إيران وأمريكا بوابة النووي ومحددات الصفقة الكبرى

تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن قبلة واحدة على خد عدو ما لا تعني بالضرورة ليلة رومانسية حمراء، ربما تغير التاريخ، كذلك تبدو الجمهورية الاسلامية الايرانية على يقين بأن تبادل رسائل غرامية علنية مع ألد أعدائها لن تقود بالضرورة إلى انهيار التحالفات أو تصدع الايديولوجيا. بهذا المنطق تقترب أمريكا من ايران، في إطار محددات إستراتيجية للبيت الأبيض وتوصيات دقيقة من البنتاغون والسي اي ايه، كذلك تطرق طهران الباب الأمريكي بحذر قد يشكل بداية تفاهمات أولية على طريق الدور الاقليمي الذي تريده طهران وتعمل عليه منذ قرابة عشرين عاما.
كلا الطرفين يعرف جيدا أن البوابة الأولى لكل ذلك هو نجاح المفاوضات الشاقة الجارية بين ايران ودول مجموعة 5+1، إن نجحت هذه المفاوضات تكون طهران وواشنطن قد عبرتا المرحلة الاولى والتأسيسية باتجاه مفاوضات غير خجولة، تطرح فيها القضايا الأكثر أهمية بالمعنيين الاقليمي والدولي. يسوق الأمريكيون لفكرة أن آلام العقوبات المفروضة على إيران دفعتها للتقارب مع أمريكا، باعتبار رفع العقوبات وفك عزلة الاقتصاد باتت حاجة إيرانية ملحة في عهد الرئيس حسن روحاني، بينما تروج طهران أن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون مضطرة للقبول بدور ايراني إقليمي معلن، إذا ما أرادت النجاح في إعادة ترتيب شؤون الشرق الأوسط والتحكم بمقود أزماته التي تتكاثر بشكل عجائبي، قد يصح أن يكون هذا الكلام جزءا من المعادلة، لكنه بالتأكيد ليس المعادلة كلها، إذ يبدو ذلك واضحا في حرص طهران وواشنطن على إنجاح المفاوضات في جنيف بعيدا عن فكرتي التنازل والتفريط. صحيح أن القيادتين الايرانية والامريكية تتحدثان عن تغييرات تكتيكية في هذه المرحلة، لكن لا يمكن فهم التقارب الايراني ـ الأمريكي بعمق إلا من زاوية أنه انعطافة استراتيجية غاية في الأهمية فرضتها محددات واقعية على رقعة المنطقة والعالم.
كثيرة هي شطحات جيوش المحللين والمراقبين والخبراء حين يتحدثون عن هذا التقارب، لكن قد يلتقي جميع هؤلاء في طهران وواشنطن ومن لف لفهم عند خمسة محددات كانت وراء هذا التغيير في عقلية ساكني البيت الأبيض والدائرة الضيقة لمرشد الجمهورية الاسلامية:
1 ـ أمريكيا، يبدو الأمر أشبه باعتراف واضح بتراجع استراتيجية التغيير من الداخل إلى الصفوف الخلفية، وهذا مرده الخطأ في الحسابات حين كانت الولايات المتحدة وجزء من العالم ينتظرون النسخة الفارسية من الربيع الذي ألهب بعض عواصم العرب، لكن الجميع بمن فيهم البعض في الداخل الايراني تفاجأ بنزول أكثر من 70 في المئة من الايرانيين إلى الشارع ليس للتظاهر والمطالبة باسقاط النظام، بل للمشاركة في انتخابات رئاسية جاءت بحسن روحاني رئيسا للبلاد، وروحاني هو أحد أكثر المخلصين للنظام الايراني وولاية الفقيه وللمرشد آية الله علي خامنئي، هذا الاخراج الايراني المدروس بعناية فائقة وجه رسالة واضحة بأن الربيع العربي وإن شكل خطرا على المنطقة وبعض أنظمتها، لكنه ليس كذلك بالنسبة للايرانيين، بل على العكس ربما شكل ساحة عملية كي تمارس طهران دورها الاقليمي وتفرضه على الجميع في المنطقة والعالم.
2 ـ هذا التغيير المفاجئ في ايران تبعه تغير أكثر أهمية في بنية العقل الحاكم تمثل بخطاب الرئيس الجديد روحاني ووقوف المرشد خلفه وهو ينتقل بالخطاب من التشدد إلى الاعتدال ومن المواجهة إلى الحوار، ويقدم الجمهورية الاسلامية على أنها واحة الديمقراطية والاستقرار في شرق أوسط تنهشه الفوضى والاضطرابات، ويعاني من ثورات شعبية مصادرة وانهيار أنظمة وصعود متسارع لاسلاميين غير معجبين بنهج الديمقراطية، كل هذا حيد وبشكل كبير الخيار العسكري في التعامل مع البرنامج النووي الايراني، ووضع فكرة الضربة الجوية الخاطفة للنووي الايراني جانبا، باعتبارها لم تعد خيارا عمليا، وهذا بدوره سبب تصدعات في إجماع الدول الغربية بشأن نوايا ايران النووية، الشيء الذي استثمره الايرانيون جيدا، حين بدأ الرئيس روحاني وفريقه المفاوض بالتعامل مع كل دولة على حدة وفق مبدئي المصالح المشتركة والمغريات الاقتصادية.
3 – على الجبهة الايرانية وجدت طهران نفسها معنية بوضع شعار الموت لأمريكا جانبا ولو مؤقتا، وهي ترقب بروز فرصة ذهبية لعقد صفقة نووية تؤمن لها اعترافا دوليا بطموحاتها النووية، عبر دخول نادي الدول النووية، فضلا عن رفع العقوبات الدولية المفروضة على الاقتصاد الايراني التي أرهقت الايرانيين بشكل متزايد، خاصة خلال الأربع سنوات الأخيرة.
4 ـ إيرانيا أيضا تراقب طهران عن كثب عملية التحضير الامريكي للانسحاب من أفغانستان في الربع الأول من العام المقبل، وتلعب على أوتار أن الأمريكيين بحاجة إلى طمأنة بأن ايران لن تسعى لسد الفراغ الأمني هناك، وإعادة التجربة العراقية من خلال السيطرة على سير العملية السياسية في أفغانستان. بالمقابل يريد الايرانيون طمأنات ما بأن قاعدة باغرام التي سيحتفظ بها البنتاغون في أفغانستان لن تكون بالدرجة الأولى موجهة ضد الأمن القومي الايراني. وهنا قد يكون تفكير البعض في أمريكا مقبولا وهو ينظر بأنه لن يعد كافيا أن تعتمد واشنطن على السعودية فقط لحماية مصالحها الشرق أوسطية، كما أنه لم يعد كافيا أن تقود إسرائيل المصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة أن الحرب على الارهاب واحتلال العراق وأفغانستان والانسحاب منهما في ما بعد وتبعات الربيع العربي غيرت كثيرا في شكل ومضمون المصالح الأمريكية الحيوية في منطقة الشرق الأوسط.
5 ـ من غير المقبول أن تمر طهران مرور الكرام هكذا ببساطة على حديث واشنطن بشأن عزمها نقل ثقلها العسكري جزئيا من الشرق الأوسط باتجاه جنوب شرق آسيا للتمركز قرب العملاق الصيني، فتلك فرصة نادرة للايرانيين كي يكونوا أصحاب اليد الطولى في المنطقة، لكن ذلك منوط بالوصول إلى تفاهمات واضحة مع واشنطن وتقديم ضمانات بدور منضبط وعقلاني لا يغير التوازنات الكبرى، خاصة تلك المتعلقة باسرائيل وحدود الدور الاقليمي الايراني.
بالاعتماد على ما يجري حتى الآن يبدو منطق الصفقة وتقاسم الأدوار في الشرق الأوسط أكثر واقعية من عقيدة التطبيع، فك الاشتباك بين طهران وواشنطن في الملف النووي سيكون البوابة الأولى لأي صفقة قادمة وسيسمح للطرفين بالانتقال من رقصة سامبا جماعية مسرحها المفاوضات بين ايران ودول 5+1 إلى رقصة تانغو ثنائية، من دون أن تنتهي بقبلة حب ووفاء بين الشيطان الأكبر، كما يردد الايرانيون وآخر دول محور الشر وفق تصنيف إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش .

‘ كاتب فلسطيني متخصص في الشؤون الايرانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فارس خورشيدي المانيا:

    قول الكاتب بان سبعين بالمئة من الإيرانيين ذهبو للانتخابات هوقول غير صحيح تماماً لان الأغلبية الساحقة في ايران هي ضد نظام الحكم اما سبب بقاء واستمرا هذا النظام هو غباء وحمق الأمريكان

اشترك في قائمتنا البريدية