إيران وحماس… حديث الصقور وأفكار العقلاء

حنين حركة حماس إلى جذورها الإخوانية في زمن الربيع العربي أفقدها جزءا من توازنها الذي طالما أتقنت اللعب على أوتاره عربيا وإسلاميا. وتشدد إيران في الزمن ذاته أفقدها أيضا شيئا من براغماتيتها التي طالما ميزت تحركها السياسي في المربعات الخطرة. فقدت حماس بعضا من توازنها وأضاعت إيران جزءا من براغماتيتها، هكذا دخلت علاقة الطرفين حقلا من الألغام ليس سهلا الخروج منه. الحقيقة الوحيدة اليوم التي لا تزال صامدة هي أن الايرانيين لن يقطعوا علاقتهم كليا بحركة المقاومة الاسلامية حماس فذلك سيكون تهورا لا مبرر له، وحماس ستقوم بخطوات سريعة وواسعة بهدف ترميم العلاقة مع الجمهورية الاسلامية، وعكس ذلك سيكون انتحارا حمساويا غير محسوب النتائج. خارج سياق هذه الحقيقة تبدو المعادلة ضبابية، إذ يمكن الحديث عن أي شيء وفي كل شيء، لكن ضمن مساحة محكومة بمقولة ربما.
بعد سوريا وأزمتها الدموية، بات الطريق بين طهران وغزة ملغما بمخاوف تبدو مشروعة ولها ما يبررها في سلوك الجانبين، فايران تتحدث عن مستجدات في سلوك قيادة حركة حماس تستدعي التريث، وربما وضع علاقات استفهام حول خيارات الحركة الراهنة واستمرار انتساب الحركة لمحور المقاومة، وفق التعريف الايراني لمصطلح المقاومة، انطلاقا من تزعم طهران لهذا المحور في المنطقة. لدى إيران تخوف ما من الحميمية المفاجئة التي طغت على العلاقة بين رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل والرئيس الفلسطيني محمود عباس، البعض في القيادة الايرانية يجد صعوبة في تفهم الخلطة الحالية بين بندقية حماس وسلام أبو مازن، خاصة إذا ما أضفنا إليها التحسن الطفيف في العلاقة بين الحركة والأردن. في طهران من يذهب أبعد من ذلك ويرفع السقف حين يختصر كل شيء بأن ثقة الايرانيين بخالد مشعل تدنت وباتت ملوثة بالشك والريبة.
في المقابل لدى حماس هواجسها، فموقف الحركة من الأزمة السورية – بغض النظر عن صوابيته من عدمه – واستمرار قيادة الحركة بتبني هذا الموقف قد يدفع المتشددين داخل القيادة الايرانية للعب على وتر حماس الداخل وحماس الخارج، أي حماس المكتب السياسي في الخارج وحماس كتائب القسام في الداخل. صحيح أن حركة حماس تنفي دائما وجود أي خلافات داخلية، لكن ذلك قد لا يبدو دقيقا حين يتعلق الأمر بالعلاقة مع دولة كايران، فالاختلاف بالرأي والتباين حاضر ما لم نقل انه قابل للتحول إلى خلاف داخلي عميق، في حال استمر الوضع على ما هو عليه. حماس متوجسة من أن تتخذ طهران قرارا باستمرار الدعم المالي والعسكري، لكن على قاعدة أن تتراجع الحركة إلى الصفوف الخلفية من محور المقاومة لتفسح المجال أمام من لا يؤمنون بأي حل سياسي أو تسوية للقضية الفلسطينية، بمعنى آخر لمن يؤمن بتعريف طهران للمقاومة ومشروعية آلياتها في المواجهة مع إسرائيل.
من يتبنى سيناريوهات كهذه في إيران يبرر ذلك بأن حركة حماس خذلت الجمهورية الاسلامية في أكثر من منعطف، بدأ ذلك حين غردت حماس خارج سرب محور المقاومة في المنطقة، واعتبرت أن انتفاضة الشعب السوري هي ثورة شعبية بوجه الظلم والديكتاتورية. يصر الايرانيون على أن موقف الحركة كان خطأ استراتيجيا في الحسابات، بينما ترى حماس أن موقفها ينسجم مع مبادئها كحركة مقاومة وطنية تتخذ من الاسلام مشروعا سياسيا. ازدادت حدة التشنج بين الطرفين، حين هدد الاسرائيليون بقصف المنشآت النووية الايرانية، وردت طهران بأن ذلك سيفتح أبواب جهنم على اسرائيل، فالمقاومة في لبنان وغزة لن تقف مكتوفة الأيدي .هنا جاء موقف حركة حماس ملتبسا وغير واضح، حين صدر منها كلاما اعتبر أن الحركة لن تكون جزءا من أي معركة بين ايران واسرائيل، في ما بعد نفت قيادة الحركة تبنيها موقف كهذا، لكن ذلك لم يقنع الايرانيين بالكامل. اليوم تقرأ طهران المصالحة بين حماس وقيادة السلطة الفلسطينية بأنها هروب إلى الأمام، صحيح أن طهران باركت المصالحة، لكن تلك المباركة هي من إيران الدولة وليس من إيران الثورة والحرس الثوري، مباركة المصالحة جاءت باعتبار المصالحة مشروعا وحدويا داخل البيت الفلسطيني وليس مشروع مواجهة جديدا ضد إسرائيل يقدم المقاومة السياسية على نظيرتها العسكرية. ثلاثية الخذلان هذه تصطدم بموقف حمساوي متمسك بمقولة لطالما رددتها كل حركات التحرر والمقاومة الفلسطينية، تتمثل بأن الحركة ليست بندقية للايجار، وعليه فإن الدعم الايراني بالدرجة الأولى هو دعم لحركة تقاوم إسرائيل، ولا ينبغي له التحول إلى عملية ضغط وابتزاز لشراء موقف الحركة السياسي في عمقها العربي والاسلامي.
في حال وضعنا حديث الصقور جانبا فأغلب الظن سيكون أن عقلاء الطرفين لديهم سيناريو آخر. في إيران عقلاء يتحدثون بأن الجمهورية الاسلامية لا تتعامل مع أعضاء محور المقاومة حتى لو أخطأ أحدهم – عبر زاوية نظر ضيقة وتكتيكية. وفي حماس عقلاء يعتقدون بامكانية تجاوز الأزمة مع الجمهورية الاسلامية، فالحركة ليست الابن الضال، وإيران ليست بيت الطاعة الذي يفرض على حلفائه شروط العودة أو التراجع. هؤلاء يتحدثون اليوم عن سيناريو للحل يبدأ بإفساح المجال أمام حركة حماس باجراء مراجعة لموقفها من الأزمة السورية شرط ان يكون ذلك بتدرج وبهدوء وبالصيغة التي تراها الحركة مناسبة لها، حتى لو بدأ ذلك باجتماعات خلف الأبواب المغلقة وبعيدا عن الاعلام. كلام مثل هذا يتطلب دعما إيرانيا للحركة، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وبدون تصوير القضية وكأن حماس تتراجع وتقر بأنها أخطات خطأ جسيما، ويتطلب أيضا لقاءات سرية بين قيادات الحركة والايرانيين ربما تتوج في النهاية بلقاء يجمع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بأمين عام حزب الله في لبنان السيد حسن نصر الله، إن حدث ذلك سيكون بمثابة ضوء أخضر لنا كي نتوقع زيارة علنية لخالد مشعل إلى طهران ولقاء يجمعه بمرشد الجمهورية الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي .
استبعاد الصقور من الواجهة يحتم تعويم العقلاء، فالمطلوب اليوم هو إدارة حكيمة للأزمة تمنع تعميقها وتكون قادرة على تجميدها بما هي عليه بانتظار نضوج مبررات التحرك باتجاه تقليصها وحلها. أما حديث البعض عن عودة سريعة للعلاقة كسابق عهدها فذلك ضرب من الرومانسية السياسية الحالمة.

كاتب فلسطيني متخصص في الشؤون الايرانية

عبد القادر فايز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الخالد:

    لم يوضح لنا الكاتب ماهو الخطأ الجسيم الذي ارتكبته حماس تجاه النظام السوري عند قوله ” وبدون تصوير القضية وكأن حماس تتراجع وتقر بأنها أخطات خطأ جسيما”؟
    هل لأنها لم تتدخل كحزب الله في قتل الشعب السوري؟
    عندما قال السيد هنية «لا يمكن أن نقف إلى جانب نظام يقتل شعبه. ومن وقف معنا في الحق لا نقف معه في الباطل» فهذا فهو موقف حماس المبدئي.
    لقد أكد السيد هنية أن البوصلة هي فلسطين وليست المحور الايراني عندما قال «لسنا في تحالفات ضد تحالفات، ولا في محاور ضد محاور، المنطقة تموج وهناك ظواهر نسأل الله أن يجنب أمتنا خطرها، ونحن في الداخل والخارج قضيتنا لها مكان إذا تحركت من مكانها وفقدت بوصلتها تتوه في صراع المحاور والتحالفات».
    وقد تبعه الفعل عندما خاضت حماس حرب 2012 ضد اسرائيل بعد فك الارتباط بالنظام السوري وقطع المساعدات الايرانية.
    المقاومة ليست مرتبطة بايران والنظام السوري .

اشترك في قائمتنا البريدية