أثناء نقل رفات الجنود الأمريكيين الذين قتلوا بهجوم طائرة مسيّرة في 2 فبراير 2024- رويترز
لندن- “القدس العربي”: تحت عنوان “غارات الصدمة والترويع الأمريكية ضد وكلاء إيران”، قالت مجلة “إيكونوميست” إن حرب الظل الأمريكية- الإيرانية أصبحت ساخنة، مضيفة أن الغارات الأمريكية على “محور المقاومة” ستتواصل، لكن إلى أي مدى، وهل ستواجه أمريكا إيران في حرب مباشرة؟
وقالت المجلة إن الغارات على أهداف الجماعات الموالية لإيران كانت محتومة بعد مقتل الجنود الأمريكيين في قاعدة بالأردن، الأسبوع الماضي، وحدثت الغارات بالفعل في 3 شباط/فبراير، وقامت مقاتلات بي-1 التي حلّقت من أمريكا بضرب 85 موقعاً في 7 مناطق في غرب العراق وشرق سوريا. وكانت الطلعات متوقعة بعد المسيّرة في 28 كانون الثاني/يناير، وأطلقتها جماعة مؤيدة لإيران على موقع أمريكي في شمال- شرق الأردن.
وقالت البنتاغون إنها استهدفت “الحرس الثوري الإيراني” والجماعات الوكيلة له. وسجل ضحايا، مع أن الصورة غامضة. وشملت الهجمات بلدة القائم، على الحدود العراقية مع سوريا، وبلدة البوكمال السورية على الحدود مع العراق. ووصفَ الرئيس الأمريكي جو بايدن الرد بأنه البداية.
المجلة: يواجه الأردن مشكلة مع الجماعات الموالية لإيران، فهي تهرّب المخدرات عبر الأراضي الأردنية، وتستخدم المملكة كمعبر سلاح إلى الأراضي الفلسطينية
وأشارت المجلة إلى أن إدارة بايدن ركّزت، في نفس الوقت، على المسار الدبلوماسي، حيث بدأ وزير الخارجية أنطوني بلينكن جولته الخامسة منذ اندلاع الحرب في غزة وسيزور فيها السعودية وإسرائيل والمناطق الفلسطينية وقطر ومصر.
وتهدف الغارات لإظهار أن الولايات المتحدة تملك العزيمة، وبدون أن تشعل حرباً مباشرة. لكن هناك الكثير من مظاهر القلق، فقد اشتكى العراق من استهداف الميليشيات على أراضيه، وأن الغارات هي خرق لسيادته، والمنطقة أصبحت على حافة الهاوية.
ووصف مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الشرق الأوسط بـ “المرجل الذي قد ينفجر”.
وتعلق المجلة بأن هذه هي أكبر الغارات التي تشنها القوات الأمريكية ضد “الحرس الثوري” وحلفائه، سواء من ناحية عدد القنابل التي أسقطت، أو المواقع التي ضربت. مع أن الولايات المتحدة لم ترد حتى الآن على أكثر من 160 هجوماً ضد قواتها في العراق وسوريا منذ بداية الحرب على غزة، إلا أنها ردّت بعد مقتل الجنود.
وحتى الآن لم تستجب إدارة بايدن لمطالب الجمهوريين باستهداف إيران مباشرة، وهو أمر لم تفعله منذ الثمانينات، وحتى في ذلك الوقت، ضربت بارجة بحرية ومواقع نفطية على الخليج. ومن خلال تسيير مقاتلاتها من قواعدها الأمريكية، حرمت إيران من المبرر للانتقام من جيرانها.
وقبل الغارات ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن المقاتلات الأردنية ستشارك في الرد، ورفض المسؤولون الأمريكيون والأردنيون التعليق.
ويواجه الأردن مشكلة مع الجماعات الموالية لإيران، فهي تهرّب المخدرات عبر الأراضي الأردنية، وتستخدم المملكة كمعبر سلاح إلى الأراضي الفلسطينية.
والشهر الماضي، ضربت المقاتلات الأردنية مواقع في جنوب سوريا للحدّ من تهريب المخدرات. ومن الصعب تقييم الضرر من الغارات، فقد ظل الأمريكيون، وعلى مدى أسبوع، يطلقون التحذيرات بأن الغارات قادمة، ولم يتبق أرصدة ثمينة تابعة لـ “الحرس الثوري” لاستهدافها. وهناك تقارير عن سحب “الحرس الثوري” عدداً من قادته، حيث استهدفوا بغارات إسرائيلية. وفي تصريحاتهم للصحافيين، لم يتحدث المسؤولون عن ردع إيران، فقد فات أوانه، وبدلاً من ذلك تحدثوا عن إضعاف القدرات العسكرية لجماعاتها حتى لا تكون قادرة على ضرب المصالح الأمريكية.
تقول المجلة إن محاولة ضرب الجماعات المسلحة من خلال غارات جوية قد تتحول للعبة طويلة لملاحقة الخلد في جحوره
ومن المشكوك فيه أن تدمر ضربةٌ أمريكية القدرات العسكرية لجماعات إيران الوكيلة. وهم يحاولون عمل نفس الأمر في اليمن، حيث شنوا في الأول من شباط/فبراير غارات على مواقع تابعة للحوثيين الذين لم يتوقفوا عن ضرب السفن التجارية بالمسيرات والصواريخ أثناء عبورها البحر الأحمر.
وتقول المجلة إن محاولة ضرب الجماعات المسلحة من خلال غارات جوية قد تتحول للعبة طويلة لملاحقة الخلد في جحوره.
وهناك ثلاثة أسئلة حول هذه الإستراتيجية، الأول، كيف ستدير الولايات المتحدة الغارات اللاحقة. وطالما عبّرت إيران عن أملها بإخراج الأمريكيين من العراق وسوريا باستهدافهم عبر ميليشياتها. وهناك إشارات عن مخاوف النظام من جرّه في حرب مباشرة مع أمريكا.
وأعلنت كتائب “حزب الله”، في 30 كانون الثاني/يناير، عن تعليقها الهجمات ضد أمريكا، لكن الميليشيات العراقية تتنافس فيما بينها على القوة والشعبية، وبعضها يستمع لإيران والآخر لا يستمع.
أما السؤال الثاني، فيتعلق بأثر الغارات على الدبلوماسية لوقف الحرب في غزة والإفراج عن الرهائن. ويأمل المتفائلون في الإدارة الأمريكية بأن تؤدي الجهود الدبلوماسية لوضع أسس الدولة الفلسطينية واعتراف سعودي بإسرائيل ومعاهدة أمنية أمريكية- سعودية تعيد تشكيل البنية الأمنية في المنطقة.
وتكشف الغارات عن استعداد أمريكي لاستخدام القوة ضد إيران في بعض الحالات، وبالنسبة لإسرائيل والسعودية وغيرهم الذين يشعرون بالتهديد من طهران، فهي لا تعبّر عن خطة متماسكة، وقد تعقد المفاوضات.
والسؤال الثالث والأخير، هو إنْ كان لهذه الهجمات أن تترك آثاراً غير مقصودة. فالمسيّرة التي ضربت القاعدة الأمريكية نظر إليها بأنها صديقة، ولم يتم تفعيل الدفاعات أو دفع الجنود للملاجئ. وقرّب هذا الخطأ أمريكا وإيران خطوة واحدة باتجاه النزاع، ولا يريد أيٌّ منهما الحرب، إلا أن الحروب تتسم بالفوضى.