بمعاملة الطفل المدلل من الأمريكيين، وقام بتغذية الإسرائيليين بهذه الفكرة، خاصة بعد تراجع أوراق الضغط العربية، من خلال الخلافات الواضحة التي جعلت واشنطن تفضل التعامل مع الدول العربية بصورة فردية، وتلاحظ قدرتها على تطويع قرارها، وبعد أن بدا ذلك صعبا في مرحلة الستينيات والسبعينيات، وأصبحت إسرائيل نفسها تستطيع الزعم بأن بعض الدول العربية تراها خيارا أفضل من علاقاتها العربية الأخرى. ولكن هذه الحالة لم تعد كافية أو مطمئنة لترامب، فالمنطقة يجب أن تعيش في النموذج الذي يتخيل أنه يخدم أفكاره ومشاريعه ويمنحه ميزة نسبية في مختلف صراعاته، وفي مقدمتها صراعه مع الصين، وفي هذه الرؤية لا مكان لصراعات جانبية أو هامشية والمطلوب هو منطقة هادئة تصلح لتؤدي دور المعبر في العالم.
الجحيم الذي اشتملت عليه تصريحات ترامب احتاج سطرا صغيرا لتصحيحه لدى نتنياهو، لأنه لا يستثني إسرائيل التي لا يحب ترامب أن يراها قضية محرجة، فهي بلد مهم للغاية، وجوهرة التاج الأمريكية، ولكن صفقة غالية جدا ويمكن تخفيض ثمنها، وعلى الطرف الآخر، تقديم شيء للتسويق المحلي من أجل الخروج من الحالة القلقة المتواصلة من الربيع العربي، ويمكن أن نفهم رغبة ترامب التي ظهرت باستلام بعض كلمات السر من الرئيس السابق باراك أوباما العراب لتلك المرحلة، مثل إعادة إنتاج الحكم الإسلامي في نسخة جديدة. لم يثبت السلام بالقوة فعالية في تجارب تاريخية سابقة، ولكنه يكفي مبدئيا في تصورات ترامب، وإسرائيل ستجد نفسها في مقاربة جديدة بين استيعاب المنطقة أو استيعابها في المنطقة، وفي الحالتين لا يبدو نتنياهو واليمين مناسبين لهذه المهمة.
أين البديل؟ سؤال فشلت إسرائيل في إجابته لعقود من الزمن، ولا يبدو أنها تمتلك بديلا جاهزا، وأية خيارات ستحمل مشكلاتها الخاصة في ظل يمين تمرس في الابتزاز السياسي، فهل يمكن أن تتحجج إسرائيل بذلك لشراء الوقت وتوظف أدواتها الأمريكية لتوريط ترامب في التفاصيل، أو استدراجه لحرب كبيرة يضطر من خلالها أن يعيد توزين إسرائيل، ويأخذ بنسختها من السلام بالقوة، حيث المحتوى الأمني هو الأساس، مقابل نسخته حيث الأعمال والتجارة هي الجوهري في الموضوع. الفلسطينيون بدورهم، وللأسف، ليسوا داخل هذه المعادلة، فالرؤية الترامبية تتمدد لوصل طريقه بين إسرائيل وأكثر من بلد عربي محوري في استراتيجيته، ولذلك تبدو خياراتهم محدودة للغاية، وجميعها تحت طائلة تخير الطرف العربي الذي سيدخلون في حصته التمثيلية في منهج اللا منهج الذي يتبعه ترامب، وحصتهم من الخشونة تحت الأدوات القوية التي سيوظفها تتجاوز كثيرا المطرقة السياسية التي وجدها نتنياهو أمامه.
*كاتب أردني
ههه سفاح أطفال ونساء غزة العزة إلى مزبلة التاريخ وبئس المصير بإذن المنتقم الجبار الذي سينتقم لدماء أطفال غزة العزة منهم جميعا شر انتقام ✌️🇵🇸☹️☝️🚀🐒🔥