إشكالية الانتفاضة العراقية وسبل انتصارها

من المؤكد أن الانتفاضة تسير من نجاح إلى نجاح، بعد سقوط مقنن الطائفية رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لكن لا بد أن يستقرئ الشباب المنتفض التاريخ القريب، ويعالجوا بعض الاستحقاقات التي فرضها المستعمرون القدامى (بريطانيا) والجدد (أمريكا). فمنذ استقلال العراق كانت بريطانيا تراهن على قادة الأقلية الكردية، كي يكونوا عامل قلق وإقلاق للحكومات العراقية المتعاقبة. ثم اختاروا من الأغلبية العربية العراقية أفرادا يأتمرون بأمر المستعمر فتربطهم به عهود ومواثيق لا يستطيعون الإفلات أو الانقلاب عليها.
سارت أمريكا بعد احتلالها العراق عام 2003 على المنوال نفسه الذي سارت عليه بريطانيا سابقا، فبعد أن أضعفت النظام السابق إثر احتلال الكويت وفرض الحصار الاقتصادي الظالم، اتجهت في بداية الأمر إلى قادة الأكراد الانفصاليين من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، ملوحة لهم بتأسيس دولة كردستانية، شرط تمرير عراق المكونات الطائفية والعرقية.

سقوط رئيس الوزراء هدم أحد اركان الفساد، لكن لا يزال الدستور معول الهيمنة الاستعمارية الطائفية يُعمل به وتُسير به البلاد

أما الأغلبية العربية التي تتجاوز نسبتها في العراق 83% والمؤلفة من الشيعة والسنة، فقد همشها الأمريكان، ولم يحسبوا لها حسابا. لقد انتقوا واختاروا لحكم العراق أشخاصا ينتمون تاريخيا إلى الشيعة، من الطائفيين الشعوبيين الذين يكنون الحقد والكره لكل عربي، همهم الأساسي تغيير وجه العراق، ومسخ هويته. أما أهل السنة فقد وقع الاختيار على شخصيات عشائرية رجعية متخلفة، معادية للدولة المدنية الديمقراطية، إضافة إلى إعادة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين، الذي كان متواريا في العراق وشبه ميت، لأن أجندته غير وطنية ومعاد لعروبة البلاد. لقد اكتملت الصورة إذن في رأي أمريكا، فهناك ممثلون عن الأكراد وعن الشيعة وعن السنة، لتشكيل عراق الطوائف والأعراق. فمنذ البداية كان قادة الحزبين الكرديين يأتمرون بأوامر واشنطن وتل أبيب، ويسيرون باتجاه بناء دولة كردية عنصرية حليفة لأعداء العرب والمسلمين. أما الجانب الشيعي فقد كان الخط الطائفي المناصر لإيران والمعادي للهوية الوطنية العراقية هو الأقوى، نتيجة دعم جيش الاحتلال الذي سلمه زمام الأمور.
لقد همش الأمريكيون والإيرانيون منذ بداية الغزو الأمريكي، الأغلبية العربية الساحقة من الشيعة والسنة. أما القادة الأكراد فقد حسموا أمرهم منذ وقت طويل بتخدير ومناغات أحلام شعبهم بحلم الانفصال، وأما ممثلو الشيعة الطائفيون فقد خسروا الرهان وبات تمثيلهم لمكونهم المفترض عسيرا جدا. لأنهم رغم شعوبيتهم وكرههم للعرب، أصبحوا مضطرين لأن يجاملوا ويتحدثوا باسم الشيعة العرب، بعد أن فشل ارتكانهم أول الأمر على الطائفة الفيلية وهم الشيعة الأكراد، لأن اغلب هؤلاء فضلوا الارتباط بالجانب القومي الكردي على حساب المذهب. وأضحى الهدف الأمريكي والإيراني المعادي لبقاء العراق في محيطه العربي، يواجه إشكالية كبيرة، فالشيعة والسنة العرب في العراق متزاوجون ومرتبطون في ما بينهم وهم من العشائر نفسها، حسب الموقع الجغرافي، فعشائر الجبور وشمر وربيعة وعنزة متوزعون بين أهل السنة وأهل الشيعة، ولم يبق أمام قادة شيعة المنافي الأعاجم المهيمنين على السلطة، سوى إشعال الحرب الطائفية لتقسيم الشعب الواحد، لإجبار الشيعة العرب على الاصطفاف إلى جانبهم.
خريطة العراق السياسية اليوم مبنية على هيمنة متوالية الواحدة فوق الأخرى، ففي أعلى السلم الهيمنة الأمريكية الإيرانية، ثم هيمنة القادة الأكراد والشيعة ذوي النزعة الطائفية المعادية للعرب، وفي أسفل السلم أغلبية الشعب العراقي الذي كان وقودا لتمرير دستور بريمر، والاقتتال الطائفي وقتال «داعش» وخلق المليشيات الطائفية خارج إطار الدولة.
سقوط رئيس الوزراء هدّم أحد اركان الفساد، لكن لا يزال الدستور معول الهيمنة الاستعمارية العنصرية الطائفية يُعمل به وتسيّر به البلاد، ذلك الدستور الذي سمح لهيمنة برهم صالح الرئيس العراقي الحالي، الذي صوت على انفصال كردستان من العراق. نعم لا يزال البرلمان الذي يشرع القوانين يهيمن عليه الفاسدون المفسدون الجهلة من السنة والشيعة. إن نجاح الانتفاضة مرهون بإلغاء الدستور وحل البرلمان، وتصحيح العلاقة مع كردستان، والطلب بضمانات دولية لإجراء انتخابات حرة نزيهة لا تشارك فيها الأحزاب الدينية والمليشيات.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هذه ثورة شبابية بإمتياز! لقد ضحى فيها الشباب بأعز ما يملكون وهي الروح!! من بمقدوره وقف هدير الشباب؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

    هدف وثبة تشرين تحقيق حياة حرة كريمة للشعب العراقي و القضاء على الفساد و المفسدين ,إن اتهامك للسيد عادل عبد المهدي بأنه مقنن الطائفية يحمل معنيين الأول هو الذي يقوم بتوزيع الشيء بكميات محدودة في الأزمات كالحروب و الثاني هو الذي يضع القوانين و يدونها و أنت تقصد الأخير أي أن عبد المهدي وضع القوانين الطائفية في العراق و دَوَنَها و هو الذي لم يستوِ على عرشه بعد حتى انفجرت في وجهه هذه الأحداث التي شارك فيها البعيد و القريب تحقيقاً لأهداف شعبية شرعية و أخرى ذات أهداف شريرة لا علاقة لها بوثبة تشرين . و ليس عادل عبد المهدي أحد أركان الفساد فهو قد ورث كياناً سياسيا ينخر فيه الفساد كما نخر السوس في مِنْسأة النبي سليمان فمدة رئاسته سنة واحدة , و بالنسبة للإنجليزفقد اختاروا من الأغلبية العربية أقلية طائفية تأتمر بأمرهم لإقامة الدول العراقية الحديثة و استوردوا لهم من الحجاز ملوكاً من لونهم فأقاموا نظاماً طائفياً و سقط إلى الأبد في العام 2003 , و يصعب علينا و على أمثالنا أن يتفق معك في الرأي بأن حكام العراق بعد السقوط من الشيعة هم طائفيون و شعوبيون فهم عرب أقحاح و منهم جبور كرام و كذلك لا نتفق معك أن الأخوان المسلمون في العراق هم رجعيون و متخلفون و غير وطنيين .

  3. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

    يمكن أن يكون العربي جاسوساً و خائناً لأمته لكن لا يمكن أن يكون شعوبياً فالشعوبي هو الذي يحتقر العرب و يراهم دون شأن عظيم و لا فضل لهم على غيرهم بل أنه يفضل العجم عليهم و ينقص من قدرهم , و قد ظهرت بوادر الشعوبية في عصر الأمويين الذين لم يتعاملوا مع أبناء دولتهم بالروح الإسلامية بل فضلوا العرب على العجم , فكيف ترمي أخوانك و أبناء عمومتك العراقيين الشيعة العرب الأقحاح بالشعوبية و هم مثلك عراقيتهم طاهرة وعروبتهم صافية ؟ , لقد جاء هؤلاء الحكام الشيعة إلى الحكم على ظهر الدبابة الأمريكية كما تقولون و كأن حكامنا العرب الآخرون جاؤا إلى الحكم من السماء على ظهردبابات إلَهية , لم يكن مندوحة للشيعة العرب عن حكم العراق بعد الغزو الأمريكي لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لملأ غيرهم الفراغ فتضيع عليهم هذه الفرصة التاريخية , العيب ليس هنا , العيب أنهم لم يشكروا الله على هذه النعمة الإلَهية لتصحيح الخطأ في حكم العراق مدة ثمانية عقود و نيِّف بل اختصموا و تقاتلوا و ربما تضيع عليهم هذه العطية السماوية التي لن تعوض أبداً إن ذهبت , فلا غرابة عليهم , فالعراقيون ” أهل النفاق و الشقاق و مساويء الأخلاق ” , و أشهد الله أني بريء من هذا القول فهو لسيْ الصيت الحجاج إبن يوسف الثقفي فكل إناء بالذي فيه ينضح .

  4. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

    إن الذي يتهم الشيعة العراقيين العرب بالطائفية و الشعوبية و العمالة لأمريكا والتبعية للفرس المجوس الإيرانيين , مثَلَه كمثل الچـقـمقـچي الذي لا يملك إلا اسطوانة واحدة يشغلها في كل حين حتى شرخت فخدشت أسماع الناس و ملُّوها .

  5. يقول سعدي السعدي:

    حضرة الدكتور المحترم نصيّف الجبوري : مقالك من السهل الممتنع وتناولت بسطور المعاني الكثيرة من الواقع العراقي الآن بتشخيص عميق ودقيق وشجاعة أدبية.وما دام أمثالك مع ساحة ( ثورة الهواء الطلق ) في سوح العراق لشباب الرافدين فنحن بخيروأمان رغم التضحيات الواجبة..تقديري لأصلك الأصيل.وشكرا لجريدة القدس التي لا يمكن ان تنحاز إلا للثورة العربية في كل مكان.

  6. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

    عزيزي داوود الكروي أسعد الله صباحك بكل خير, و نحن مثلك مع هذه الثورة الشبابية , لكن لماذا استحوذ عليك هذه الحب و جعلك تغفل عن تعرض الكاتب بالسوء إلى الأخوان المسلمون بالعراق و أنت هواك معهم و لم ترد عليه و لو بكلمة , إقرأ ما يقول عنهم :
    ” أما أهل السنة فقد وقع الاختيار( الأمريكي) على شخصيات عشائرية رجعية متخلفة، معادية للدولة المدنية الديمقراطية، إضافة إلى إعادة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين، الذي كان متواريا في العراق وشبه ميت، لأن أجندته غير وطنية ومعاد لعروبة البلاد “. إهــ .

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله جاري العزيز علي أبوطالب وحيا الله الجميع
      الإخوان المسلمون بالعراق فاسدون كغيرهم من سياسي المنطقة الخضراء! أما الإخوان المسلمون بمصر فلم تثبت عليهم قضية فساد واحدة!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    2. يقول محمد شهاب أحمد:

      موقف الإخوان المسلمين (الحزب الإسلامي) مطابق لموقف ما يدعى الأحزاب الإسلامية الأخرى ، و كان خطأ كبير دخولهم ما يدعى مجلس الحكم …و لكن الفارق ، و هذا يحسب لهم و إن كان لا يقلل من الخطأ الكبير الذي إرتكبوه ، أنهم لم يدعو لغزو العراق و لم يذهبوا لواشنطن قبل الغزو لإعطاء ملفات كاذبة حول أسلحة دمار شامل و لم يبرروا الغزو أنه إرادة و هبة إلهية .
      في كل الأحوال أنا لا أحبذ إدخال الدين بالسياسة ، إذ عندها ننتهي برجل دين يبرّر القتل والإجرام …و منين أجيب قميص للي زيجه هدل!

    3. يقول علي حسين أبو طالب / Skellefteå:

      حياك الله جاري الأثير الكروي داوود .
      مسّاك الله بالخير كما صبَّحتك فجر اليوم , شكراً جزيلاً
      فقد قلقت عليك لتأخرك في الرد , أرجو منك أن تكون قريباً
      منا دائماً و أطلب من الله أن يصلح حالنا و يريح بالنا .

  7. يقول علي:

    محمد شهاب أحمد منْ قال لك أن الاخوان ( فرع العراق ) لم يشاركوا في الدعوة الى الاحتلال والغزو الامريكي؟ كبيرهم إياد السامرائي الذي كان مقيما في لندن شارك بصفته..من الأخير كما نقول في العراق : جميع الاحزاب ممنْ اتخذوا الدّين غطاء ، عملاء بين شرق وغرب وليس لهم مستقبل في قادم الأيام.وهم يعرفون ذلك جيدا.

اشترك في قائمتنا البريدية