الصاروخ الباليستي الذي أطلقه حزب الله صباح أمس، وتم توجيهه -حسب قوله- إلى مقر الموساد والمعلومات والمهمات الخاصة في “غاليلوت”، يعزز عقيدة الحرب لدى حزب الله ضد إسرائيل، التي ترتكز إلى عقيدة “المعادلات”، التي تضع إسرائيل مقابلها عقيدة “التصعيد بالتدريج” أو “مبدأ الضربات العشر”.
يدور الحديث عن صاروخ أرض – أرض من نوع “قادر 1″، وهو نسخة عن نموذج “شهاب 3” الذي طورته إيران، ويرتكز في الأساس على صاروخ لكوريا الشمالية. دخل “شهاب 3” إلى الخدمة في إيران قبل عشرين سنة تقريباً. “قادر 1” يحلق على ارتفاع 400 كم، ويحمل رأساً متفجراً بوزن يصل إلى طن، وتبلغ سرعته 4 آلاف كم في الساعة، أي ثلاثة أضعاف ونصف سرعة الصوت. على فرض أن الصاروخ أطلق من مكان يبعد 200 كم تقريباً عن “غاليلوت” فسيستغرق تحليقه أقل من خمس دقائق. وقد تم اعتراض هذا الصاروخ في سماء هشارون، على بعد 20 كم عن الهدف، بصاروخ أطلق من بطارية مقلاع داود، بدون إصابات وأضرار بالممتلكات.
هذه هي المرة الثانية التي يستهدف فيها حزب الله “غاليلوت”، كانت الأولى قبل شهر، في حينه أطلق مسيرة تحمل كمية متفجرات قليلة، بضع عشرات الكيلوغرامات. تلك المسيرة كانت رداً على تصفية رئيس أركان حزب الله فؤاد شكر في الضاحية في بيروت قبل شهرين تقريباً. في الحقيقة، قتل فؤاد شكر، في هجوم لسلاح الجو، لكن حسب حزب الله، الموساد هو من وفر المعلومات الدقيقة عن مكانه.
يعلن حزب الله الآن بأن صاروخ “قادر 1″، الذي قد يكون فتاكاً في حالة إصابته، أطلق رداً على مهاجمة أجهزة البيجر والاستمرار في تصفية قادته العسكريين، من بينهم إبراهيم عقيل. عقيدة “المعادلات” التي صاغها ويطبقها رئيس حزب الله، حسن نصر الله، تقول إنه إذا كان الموساد هو المسؤول أو يشارك في عمليات الاغتيال والتخريب، فإن حزب الله يعتبره هدفاً مشروعاً للهجوم.
نظرية حزب الله هذه صيغت قبل بضع سنوات، ثم توسعت بحيث تسري على أحداث مباشرة بين إسرائيل ولبنان، بل وعلى عمليات إسرائيل ضد أعضاء حزب الله في سوريا. في 7 تشرين الأول الماضي، وسعها حسن نصر الله وتطبيقها أيضاً على الحرب في قطاع غزة. وهذا هو السبب، كما شرح وبرر حزب الله، في قرار خرق وقف إطلاق النار وخرق قرار مجلس الأمن 1701، وفتح جبهة جديدة ضد إسرائيل كإشارة على التضامن مع حماس.
بحسب هذه المعادلة، أي هجوم كثيف على بيروت سيتطلب إطلاق الكثير من الصواريخ نحو تل أبيب وتل أبيب الكبرى. مبدأ المعادلة هو الذي يوجه حزب الله إلى عدم إطلاق المزيد من الصواريخ نحو المركز الآن، بل الاكتفاء بالصاروخ الوحيد الذي أطلق نحو مقر الموساد.
تصرفت إسرائيل بحذر طوال سنة تقريباً، وكانت هجماتها في لبنان محسوبة. هي ردت فقط ولم تبادر، رغم جرأة ووقاحة حزب الله الهجومية، الذي أطلق عشرات آلاف الصواريخ والمسيرات على الشمال وقواعد عسكرية ومستوطنات حتى خط صفد. في الأسبوع الماضي، قرر رئيس الحكومة نتنياهو، الانتقال إلى الهجوم. معظم اعتباراته سياسية: مواصلة الحرب من أجل بقائه وبقاء حكمه. وقد انضم إليه وزير الدفاع غالنت، الذي يحظى بدعم رئيس الأركان هليفي وقائد سلاح الجو والجنرالات في هيئة الأركان، الذين هم على قناعة بأن القوة العسكرية وحدها مفتاح إنهاء الحرب.
هكذا ولدت عقيدة “التصعيد بالتدريج” و”الضربات العشر”، التي تلقي بضربة قاسية على حزب الله. آلاف من الأربعين ألفاً من أعضاء حزب الله، بما في ذلك قادة كبار وقادة في المستوى المتوسط، قتلوا أو أصيبوا، أو تضررت قدرتهم العملياتية، وتم تدمير عشرات آلاف الصواريخ والقذائف والمسيرات وعدد كبير من منصات الإطلاق. كل ذلك إضافة إلى قتل مئات اللبنانيين وتدمير آلاف البيوت.
فرضية انطلاق إسرائيل هي أن عقيدة التصعيد ستهزم عقيدة المعادلات التي ينتهجها حسن نصر الله، وأنه سيطلب وقف إطلاق النار وإجراء تسوية سياسية. هذه العملية تنطوي على فرصة، حتى لو لم تكن كبيرة، لتغيير الاتجاه. حتى فترة متأخرة، كانت التسوية المعقولة والمنطقية التي على الطاولة ترتكز إلى خطة الرئيس الأمريكي، أي التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، الذي سيمكن من عقد صفقة لتحرير المخطوفين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين، ما سيؤدي إلى وقف إطلاق النار في لبنان. والآن ربما يمكن استغلال الضربات الموجهة لحزب الله، التي تقلق إيران جداً، للقيام بعملية تؤدي إلى وقف إطلاق النار في لبنان بوساطة دولية، تبدأ في أعقابها مفاوضات من أجل انسحاب قوات حزب الله إلى مسافة معقولة عن حدود إسرائيل وإعادة المخطوفين. هذه عملية سيرافقها وقف إطلاق النار في غزة بناء على خطة الرئيس الأمريكي بايدن.
تنتهي الحروب دائماً بوقف إطلاق النار والمفاوضات على تسوية بعيدة المدى. الإيمان الأعمى بأنه يمكن هزيمة حزب الله بشكل كامل، هو وهم خطير سيؤدي إلى استمرار الحرب لفترة طويلة، بدون خطة لـ “اليوم التالي”، وتدهور آخر في مكانة إسرائيل في العالم، وإضرار كبير بالاقتصاد، وربما حتى جر إيران إلى دائرة دموية.
يوسي ميلمان
هآرتس 26/9/2024