إسرائيل تصعد المجازر والحصار لتمرير مخطط «نزع سلاح المقاومة»

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»:

يشير التصعيد الحربي الخطير الذي بدأه جيش الاحتلال بعد منتصف الأسبوع الماضي، والتوجه نحو تشديد الحصار الذي يهدد بموت السكان جوعا ومرضا، بسبب قلة الطعام والدواء، أن إسرائيل تريد استخدام سلاح المجازر والطعام للضغط كما كل مرة لتمرير خطتها الخاصة بالتهدئة المقبلة، والتي تقوم على أساس تبادل أسرى فقط، بدون الالتزام بوقف الحرب.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، نفذت قوات الاحتلال سلسلة مجازر دامية طالت كافة مناطق قطاع غزة، وبالأخص مناطق النزوح، إضافة إلى استهداف المنازل المدنية الآمنة، وقتل من فيها من سكان وبينهم النساء والأطفال، وزادت هذه الهجمات دموية، بعد وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يسرائيل كاتس، وكذلك رئيس هيئة أركان الجيش ايال زامير إلى مناطق يحتلها جيش الاحتلال على حدود قطاع غزة الشمالية.
واقترفت قوات الاحتلال سلسلة مجازر وعمليات تدمير وقصف ممنهج، طالت كذلك المشافي، حيث استهدفت بشكل متعمد مبنى الاستقبال والطوارئ في المستشفى المعمداني، لتدمر هذا القسم، ولتلحق أضرارا جسيمة بباقي الأقسام، وتخرج المشفى بالكامل عن الخدمة، ولتتلوه بعد ساعات فقط بقصف استهدف ساحة مشفى شهداء الأقصى في دير البلح، موقعة ضحايا ودمارا في المكان.
ولم تتوقف المجازر عند هذا الحد، فلم تكد تمر سوى ساعات على اقتحام نتنياهو وأركان من حكومته اليمينية لقطاع غزة، حتى تصاعدت وتيرة الهجمات، وارتكبت قوات الاحتلال سلسلة مجازر جديدة أودت بحياة العشرات وجرحت المئات، عندما تركزت الهجمات على المنازل وخيام النزوح و«تكايا» الطعام التي تعمل بالحد الأدنى لسد جوع السكان، في رسالة عملية أرادت خلالها إسرائيل التأكيد على أنها ستستهدف كل مقومات الحياة، وستدفع من لا يموتون بنيران القصف إلى الموت جوعا ومرضا.
ففي مشاهد مؤلمة تناثرت أحشاء وأعضاء ضحايا القصف واستهداف المنازل وخيام النزوح إلى مئات الأمتار، بسبب حجم التدمير الصاروخي، فيما شردت الغارات الجوية والتوغلات البرية أعدادا كبيرة من سكان القطاع، ودفعتهم للإقامة في مناطق مكتظة تخلو من الخدمات، ومستهدفة حربيا في كثير من الأحيان، حيث يقدر عدد الذين نزحوا بعد استئناف الحرب بأكثر من 500 ألف نسمة، بينهم الطفل والمرأة والمسن المريض، وآخرون كثر يعانون من إعاقات دائمة سببتها الحرب المستمرة.

تهديدات جديدة

جاء ذلك على وقع تهديدات الاحتلال بتوسيع رقعة العمليات البرية واحتلال مناطق جديدة في القطاع، وهو أمر لم يخفه كبار المسؤولين في تل أبيب.
ففي أعقاب اقتحام نتنياهو لشمال غزة، نقل مكتبه تصريحا هدد فيه حماس، وقال إنها «ستتلقى المزيد والمزيد من الضربات»، مضيفاً «مصرون على إطلاق سراح الرهائن وتحقيق كل أهداف الحرب»، مشددا على أهمية استمرار الضغط العسكري على حركة حماس.
أما وزير الجيش يسرائيل كاتس، فقد توعد بالتصعيد من أجل تمرير الخطة الإسرائيلية للتهدئة، قائلا إنه كلما أصرت حماس على رفض إطلاق سراح الرهائن، كثفت إسرائيل الضربات، مهددا بأن نشاط الجيش الإسرائيلي «سيتوسع بقوة قريباً ليشمل معظم أنحاء غزة».
ومن قبل كان رئيس الأركان الجنرال إيال زامير، أعلن أنه صدّق على خطط عسكرية هجومية ودفاعية لاستمرار القتال، في الوقت الذي كشف فيه النقاب من قبل إذاعة جيش الاحتلال، نقلا عن مصادر أمنية، قولها إن الجيش يسيطر في هذه الأوقات على 30 في المئة من مساحة قطاع غزة.
تصريحات قائد الأركان جاءت بعد الكشف عن خلافات داخل حكومة نتنياهو، بعد تسريبات نقلت عن زامير، قوله أمام المجلس الأمني الوزاري المصغر «الكابينت» إن احتلال غزة «وهم»، وهو يعارض ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزراء اليمين، وهو ما يدلل على وجود خطط إسرائيلية تهدف إلى ذلك، وقد تدفع بقوة الأمر الجيش لتنفيذ الخطة.
ويدلل على ذلك، ما قاله كاتس، بأنه سيجعل قطاع غزة «أصغر وأكثر عزلة»، حيث كشف عن خطط عسكرية تشمل «تقليص غزة بشكل متزايد، وستصبح أكثر عزلة»، بينما سيُجبر المزيد من سكانها على مغادرة مناطق القتال، وقال إن جيشه سيطر خلال عطلة عيد الفصح اليهودي على «محور موراج» الذي يفصل مدينة رفح عن باقي القطاع، وهو ما يحول مناطق المدينة الواقعة بين هذا المحور و«محور فيلادلفيا»، إلى جزء من الحزام الأمني الإسرائيلي.
وكشف عن خطط لتوسيع المنطقة العازلة في شمال غزة، مع إجبار مئات الآلاف من السكان على مغادرة مناطقهم، وتحويل مساحات كبيرة من القطاع إلى مناطق أمنية خاضعة لسيطرة إسرائيلية، وذلك ضمن إستراتيجية تهدف إلى الضغط على حماس وإجبارها على القبول بصفقة للإفراج عن الأسرى.
وادعى كاتس أن «تصعيد العمليات العسكرية سيستمر ما دامت حماس ترفض شروط إسرائيل».
ولم تكتف إسرائيل عند هذا الحد، بل عاد كاتس وهدد باستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، وكتب في منشور على منصة «أكس» «أي مساعدات إنسانية لن تدخل غزة»، وأضاف «سياسة إسرائيل واضحة، ولن تدخل غزة أي مساعدات إنسانية»، وجاء هذا التصريح بالنفي الإسرائيلي على لسان كاتس، بعدما ذكرت تقارير صحافية، أن كاتس قال إن إسرائيل من المتوقع أن تسمح بنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر شركات مدنية.
وترافقت هذه التهديدات في الوقت الذي يستمر فيه الحصار الإسرائيلي المفروض منذ الثاني من اذار/مارس الماضي، والذي يمنع فيه الاحتلال مرور أي شاحنات تقل مساعدات أو مواد طبية أو وقود، مما يهدد بتوسيع نطاق المجاعة والمرض.

نزع سلاح حماس

جاءت مجمل هذه التهديدات العسكرية واستمرار الحصار على القطاع، بعد جولة تفاوض غير مباشرة، قام بها الوسطاء خلال الأسبوع الماضي، من أجل العودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وبدا أن إسرائيل تتعمد بشكل كبير سياسة الضغط العسكري والحصار والتجويع، من أجل الضغط على حركة حماس وفصائل لقبول مقترحاتها الخاصة بوقف إطلاق النار، وفي مقدمتها البند الخاص بـ«نزع سلاح المقاومة».
وخلال تلك الجولة حيث التقى وفد حماس المفاوض برئاسة خليل الحية وسطاء التهدئة المصريين والقطريين في القاهرة، جرى الكشف عن نقل خطة إسرائيلية جديدة للحركة، من أجل العودة إلى وقف إطلاق النار.
وكشفت تقارير عدة عن نصوص الورقة الإسرائيلية التي قدّمت للوسطاء، ونقلت إلى حركة حماس، وتشمل إفراج حركة حماس، في اليوم الأول، عن الجندي الإسرائيلي الأسير ألكسندر عيدان الذي يحمل الجنسية الأمريكية، كخطوة خاصة تجاه الولايات المتحدة، كما تشمل الورقة الإسرائيلية إطار عمل لوقف إطلاق نار مؤقت لمدة 45 يوماً، يتضمن وقف العمليات العسكرية، ودخول المساعدات الإنسانية، وتبادل الأسرى بين الجانبين.
وتشمل هذه المدة بأن تفرج حركة حماس في اليوم الثاني من الهدنة، عن 5 أسرى أحياء، مقابل الإفراج عن 66 سجيناً محكوماً بالمؤبد، و611 أسيراً من قطاع غزة.
وفي أخطر البنود، فقد احتوت الورقة على مقترح نص بشكل صريح على «نزع السلاح من قطاع غزة»، كما تضع آلية «متفقاً عليها لضمان وصول المساعدات إلى المدنيين فقط»، وتشدّد على أن الإفراج عن الأسرى يجب أن يتمّ من دون «استعراضات أو مراسم علنية»، وأنه في اليوم الثالث من التهدئة، تبدأ مفاوضات «اليوم التالي» المتعلقة بـ«نزع السلاح وإعلان وقف إطلاق نار دائم»، على أن تقوم حماس في اليوم السابع إطلاق سراح 4 أسرى مقابل 54 سجيناً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد و500 معتقل بعد 7 أكتوبر، على أن تقدم الحركة في اليوم العاشر، معلومات عن جميع الأسرى الأحياء المتبقين، مقابل الحصول على معلومات عن أسرى فلسطينيين.
وحسب الورقة، تفرج حماس في اليوم العشرين عن 16 أسيراً متوفيا، مقابل 160 فلسطينياً متوفيا، على أن تتمّ عملية التبادل في وقت واحد، وتؤكد الورقة الإسرائيلية ضرورة استكمال المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار دائم في غضون 45 يوماً، كما تنصّ على إطلاق سراح بقية الأسرى الموجودين في غزة من الأحياء والأموات، بعد الاتفاق.
وتتحدث المقترحات الإسرائيلية، عن إمكانية تمديد وقف إطلاق النار المؤقت، في حال تمّ التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، وبشروط محددة، وتؤكد أيضاً أن الضامنين، مصر وقطر والولايات المتحدة، «سيبذلون جهودهم لضمان استكمال المفاوضات والتوصّل إلى اتفاق نهائي».
ولم تشمل الورقة الإسرائيلية أي بند يتحدث عن إنهاء الحرب بشكل كامل، بل تتحدث عن صفقات تبادل وإدخال مساعدات، في تكريس للعودة إلى المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة، ما يعني أنها تتهرب من باقي الاستحقاقات.
وأكد على ذلك نتنياهو الذي أجرى اتصالات مع عوائل أسرى موجودين في غزة، حيث أبلغهم أن المفاوضات الجارية تركز على الإفراج عن 10 أسرى، مؤكدا رغم الاحتجاجات الكبيرة في إسرائيل على سياسة إدارته للحرب «نحن غير مستعدين لتقديم تنازلات»، وقال «كما التزمتُ سابقًا، سنعمل على إطلاق سراح الجميع، وسنواصل القتال حتى القضاء على حركة حماس». وأشار نتنياهو إلى وجود «حلول لم تخطر على بال أحد»، من دون الكشف عن تفاصيل إضافية.

موقف المقاومة

ورغم صدمة حماس من المقترحات المقدمة، خاصة تلك التي تتحدث عن نزع سلاحها، إلا أنها أعلنت عن دراسة الورقة بـ «مسؤولية وطنية عالية»، وجددت في ذات الوقت موقفها الثابت بضرورة أن يحقّق أي اتفاقٍ قادم، وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال من قطاع غزة، والتوصل إلى صفقة تبادل حقيقية، وبدء مسار جاد لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال، ورفع الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وبعد دراسة استمرت لأيام، خرج رئيس وفد الحركة المفاوض خليل الحية في تصريح متلفز، أعلن فيه استعداد حركته للبدء الفوري بمفاوضات الرزمة الشاملة، وأنها لن تكون جزءا من اتفاق جزئي.
وأكد أن مفاوضات الرزمة الشاملة التي أبدت الحركة استعدادها للبدء فيها تعني إطلاقُ سراح جميع الأسرى لدى المقاومة، وعدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مقابل الوقف التام للحرب، والانسحاب الكامل من القطاع، مع بدء الإعمار وإنهاء الحصار.
الحية في تصريحه المتلفز أعلن عن رفض مقترحات إسرائيل التي لا تشمل وقفا كاملا للحرب، وقال إن حماس لن تكون جزءا من تمرير سياسة نتنياهو وحكومته التي يريد فيها اتفاقات جزئية يستعملها غطاء لأجندته السياسية القائمة على استمرار «حرب الإبادة والتجويع»، حتى لو كان الثمنُ التضحيةَ بأسراهُ جميعاً.
وبخصوص موضوع سلاح المقاومة، قال «المقاومةَ وسلاحَها مرتبطٌان بوجود الاحتلال، وهي حقٌ طبيعي لشعبنا وكل الشعوب الواقعة تحتَ الاحتلال»، وكان بذلك يشير إلى رفض فكرة نزع سلاح حماس، قبل انهاء الاحتلال.
كذلك أشار إلى أن قيادة حركة حماس وفصائل المقاومة حرصوا على وقف العدوان و«حرب الإبادة» على قطاع غزة، وعملوا على مدى أكثرَ من عام ونصف من المفاوضات المُضنية لتحقيق هذا الهدف حتى وصلوا لاتفاق 17 يناير بمراحله الثلاث، لكنه أكد أن نتنياهو وحكومتَه انقلبا على الاتفاق قُبيلَ استكمال المرحلة الأولى منه، واستأنف ارتكابَ أبشع الجرائم وأصناف الإبادة الجماعية، عبر القتل والهدم والتجويع.
وعن آخر جولة تفاوض، كشف أن الوسطاء عادوا للتواصل مع حماس لإيجاد مخرجٍ من الأزمة التي افتعلها نتنياهو وحكومتُه، وقال «وافقنا على مقترحهم نهايةَ شهر رمضان، رغم قناعتنا بأنّ نتنياهو يصر على استمرار الحرب والعدوان لحماية مستقبله السياسي، الأمر الذي تأكد بعدما رفض نتنياهو مقترحَ الوسطاء الذي وافقنا عليه»، مؤكدا أن نتنياهو رد على مقترح الوسطاء بمقترح يحمل شروطاً تعجيزية، ولا يؤدي لوقف الحرب أو الانسحاب من قطاع غزة.
وخلال تصريحاته أعلن عن ترحيب حماس بموقف آدم بولر المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإنهاء ملف الأسرى والحرب معاً، والذي يتقاطعُ مع موقف الحركة بالاستعداد للتوصل لاتفاقية شاملة حول تبادل الأسرى رزمة واحدة، مقابلَ وقف الحرب وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة وإعادة الإعمار، وقد طالب الحية المجتمع الدولي بالتدخل الفوري وممارسة الضغوط اللازمة لإنهاء الحصار الظالم على القطاع.
وفي السياق، أعلنت لجان المقاومة الشعبية أحد فصائل المقاومة في غزة، أن المقاومة الفلسطينية «منفتحة على أي مقترح ينهي الحرب الإجرامية والإبادة التي يشنها الكيان على شعبنا، بما فيها انسحاب العدو الصهيوني من قطاع غزة وإعادة الإعمار وإدخال المساعدات وإغاثة أهلنا بدون قيد أو شرط»، وشددت على أن طرح الاحتلال بند سلاح المقاومة في مقترح الهدنة يهدف إلى «تعطيل المفاوضات وإفشالها»، وقالت إنه «يثبت أن العدو ليست لديه رغبة في التوصل لأي اتفاق يفضي إلى استعادة أسراه، ووقف الحرب والعدوان والمجازر اليومية التي يرتكبها بحق النساء والأطفال وكل مكونات شعبنا»، وشددت على أن «سلاح المقاومة هو حق أساسي لشعبنا وغير قابل للنقاش وهو مرتبط بإنهاء الاحتلال الصهيوني وتحرير أرضنا ومقدساتنا وتحقيق أهداف شعبنا بالعودة والتحرير»، وأضافت «سنُفشل أوهام العدو الصهيوني وحليفه الأمريكي التي يحاول فرضها على شعبنا بالحديد والنار وسفك الدماء».
وقد أكد على هذا الأمر أكثر من قيادي في حركة حماس، فنقل عن ممثل الحركة في طهران خالد القدومي قوله «️إن أي مقترح لوقف إطلاق النار لا يأخذ في الاعتبار مصالح شعبنا، لن يكون قابلا للتنفيذ»، وأكد رفض أي اتفاق لا يوقف العدوان بشكل كامل، ولا يضمن انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، ولا يحقق صفقة تبادل جادة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية