توجهت تعزيزات تابعة للفرقة 25 مهام خاصة إلى تدمر لتنطلق منها حملة تمشيط البادية، وقام الطيران الجوي الروسي وطيران النظام بضرب أهداف تتبع لتنظيم «الدولة الإسلامية».
في حادثة مؤكدة، تدخلت الدفاعات الجوية الروسية في قاعدة حميميم لصد الهجوم الإسرائيلي على مواقع عسكرية تتبع لإيران بالقرب من مدينة جبلة على الساحل السوري فجر الخميس، حيث استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي مستودعا يتبع إلى حزب الله اللبناني حسب ما أفاد مصدر محلي في ريف جبلة لـ«القدس العربي». وأضاف المصدر أن المستودع المستهدف أساسا كان لجمعية البستان الإنسانية، ولاحقا أخذت إيران جزءا منه، ويقع المستودع في المحيط القريب من مطار حميميم الحربي الذي يعتبر القاعدة الروسية الأهم في سوريا. ومن المعروف أن جمعية البستان أسسها رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد واستولى عليها النظام وأصبحت تابعة لأسماء الأسد بشكل مباشر.
الاستهداف القريب ومحاولة إسرائيل قصف مستودع آخر في المنطقة ومستودع المواد الإنسانية التي نقلتها إيران قبل ساعات إلى المطار هو ما جعل الدفاعات الجوية تتدخل لصد الهجوم، فمسألة عدم التدخل غير ممكنة كون الرادارات الروسية تقرأ الهدف المتحرك باعتباره هجوما عليها حتى لو أبلغت إسرائيل القاعدة الروسية بالهجوم قبل دقائق حسب بروتوكول منع الاشتباك المتفق عليه بين الجانبين.
من جهتها، ردت القوات الجوية الروسية بتسيير قاذفة جوية على الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا وحلقت الطائرة فوق نقاط المراقبة الروسية التي كانت قد ثبتتها موسكو على الأرض في جنوب سوريا بهدف خفض التصعيد بالقرب من الجولان المحتل. واللافت أن الجانبين فضلا الصمت حول الحادثة وعدم التعليق عليها ولم يصدر عن وزارة الدفاع الروسية أي استهجان للحادثة التي تعتبر من أخطر الحوادث على القوات العاملة في سوريا منذ حادثة إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية «ايل-20» والتي أدت إلى مقتل 15 من الطيارين الروس نتيجة خطأ في التنسيق عام 2018 وأدت لأزمة كبيرة بين روسيا وإسرائيل.
وفي إطار الحرب الإسرائيلية المستمرة، يركز سلاح الجو على تدمير الدفاعات الجوية السورية بشكل منظم، منذ مطلع أيلول (سبتمبر) حيث قصفت الدفاعات الجوية في جبل الأربعين وجبل زين العابدين في حماة، وقصفت كتيبتي الدفاع الجوي في قرية حرف بنمرة الواقعة شرقي مصفاة بانياس النفطية والدفاع الجوي في العنازة الواقع قرب الساحل السوري يوم عملية التسلل الجوي والانزال في مقر البحوث العلمية في مصياف.
وفي الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري قصفت الطائرات الإسرائيلية المطار الزراعي في بلدة ازرع وكتيبة الرادار التابعة للواء 79 دفاع جوي، الواقعة بين مدينة الصنمين وبلدة القنية بريف درعا الشمالي، والحقت بالمنطقتين أضرارا كبيرة، وخصوصا المطار الذي تستخدمه إيران كقاعدة إطلاق للطائرات المسيرة ثابتة الجناح وقاعدة خلفية لنشاطها في سوريا. وبالقرب منهما جرى استهداف مطار الثعلة العسكري وكتيبة الرادار بريف السويداء جنوب سوريا.
وفي سياق متصل، تتبع إسرائيل استراتيجية قطع الطرق البرية بين لبنان وسوريا من خلال استهداف المعابر الصغيرة على غرار قصفها معبر مطربا الواصل بين مدينة القصير السورية والبقاع الشمالي في لبنان، وعادت إسرائيل وقصفت مفرزة مشتركة بين جيش النظام وشعبة المخابرات العسكرية في كفير يابوس شمال معبر جديدة يابوس – المصنع، وفي اليوم التالي قصفت شاحنة على المعبر الأخير الذي يعتبر أهم المعابر بين البلدين، واتهم الجيش الإسرائيلي حزب الله باستخدام المعبر لنقل الأسلحة قبل أن تقصفه فجر الجمعة، وفيما يبدو انه رسالة تحذيرية فقد تجنبت قصف أبنية الجمارك والمفارز الأمنية ومقر إدارة الهجرة والجوازات واقتصر التخريب على تفجير الطريق الواصل بين دمشق وبيروت ذهابا وإيابا، وخلف القصف حفرة كبيرة للغاية، يجعل من الصعب إصلاح الطريق وإعادته لسابق عهده خلال أيام، الأمر الذي سيؤدي إلى صعوبة كبيرة في حركة السيارات وهو ما سيجعل السلطات تجبر الوافدين أن يسلكوا طرقا بديلة شمالا أو جنوبا وهي طرق وعرة للغاية غير ميسرة لتنقل السيارات عليها.
إن التركيز على خطوط الإمداد وقطعها من قبل إسرائيل بالشكل الأخير سيؤدي إلى الضغط الشديد على لبنان بشكل عام وحزب الله بشكل خاص، كما سيعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية التي أعلن الحشد الشعبي الشيعي في العراق إرسالها إلى لبنان، حيث تتعامل تل أبيب مع الحشد باعتباره جزءا من المحور الإيراني، ويزيد من التشدد في منع وصول المساعدات إلى لبنان الهجوم بطائرة مسيرة أطلقتها ما تسمى المقاومة الإسلامية في العراق وهي المظلة التي تعمل من خلالها فصائل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراقي وغيرها، وأدى الهجوم إلى مقتل جنديين إسرائيليين من لواء النخبة «غولاني» وإصابة 23 آخرين حيث سقطت الطائرة ثابتة الجناج المنصعة بخبرة إيرانية في تجمع للجنود الإسرائيليين في «القاعدة 13» بالجولان السوري المحتل. وتحفظ الجيش الإسرائيلي عن إعلان نتائج الهجوم الذي حصل فجر الثلاثاء، ولم يعلن عن نتائجه حتى يوم الجمعة، إذ انه ترافق مع مقتل 8 جنود إسرائيليين في اليوم الأول من العملية البرية في جنوب لبنان، ومن المرجح أن إعلانه كان سيؤدي إلى صدمة كبيرة في الشارع الإسرائيلي ويعطي شحنة معنويات لمقاتلي حزب الله في الجنوب، ففضلت إسرائيل عدم منحهم إياها.
والجدير بالذكر أن إسرائيل تركز قصفها على المفارز الأمنية المشتركة بين حزب الله والمخابرات العسكرية، أو التي تعتقد انها تسهل عبور شحنات الأسلحة إلى الطرف اللبناني، حيث قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية دورية تتبع للمخابرات العسكرية في محيط القصير، وأدى القصف لمقتل ضابط الصف محمد رجب محمد وينحدر من قرية بعرين بالقرب من مصياف بريف حماة الغربي وجرح آخر كان في السيارة المستهدفة.
في سياق منفصل، ومع ذروة التوتر في الشرق الأوسط وتصاعد الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف عسكرية تابعة لحزب الله اللبناني أو الميليشيات الإيرانية الناشطة في سوريا ووصول القصف الإسرائيلي إلى حي المزة القريب على القصر الجمهوري، فضل النظام السوري تمشيط البادية خصوصا مقطع الطريق الواصل بين مدينة تدمر بريف حمص الشرقي ومدينة دير الزور شرق البلاد.
وابتداء من يوم الأحد، توجهت تعزيزات تابعة للفرقة 25 مهام خاصة إلى تدمر لتنطلق منها حملة تمشيط البادية ابتداء من السخنة والأطراف الجنوبية لجبل البشري وصولا إلى سبخة الكوم وبئر أبو فياض شمالا وصولا إلى جبل العمور وجبل البلعاس، ورافقت قوات الفرقة 25 سرايا من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة ولواء القدس الفلسطيني، وقام الطيران الجوي الروسي وطيران النظام بضرب أهداف تتبع لتنظيم «الدولة الإسلامية» حسب ما نقل إعلاميو الفرقة. وشارك بحملة التمشيط طيران الاستطلاع ثابت الجناح بهدف تأمين القوات البشرية ومنع وقوعها في كمائن عناصر التنظيم المنتشرين في مغار وكهوف البادية.
واقتصرت نتائج الحملة الرابعة هذه على بث أشرطة مصورة للطيران الروسي لحظة قصف أهداف ثابتة لا يظهر فيها ما يوحي بمطاردة مقاتلي التنظيم.
وحول الاستهدافات المتكررة على حي المزة، أصر النظام على تجاهل هوية القتلى المستهدفين في الهجومين المنفصلين على شقق سكنية في منطقة الفيلات الغربية في المزة، حيث أعلن في الهجوم الأول عن «استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة تسعة آخرين بجروح ووقوع أضرار كبيرة بالممتلكات الخاصة» بينهم المذيعة في التلفزيون السوري صفاء محمد التي قتلت صدفة فيما يبدو خلال تواجدها في الشارع. وفي الهجوم الثاني تكررت رواية النظام حول مقتل مدنيين، وبالفعل فقد قتلت سيدة دمشقية خلال زيارة عائلية في البناء المجاور. لكن الهدف من العملية كان حسن جعفر قصير صهر الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله. وهو مسؤول وحدة النقل في الحزب كما أعلنت إسرائيل التي تبنت عملية الاغتيال. وأعلنت إيران مقتل المستشار العسكري في الحرس الثوري مجيد ديواني متأثرا بجراحه، ويرجح أن يكون أحد أهداف الهجوم الأول في المزة على اعتبار أن الإعلام الإيراني ذكر أنه أصيب في هجوم إسرائيلي على سوريا قبل أيام من دون تحديد أي من تلك الهجمات.
وتعتبر منطقة الفيلات الغربية إحدى أرقى مناطق مدينة دمشق، يسكنها القادة الأمنييون والعسكريون البارزون والبعثات الدبلوماسية وتكرار الهجمات الإسرائيلية سيزيد من إحراج الأسد الصامت أساسا.