أنا أم وابنة، وهما موضعان حياتيان يتنازعانني بكل مشاعر تأنيب الضمير المستمرة. لست من الأبناء الذين يرمون حمول قسوة الحياة على الآباء والأمهات، فإخفاقاتي، كما هي نجاحاتي، هي نتيجة اختياراتي في هذه الحياة. ووالداي، وللحظ والقدر مساهمة ضخمة في الموضوع، هما مميزان كوالدين في طفولتي وكصديقين مع سيري الحثيث في هذه الحياة. كذلك فإن «برمجتي» في مرحلة الطفولة، بكل ما لها وما عليها، ذلك أنه لا توجد تربية بلا ثغرات تطبيقية ولا طفولة بلا فجوات تربوية، هي أساس أبني عليه وأتعلم منه، لا حجة أستخدمها كلما زل سلوكي أو أخطأت الحكم أو القرار. فما إن نتجاوز عمر الخامسة والعشرين، في رأيي، وأنا حسابياً تجاوزته مرتين لحد الآن، يفترض أن نتوقف عن التحجج ببرمجة الطفولة وهفوات الآباء والأمهات، طبعاً لا يدخل في الحسبة الإيذاءان الجسدي والنفسي الشديدان المتعمدان، ذلك أننا نمتلك من الوعي، من هذا العمر فصاعداً، ما يؤهلنا لاتخاذ القرارات المناسبة ولتصحيح المسارات المعطوبة. في الواقع، إن كانت هناك مشاعر تتنازعني تجاه والداي فهي، إلى جانب حب عميق غير مشروط، مشاعر التأنيب بسبب التقصير مع هذين الوالدين الرائعين، وهي مشاعر لن يسكن آلامها أي مجهود في الدنيا، فما يمكن أن يوفيهما حقهما؟
أما أمومتي فهي موضع تعذيبي المستمر في هذه الحياة. أراجع تصرفاتي وقراراتي، القديم منها والجديد، بكثير من القسوة، وأحاسب نفسي عسيراً حتى على الكلمة واللفتة التي قد تنطبع عميقاً وطويلاً على صفحات نفوس الأبناء، خصوصاً في زمننا المعاصر ومع تطور مفاهيم الصحة النفسية وعواملها وتبعاتها. أقلق كثيراً بسبب قراراتي، وأسترجع بكثير من اللوم سلوكياتي وأنا أم صغيرة، ما فعلت وما لم أفعل في الواقع، فأتذكر لحظات كان يمكن أن أقضيها أكثر مع الأبناء أو أستبقيهم لمدة أطول في حضني أو أسامح وأرق بدلاً من أن أقسو وأعاقب. وعلى قدر ما أستمتع بذكريات أمومتي الشابة وبلقطات حياتي مع الأبناء حينها وبصورهم التي لا تنمحي من ذاكرتي وهم يكبرون لحظة بلحظة، على قدر ما أتعذب من زلاتي ونواقصي التربوية والسلوكية.
يقول علي الرميض في مقاله المعنون «الأمومة المرهقة… تأملات في الحب والقسوة»، الذي نُشر على رصيف 22: «ما الجدوى أن تسعى الأنثى لأن تكون أماً؟ إنه سعي نحو نقصان لن يكتمل، ولأن الأمومة فعل مستمر، بالتالي ستقع المرأة في سعي دائم لتقديم ما هو كافٍ لتكون مستحقة لهذه الهبة السماوية كما هو منظور لها، ستعلق الأنثى في حلقة دائرية لن تنتهي من الهلع والخوف في السعي ليكون الأبناء بخير أبدي». يقدم الرميض قراءة نسوية لفكرة الأمومة، لائماً القولبة الذكورية لهذا الدور التي تجعل من الأمومة الناجحة مهمة شبه مستحيلة. كثيراً ما أستشعر هذه الاستحالة في حياتي كأم، فأنا أبداً لن أكون أماً كاملة بلا أخطاء، كما وأنني، ومنذ ولادة ابني البكر، لن أكون إنسانة مرتاحة تماماً وصافية الذهن. سأبقى أدور في رحى هذا النقصان الذي لن يكتمل، النقصان الأدائي والتربوي لي كأم، والنقصان الاستقراري لي كإنسانة حكمت على نفسها بمعايشة كل مشاعر الحب اللامحدود وغير المؤطر والمحكوم بالبيولوجيا والمقرون دوماً بالقلق والسعي الحثيث لإصلاح ما يمكن إصلاحة حتى حين يستحيل هذا السعي، وذلك مدى الحياة.
قبل أسابيع قرأت سلسلة تغريدات مؤثرة لشاب مصري يحكي فيها عن تجربة عاطفية جميلة ومريرة مع والديه، حيث يحكي الشاب عن سعي والدته الحالي للاعتذار له ولإخوته عن أخطائها، وعن تلميح الوالد له عن هذا الندم وإن من بعيد ودون اعتذار مباشر، وعن مسامحته هو الخالصة لهما، مؤكداً في ختام سلسلة تغريداته «البشر كلهم مساكين حقيقي، والمشكلة -بحسّها- في التصميم بتاع الحياة نفسها، مش فيهم بالمقام الأول». طبعاً نكأت التغريدة مباشرة جراحي ومشاعري الأمومية، وأسرعت أرسل لأبنائي الثلاثة رسالة خاصة لكل منهم أقول في جزء منها «أود أن أعتذر لكم عن أي وكل قصورات أو لحظات قسوة، كنت صغيرة ولم أكن أعرف كيف أتصرف بشكل أفضل. أحبكم جميعاً لأبعد من أي مشاعر اختبرتها في حياتي. أعتذر بإخلاص إن ارتكبت شيئاً، إذا صرخت أو عاقبت. كنت أعتقدني أقوم بواجبي، ولم أقصد أن أقوم بعكسه».
أتت الردود لتشعل نار أمومة صارخة في قلبي المتقد أصلاً، ليخبرني الأبناء بمحبتهم، بأنهم لم يكونوا ليتمنوا أماً أفضل، لفخرهم بالحياة التي اخترتها لي ولهم وبالطريقة التي نحياها بها، بأنني قدوة وأنني أم رائعة وأنني وأنني، إلى آخر الكلمات الرائقة النابعة من قلوب أبناء لا يملكون قول غيرها بحكم الرابط البيولوجي الذي يجعلهم يحبونني رغماً عن إرادتهم وبحكم البرمجة الاجتماعية التي تحملهم واجباً نفسياً وسلوكياً تجاهي رغم ما قد يستشعرون من قصوراتي. أتت هذه الكلمات لتطبب قلبي المكلوم دوماً بمشاعر تأنيب الضمير وبلحظات الندم الحارقة، لينتهي الأمر بهم يخففون عني ويمسحون على قلبي بدلاً مما كنت أنتويه أنا من تطبيب أي جراح قد أكون خلّفتها مع طفولتهم. أعلم أنني قدمت ما أستطيع، وأن الأبناء كبروا في بيت أدعي أنه مفعم بالمحبة والأمان والهدوء، وتحصلوا على كل التعليم والترفيه الذي استطاعت، ولم تستطع، مقدراتي المالية أن تقدمه، أذكر روحي بذلك كلما شد عليّ ضميري ونغصتني ذكريات أخطائي، لكن الواقع يبقى أنه رغم تعزيتي لنفسي ورغم تطبيب الأبناء لقلبي، أنا ما زلت بشراً، احتكمت ذات يوم على حيوات صغار وقدتها وشكلتها، بكل زلات ونواقص وأخطاء هذا البشر، فكيف أسامح نفسي وأغفر لها؟
اغضبته بهذه العلاقة ولكنه قاطعني وطلب مني ان انتبه لما سيقول ليس الأبناء فقط هم الذين يخطئون ولكن الإباء أيضا يخطؤون مثل ما طلبت مني ان اغفر لك وانا أيضا يجب وقبل ان يكمل ما يريد قوله وضعت يدي على فمه ولم اتركه يكمل ولم اراء والدي في هذه الحالة من الانهيار التام وبكاء وتدخلت امي تدخل الست العظيمة.
الى المحترمة د. ابتهال الخطيب حنان الام على الاولاد لا يعوض ووجود الوالدين في حيات الام ما اجمله وهنا يجب الاعتراف المحظوظ الذي يتمكن من الاعتذار للوالدين ويحبذه لو امام الاولاد لكي يتعلمون ثقافة الاعتذار لمكانة الام عندهم ويشعرون ويتعلمون هذه الام العظمية تعتذر لجدي وجدتي وأيضا يجب اعتراف الأولاد بجميل الوالدان عليهم والام بصفة خاصة وإذا الام شعرت انها ظلمة او تجاوزت في لحظة غضب لا يوجد عيب للاعتذار وعلينا في سن المراهقة ان نكون على حظر والاهتمام بهم واكبر اولادي بنت وعمرها 48 عام ولكني اشعر انها صغيرتي والباقي كذالك والدعاء لهم بصفة مستمرة. وتحياتي لحضرتك لحجم الصراحة التي تمتزين به. والله المستعان ( 2 )
مقال رائع كالعادة ويلمس شغاف القلوب. بوركت يا سيدتي!
الى الكروي داوود
منذ متى وجب تأليه الوالدين؟ محبتهم واحترامهم واجبه ولكنهم بشر ويخطؤون أحيانا. بعضهم قد يدمر حياه أبناءه ولا أجداي عقوق بلومهم او الرغبه بان يعترفوا باخطاءهم.
وماذا نفعل بأوامر الله بالبر بالوالدين والإحسان إليهما ؟ ومنها :
بسم الله الرحمن الرحيم : ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) الإسراء
الله سبحانه وتعالى ربط عبادتنا إياه , بالإحسان للوالدين !! ولا حول ولا قوة الا بالله
عندما استلم الحكم الحزب الشيوعي الحكومه بعملية انقلابيه بقيادة الرائد هاشم العطا والوالد رئيس نقابة عمال يتبع لهم… بعد عودة الرئيس نميري للحكم بعد ثلاثه ايام، تم اعتقال جميع الموظفين الذين ينتمون للحزب الشيوعي في محطة الأبحاث الزراعيه بأبو نعامه،عندما أتت مجموعه من الضباط والشرطية ودخلا منزلا بحثا عن منشورات وبعدها اقتادوا والدي لسيارة الشرطه خذوها معهم، هذا الموقف جعل الوالده تزرف الدموع، في ذلك الوقت انا عمري كان صغير، كان ذلك عام 71، مواقف لا تنساها الذاكره… any way…
تصحيح.. خذوه معهم وليس خذوها معهم…
مقال في غاية الروعة د. ابتهال.
الكروي داود، يبدو أنك فاهم معنى التربية بالمقلوب،
لنكف عن تالية الوالدين كما كتب / ت لولو. اذا أخطأوا يجب أن يعتذروا اكثر من الابناء لانهم من المفروض أن يكونوا اكثر حكمة من الابناء بحكم العمر والتجارب.
خلاصة الكلام، على الآباء الاعتذار اكثر بكثير من الابناء.
الكمال لله…و الوجود الانساني مشروط بالنقصان و الرغبة في نفس الوقت للكمال…..رغبة ربما لاواعية للاقرب أو التشبه بالذات الالهية….أنا أبن الأمس، أب اليوم..و ربما جد غذا.الزمن يغير الأدوار الأسرية مفعمة بروابط بيولوجية عاطفية نفسية سلوكية معرفية ( البرمجة)…. عقدة الذنب تسكن الإنسان..و تسكن أكثر دور الأب…دور المسؤول على بقاء و استمرار الذرية: الاكل، المسكن ،الملبس…..التربية….بعد هذه التلميحات العامة، أعتقد أن الحوار و التصريح بالمشاعر ….و خصوصا التصريح للأبناء محدودية دورهم و أنهم ليسوا بملائكة الخلق السليم…و أن دورهم هو مسؤوليتهم هو توفير الشروط المادية، النفسية و التربوية لايصال الابناء إلى “الاستقلالية” ( المادية، المهنية، النضج النفسي و السلوكي ..)
حينما أتحدث عن الأب..أقصد الأب و الأم معا.شكرا
جممميل جداً… لامس قلبي ومشاعري