إسرائيل… مرحلة الأزمات المستعصية

حجم الخط
0

يبدو أن الكيان الصهيوني قد دخل مرحلة الأزمات المستعصية على الحل، كما أكدت نتيجة الانتخابات المعادة خلال أشهر قليلة، لأن رهان الاحتكام إلى الناخبين مرة ثانية أدى إلى المراوحة في أزمة ثانية أعمق من الأولى، فالحصول على أغلبية النصف زائد نائب (61) لتسمية رئيس الحكومة العتيدة بدا مستحيلا على الكتلتين الرئيسيتين، الليكود ومؤيديه برئاسة نتنياهو وأزرق وأبيض بقيادة بيني غانتس الذي وصل عدد من سموه 54 صوتا فيما الذين سموا خصمه 55 صوتا وذلك بعد امتناع ليبرمان وثلاثة من النواب العرب (13) عن التسمية.

انقراض القيادات التأسيسية

مع الإشارة إلى أن حزب الليكود لم يتجاوز 32 نائبا فيما عدد نواب غانتس بلغ 34 صوتا من أصل 9 كتل برلمانية، بعضها يضم نائبين، فيما أكبرها الكتلة العربية فتضم 13 نائبا وكتلة ليبرمان 8 نواب وحزب العمل 6 نواب وما تبقى للحريديم. وتشكل هذه الكتل الصغيرة بيضة القبان لكنها لا تلتقي على شيء. وكل ذلك يؤكد حدة التناقضات والصراع السياسي العنيد وزيادة الانقسامات والدخول في أزمة مصيرية، بعد أن انقرضت القيادات التأسيسية التي كانت قادرة على الخروج من المآزق الداخلية بافتعال اللجوء إلى العدوان والحروب على الفلسطينيين دائما والدول العربية المحيطة بفلسطين أحيانا.
ويبدو أن إعادة تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة اليمينية كان شرا لا بد منه أو اختيارا لشر تعرفه وتعرف حدود تأثيره على مجهول لا تعرف احتمال خيره من شره. والمرجح كان إنقاذ نتنياهو من الإدانة والتحقيق وحتى السجن أن يؤدي به إلى الهاوية مع ابنه يائير ووالدته. كل ذلك كان السبب الرئيسي للقبول الأضطراري لشرلا بد منه لاعتبارات صهيونية وسياسية وبتكليفه هذا حصل تلقائيا على الحصانة وطوق النجاة من المصير السيء مع أن احتمال نجاحه حتى في تشكيل حكومة أقلية بعد رفض كتلة أزرق أبيض القبول باحتمال تشكيل حكومة ائتلاف والإصرار على حكومة من دون نتنياهو حتى لو قبل أن يكون وزيرا فيها ضئيل جدا. والمهم كان أمام نتنياهو مهلة 28 يوما لتشكيل الحكومة مع إمكانية تمديد أسبوعين، بعدها أقر بفشله.
وما أن تبلغ ريفلين رئيس الكيان الصهيوني اعتذار نتنياهو وأخذ علما بفشله في تشكيل حكومة جديدة حتى بادر إلى استدعاء بيني غانتس وكلفه بتشكيل حكومة جديدة ، بعدما كان حزبه بالإضافة لكتلة اليسار الوسط وعشرة نواب من القائمة العربية المشتركة التقوا على تسميته أثناء المشاورات لينال 54 صوتا لم تكن كافية لفوزه على نتنياهو في هذا السباق المعاد للمرة الثانية في خلال أربعة اشهر.
والمؤكد أن غانتس سيتعرض للضغوط والشروط نفسها التي تعرض لها نتنياهو خلال مشاوراته لتشكيل الحكومة، وأمامه فرصة 28 يوما ليست قابلة للتجديد، لإقناع ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا « الذي يعترض على تأييد النواب العرب للجنرال غانتس ويرفض رفضا قاطعا أن يشارك في حكومة تحتاج للأصوات العربية للاستمرار. و قبل ذلك لتبصر النور هذا إن ابصرت النور وتمكنت من الحصول على 61 صوتا من الكنيست …و لاحقتها صفة حكومة أقلية ومثل هذه الحكومة في حال تشكيلها ستبقى تحت رحمة ليبرمان الذي يستطيع إسقاطها ساعة يشاء بالإضافة إلى سعي نتنياهو للخلاص منها بأسرع وقت والتوجه إلى إجراء انتخابات ثالثة جديدة في أقل من عام .
والمتغير الوحيد هو أن يبقى غانتس عندها على رأس حكومة تصريف الأعمال كما كان نتنياهو عند إجراء الانتخابات الثانية. لكن شيئا مهما قد تغير وهو أن نتنياهو الذي فقد رئاسة الحكومة وعجز عن تشكيل حكومة جديدة سيجد نفسه مدعوا للمثول أمام القضاء في ملفات فساد مع زوجته وولده، وقد تضيع منه فرصة الترشح للانتخابات أو السقوط فيها إن ترشح وهو مرشح في الوقت عينه للاتهام وللحكم القضائي، وعندها يكون مصيره السجن والخروج النهائي من الحياة السياسية على خطى أولمرت.
الأزمة في الكيان الصهيوني أزمة بنيوية تؤشر إلى أن الكيان بدأ مرحلة التراجع المتسارع والتآكل والوصول إلى واقع مهترئ اجتماعيا واقتصاديا وحتى عسكريا لأن الكيان لم يعد جيشا عنده دولة وأن «كاريزمايته» كجيش لا يقهر قد اهتزت ووصلت إلى حافة السقوط. لقد أكدت عملية افيفيم التي نفذتها المقاومة على أطراف الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة أن الجيش الصهيوني فقد قدرة الردع ولم يعد يتمتع بثقة الانتصار الذي كان يمتلكه أو يدعيه، إذا ما دخل في أي حرب أو مواجهة. وهذا يعني فيما يعنيه عدم القدرة على التوسع والتقدم للمشروع الصهيوني، مما يؤدي إلى الخوف والقلق على الوجود والمستقبل وارتفاع الهجرة المعاكسة للمستوطنين الذي أخذوا يغادرون فلسطين المحتلة ويعودون إلى بلادهم الأصلية… والسؤال هو أين أمريكا من كل ما يجري في الكيان الصهيوني الذي تعتبره ولاية من ولاياتها خلف البحار؟

صفقة القرن

تظاهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدم الاهتمام بالانتخابات الإسرائيلية بدورتيها الأولى والثانية، وقد فسر هذا التصرف بأنه موقف سلبي من نتنياهو وأنه على الأقل حياد يصب في مصلحة غانتس مما يشير إلى أن الرهان على رئيس الليكود في صفقة القرن قد تراجع. وأكثر من ذلك بدا وكأن العلاقات المميزة بين ترامب ونتنياهو لم تعد كما كانت عليه منذ أن تجاوز الأخير بوعوده الانتخابية كل ما كان متفقا عليه، وأنه لم يعد لتطرفه حدود يقف عندها إلى درجة أنه راح يجري الاتصالات، وبدون علم ترامب، بالموظفين اليهود في البيت الأبيض ليناشدهم الانضمام إلى تأييد حمـلته الانتـخابية.
ويبدو أن سنوات الاتفاق بينهما انتهت والمؤشر على ذلك أن ترامب امتنع عن تأييد تهويد غورالأردن ومحيط البحر الميت الذي يعتبر كنزا غذائيا لا مثيل له في فلسطين المحتلة إذ أصر نتنياهو على ضمه إلى السيادة اليهودية مع أن صفقة القرن وما تسرب عنها لا تأخذ بهذا الرأي أو الموقف. والواقع أن الخلاف يضاف إلى خلافات أخرى لم يعلن عنها والمؤشرات عليها تراكمت قبيل الانتخابات الصهيونية بأيام وهي مرشحة للتداول بعد الانتخابات ومن ذلك على سبيل المثال:

• اقالة مستشار الأمن القومي الأمريكي جورج بولتون وتعيين روبرت أوبراين مستشارا بديلا وهو معروف بمواقفه المختلفة كثيرا عن مواقف بولتون. هذه الخطوة تعني أن الصديق الأول لنتنياهو أخرج من دائرة القرار وهوالذي كان يجاهر بتأييده للكيان الصهيوني ولرئيس حكومة اليمين المتطرف نتنياهو ويشجعه على اتخاذ القرارات المتطرفة لفرضها كأمر واقع غير قابل للتراجع عنه.

• إصرار الرئيس الأمريكي على إجراء المفاوضات والاتصالات غير المباشرة مع المسؤولين الإيرانيين رغم اعتراض بولتون ونتنياهو على ذلك وتفضيلهما التصعيد وصولا إلى توجيه ضربات عسكرية وعدم الاكتفاء بزيادة العقوبات الاقتصادية.

• تعيين الجنرال مارك اسبر وزيرا للدفاع الأمريكي و هو معروف بمعارضته للحرب مع إيران وبالسعي لحل الخلاف معها دبلوماسيا وعدم الالتفاف لنصائح بولتون ونتنياهو الحربية.

• إعلان ترامب عن البدء بمفاوضات غير مباشرة مع الحوثيين قد تؤدي إلى مفاوضات مع إيران. وقد تم ذلك بدون إخبار إسرائيل أو نتنياهو به. كل ذلك يعني أن ثقة الرئيس الأمريكي بنتنياهو قد اهتزت وأنه لم يعد مقتنعا بامتلاكه للقرار الصهيوني ولم يعد مؤهلا لرئاسة الحكومة وهو ما أدت إليه نتائج الانتخابات التي لم تفاجئ أحدا لا في الكيان أو في واشنطن.

• والأهم من كل ذلك أن ترامب بدأ يعد العدة للانسحاب العسكري من الشرق الأوسط ومن أفغانستان ما دام لا يريد الحرب ويفكر باعتماد سياسة اختزال النفقات العسكرية التي تزهق الخزينة الأمريكية بدون طائل وما يتخوف منه الكيان أن تصل التخفيضات إلى ميزانيته وتسليحه بالإضافة إلى الخسارة المعنوية التي تلحق بالدولة العبرية نظرا لابتعاد حليفتها عسكريا عن المنطقة مع أن وجودها كان يشعرها بفائض القوة والتفوق على أعدائها وحتى على من عقدت اتفاقات سلام معهم. وهناك الاعتراف الأمريكي المـكرر والمعاد بالعجز عن حماية الحلفاء وخصوصا السعودية والإمارات، وربما الكيان الصهيوني، ولكن بدون الإعلان عن ذلك.

كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية