طهران ـ ‘القدس العربي’: لم يكن الشيخ هاشمي رفسنجاني ليقبل بزيارة السفير السعودي الجديد المعين في طهران عبد الرحمن الشهري بهذه الحميمية والعلنية لو لم يكن قد هيأ لها داخل بيت النظام والدائرة الضيقة للمرشد الأعلى، كما لم يكن السفير السعودي ليطبع قبلة على جبين رفسنجاني ما لم تكن مقصودة وعابرة للحدود وقادمة من الديوان الملكي مباشرة، كذلك لم يكن السفير الجديد مضطرا ليقول كلاما كالذي خاطب به رفسنجاني لو لم يكن متأكدا شكلا ومضمونا بأن لدى رفسنجاني رغبة ما والقدر الكافي من القدرة للتحرك عمليا على الأرض.
واضح أن ما جرى يؤشر أن لدى طهران رغبة حقيقية في فك الاشتباك مع السعودية ولدى الرياض توجه جديد لاعادة رسم قواعد اللعبة الثنائية وإمتداداتها الاقليمية دون الحاجة إلى إطفائي يبقى مستنفرا بشكل دائم .
الشيخ رفسنجاني نفسه كان قد قال قبل أشهر قليلة بأن أي زيارة له للسعودية لابد وأن تستبق بلقاءات وجلسات خاصة لخبراء من كلا الطرفين لتحديد ما الذي يريده كل طرف من الآخر، فضلا عن وضع الخطوط الحمر لكل طرف وتعهد الطرف الآخر بمراعاة هذه الخطوط . في إيران من يعتقد ولو بحذر بأن زيارة السفير السعودي لرفسنجاني مؤخرا لم تكن خارج هذا السياق، فالسفير عبد الرحمن الشهري وبعد ان طبع قبلة على جبين رفسنجاني خاطبه بالقول ‘ لديكم منزلة خاصة عند المسؤولين والشعب في السعودية، وأنا أحمل لك سلاما خاصا من العاهل السعودي ودعوة جديدة من ولي العهد لزيارة المملكة، فالسعوديون بانتظار قدومكم’.
قبل أيام ساقتني الصدفة للجلوس مع أحد المقربين من الدائرة الضيقة للشيخ هاشمي رفسنجاني وخلال حديث تناول توصيف العلاقة بين الرياض وطهران كشف الرجل أن رفسنجاني حصل على ضوء أخضر مبدئي من المرشد الأعلى آية الله السيد علي خامنئي للبدء عمليا بالتحضير لتسوية ما مع السعودية على قاعدة إخراج العلاقة الثنائية من حيز المواجهة العلنية التي إتخذت أشكالا دموية في بعض جوانبها إلى ساحة المنافسة الاقليمية التي تراعي الخطوط الحمر لكل طرف، وحسب الرجل فإن رفسنجاني طلب من المرشد الأعلى دعما علنيا لأي خطوة قد يتم تحقيقها مع السعوديين في مرحلة قادمة وذلك للتخفيف من حدة أي إنتقادات داخلية للمحافظين المتشددين قد تستهدف رفسنجاني والعلاقة مع السعودية وخط المصالحة الذي تتبناه حكومة الرئيس حسن روحاني ‘.
في التفاصيل كشف الرجل ما هو أبعد من ذلك حين تحدث عن خطة أولية وضعها فريق الشيخ رفسنجاني لتهيئة الأرضية لخطوة عملية قادمة قد تنتهي بزيارة تاريخية لرفسنجاني إلى المملكة السعودية ولقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز، والخطة تشمل نقاط ثلاث رئيسية:
1 ـ وقف كل أشكال الاستهداف الاعلامي والحملات الصحافية المتبادلة بين الطرفين وهذا يتطلب وضع أكثر الملفات الخلافية جانبا بشكل مبدئي لصالح الحديث على أهمية المصالحة بين الطرفين في بعديها الاسلامي والاقليمي.
2 ـ التركيز على إعادة الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين إلى الواجهة عبر التذكير بأهمية تفعيلها وتعويمها إعلاميا كأحد المشتركات التي باتت نادرة جدا بين طهران والرياض .
3 ـ القيام بخطوات أولية تؤكد حسن النوايا لرفع منسوب الثقة المتدني جدا بين البلدين، وهنا يفضل الايرانيون البدء بالملفات السهلة بالمعنى الاقليمي وربما يكون الملف اللبناني هو الاكثر ترجيحا بحيث تعمل طهران والرياض على تسهيل عملية إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بعيدا عن تبني سيناريوهات صدامية أو إنتقامية . في العلاقة الثنائية يطرح الايرانيون زيادة نسبة الزوار والحجاج القادمين من ايران لهذا الموسم والاهتمام أكثر بهذا الملف الذي يحظى بمتابعة من مؤسسات النظام الأساسية ما يعني إيصال رسالة ايجابية للقيادة في طهران .
حين وصلنا للحديث في ملفات السياسة المشتعلة بين الرياض وطهران في أكثر من بقعة على خريطة الشرق الأوسط الملتهبة أخذ تفاؤل المسؤول الايراني السابق منحى الحذر، فمن كان يوما مستشارا لرفسنجاني في زمن توقيع الاتفاقية الأمنية مع السعودية وحضر جل الاجتماعات يؤكد أن رفسنجاني والنظام في ايران يريدان فك الاشتباك مع السعودية عبر إتفاقيات وتفاهمات ثنائية وفق مبدأ فصل الملفات بعضها عن بعض، يقول الرجل أن ذلك قد يبدو سهلا نوعا ما في كل من العراق والبحرين ولبنان، وهنا يفترض أن الصعوبة ستبدأ من الملف اليمني وربما تتحول إلى معضلة غاية في التعقيد عندما يفتح الطرفان الملف السوري، فاذا كان اليمن يشكل عقدة في منشار المصالحة بين البلدين فان سوريا هي عقدة العقد ما لم تكن كل العقد مجتمعة في ملف واحد.
في الملف اليمني يفترض الرجل إن العقدة تكمن في أن السعودية تعتبر قضايا جارها الداخلية جزءا من أمنها القومي وتعتبر أن اللعب على هذا الوتر يعتبر خطا أحمر، في المقابل ترى طهران أنه من الضرورة بمكان إشراك المكون الحوثي في الحكم الجديد لليمن في حال كان الهدف صناعة يمن مستقر بلا منغصات إقليمية . في الملف السوري يقول المسؤول الايراني السابق إنه لا يرى مجالا للتفكير في التحرك إنطلاقا من المشتركات بين البلدين فهي غير متوفرة، فهناك المعركة طاحنة بين الجهاد المقدس السني والواجب الجهادي الشيعي وكلا البلدين غير مستعد لتقديم تنازلات حقيقية، فسوريا بما هي عليه اليوم باتت أشبه بماء الوجه بالنسبة للسعودية، فالمنتصر هناك سيكون منتصرا بالمعنى الاقليمي، أما المهزوم فعليه تقديم تنازلات والتراجع في أماكن أخرى . لا ايران مستعدة للتفريط في دورها في سوريا ولا السعودية مستعدة لقبول مثل هذا الدور، ويضيف بأن عقبة أخرى تبرز في طريق هذا الملف وهي التباين ـ صحيح أنه بسيط لكنه موجود ـ بين الرأي الرسمي المعلن لايران بخصوص كل ما يجري في سوريا ورأي الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يعتقد بأن لم يكن ينبغي تحويل سوريا عنوانا للمواجهة بالأخص بين ايران والسعودية.
في التحليل رمى الرجل اعتقادا بأن طهران لن تعارض حلا يقوم على الوقوف في منتصف الطريق، يبدأ ذلك بإعتراف الرياض بأن مشروع إسقاط الرئيس الأسد قد فشل عمليا وأن بقاءه بات جزءا من الحل، في المقابل تقبل طهران بأن تقدم المعارضة رئيسا للوزراء يعقبه تعديل دستوري يقلص صلاحيات الرئيس لصالح رئيس الوزراء، ختم كلامه بالقول إن ذلك يبدو غير مقنع للسعودية، على الاقل حتى الآن.
كثيرة هي الأسباب التي تدعوك للاعتقاد بأن السعودية رمت الكرة في الملعب الايراني حين عينت سفيرا جديدا لها في طهران، وكثيرة هي الأسباب التي تدفع الايرانيين للظن بأن الشهري ليس مجرد سفير عادي بل هو شخص منتخب بعناية ومختار بدقة، فالرجل محاضر سابق في مجالات الأمن القومي ومتخصص في محاربة الارهاب الدولي، فضلا عن كونه مسؤولا أمنيا في الخارجية السعودية يحمل رتبة عقيد ومتخصص في أمن المعلومات . كل هذا يجعل من الشهري سفيرا أمنيا أكثر منه دبلوماسيا يمثل الخط السياسي فقط، وهذا ما جعل الايرانيين يعتقدون بأنه الشخص المناسب في الوقت المناسب والمكان المناسب . يقرأ الايرانيون ذلك بأنه رغبة سعودية واضحة لاعادة تعريف العلاقة مع طهران وفق قواعد أمنية بالدرجة الأولى إنطلاقا من التركيز على أربعة معطيات ستحكم أي تطبيع قادم للعلاقات بين البلدين:
1 ـ نتائج وتبعات الربيع العربي الذي أشعل المسافة برمتها بين طهران والرياض من سوريا إلى لبنان إلى العراق والبحرين واليمن مرورا بمصر ووصلا إلى المنطقة الشرقية في السعودية والحدود الايرانية الباكستانية.
2 ـ الاتصال الهاتفي بين الرئيس حسن روحاني ونظيره الأمريكي باراك أوباما وإعلان إنطلاق قطار التقارب بين الايرانيين وواشنطن وهذا أيقظ المخاوف السعودية من دور إقليمي لايران معترف به أمريكا .
3 ـ توقيع الاتفاق التاريخي بين ايران ودول 5+1 بشأن الملف النووي ما يعني خروج هذا الملف من التجاذب بين الطرفين وتفرغ طهران لبناء دور اقليمي حقيقي بمعطيات جديدة .
4 ـ خروج فكرة الضربة العسكرية الخاطفة من دائرة الخيارات المطروحة للتعامل مع النووي الايراني وفتح المجال أمام الدبلوماسية، ما يعني خلق جار نووي للسعودية لطالما وصفت العلاقة معه بالتنافسية .
تبدو مهمة السفير السعودي في طهران خاصة وصعبة، مع ذلك يميل كثيرون إلى أن مهمة الشيخ رفسنجاني ستكون أكثر صعوبة، صحيح أن في جيب عباءته أهم المفاتيح لتجاوز سوداوية الوضع الراهن في العلاقة مع الرياض، لكن قد لا يكفي تسلح رفسنجاني بمشروعية الثورة الاسلامية وولاية الفقيه وثقة الديوان الملكي السعودي، فالعلاقة مع السعودية تجاوزت ـ في سوريا على الأقل ـ حدود المحظور.
Good article
من إحسن المقالات شکرا للکاتب المخضرم ونحن بدورنا نتمنی تحقیق هذا الاقتراب اللی بدوره یقلل من رکام المشاکل و االأزمات المتفاقمه في بلادنا العربیة الاسلامیة و یا لیتک حدثتنا عن الملف العراقی المهم للطرفین