إيلون ماسك ودونالد ترامب… بداية النهاية

بعد أسابيع من التكهنات، وفي 22 أبريل الماضي، أعلن الملياردير المثير للجدل، إيلون ماسك، أثناء حديثه في مؤتمر لمناقشة الأرباح الفصلية لشركة تسلا، أن عمله في ما يُسمى بـ»دائرة الكفاءة الحكومة» المعروفة اختصارا بـ(دوغ) قد انتهى تقريبا. وأكد ماسك أنه سينسحب «بشكل كبير» من منصبه في البيت الأبيض في أوائل شهر مايو. لكنه أضاف موضحا: أنه «سيستمر في قضاء يوم أو يومين أسبوعيا في الشؤون الحكومية طالما رغب الرئيس في ذلك، وما دام ذلك مفيدا». إلا أنه بحلول نهاية مايو الجاري ، سينتهي الحد الأقصى الصارم البالغ 130 يوما لخدمة إيلون ماسك كموظف حكومي خاص.
لقد كان دور ماسك في إدارة ترامب فريدا من نوعه في التاريخ الحديث للولايات المتحدة الأمريكية، فلم يسبق أن عيّن الرئيس أغنى رجل في العالم لتصفية الوكالات الفدرالية، التي تُشرف على أعمال الإدارات الحكومية. وقد اكتسب ماسك نفوذا واسع النطاق نتيجة عمليات التفكيك الجذري للمكاتب الحكومية، إذ ساهم مع فريقه في ترسيخ أدوار رئيسية في مختلف الوكالات الفدرالية، وحصل على بيانات شخصية لملايين الأمريكيين، وسرح عشرات الآلاف من الموظفين. وباتت شركة «سبيس إكس»، التي يشغل ماسك منصب الرئيس التنفيذي فيها، تستعد الآن للاستحواذ على عقود حكومية محتملة بمليارات الدولارات. وقد خلّف ماسك وراءه فوضى عارمة في المكاتب الحكومية كافة، بينما زرع حلفاءه في الإدارات الحكومية المهمة، الذين من المرجح سيساعدونه على تحقيق الأرباح المليارية، والحفاظ على سلطته الجديدة مستقبلا.

اكتسب ماسك نفوذا واسع النطاق نتيجة عمليات التفكيك الجذري للمكاتب الحكومية، إذ ساهم مع فريقه في ترسيخ أدوار رئيسية في مختلف الوكالات الفدرالية، وحصل على بيانات شخصية لملايين الأمريكيين

يبدو أن تحركات ماسك السياسية والاجتماعية مدفوعة بقوتين متنافرتين، الأولى هي كراهيته العميقة لما سماه «فيروس العقل الواعي»، الذي يُلقي باللوم عليه في ابتعاده عن ابنته الكبرى، فيفيان جينا ويلسون، المتحولة جنسيا، واليسارية، والناشطة في الدفاع عن حقوق المتحولين جنسيا على منصات وسائل التواصل الاجتماعي. إذ قال ماسك في مقابلة أجريت معه العام الماضي، «إنها ميتة بالنسبة لي»، وادعى أنه «خُدع» ليوافق على علاج طبي هرموني يؤكد تحولها الجنسي عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها. ويبدو أن هذه الصدمة الشخصية قد غذّت تحالفه مع اليمين الشعبوي، وموقفه العدائي تجاه «حرية التعبير» التي اكتسبتها ابنته، ونمّت ميولها اليسارية في أجواء الجامعة التي درست فيها.
أما القوة الدافعة الثانية في سلوكيات ماسك فهي ولعه الطفولي بالخيال العلمي، إذ يشير أشلي فانس، الذي كتب سيرة إيلون ماسك، إلى أن الطفل إيلون نشأ في جو انعزالي في جنوب افريقيا في سبعينيات القرن الماضي، إبان ذروة سياسات الفصل العنصري. وإن التأثير الأكبر على بلورة شخصيته، حسب فانس، كان ثقافة الأفريكان البيض المنتشرة بشدة في مدينة بريتوريا والمناطق المحيطة بها. حيث كانوا يحتفون بالسلوكيات الذكورية النمطية المبالغ فيها، وكانوا يحترمون الرجال الرياضيين الأقوياء. ومع أن ماسك كان يتمتع بامتيازات خاصة، إلا أنه عاش حياته كغريب ذي شخصية متحفظة وميول عبقرية خالفت السلوكيات السائدة في ذلك الوقت، الأمر الذي دفعه بشكل واضح إلى أن يكون مراهقا غريب الأطوار، انعزاليا، مهووسا بالخيال العلمي، يحيط نفسه بهالة متخيلة من البطولة التي سيحقق عبرها انتصارات الإنسانية في غزو الفضاء وفي تحقيق آمال البشرية المنعقدة عليه، كل ذلك الهوس خلق في داخله بذرة شخصية ديكتاتورية حيث يعتقد أنه المخلص المبعوث لإنقاذ البشرية. قبل اسبوعين صرح ماسك قائلا، إنه يريد ترك الساحة السياسية لأنه «سئم» من هجمات اليسار (وليس لأن نفوذه في الإدارة بدأ يتضاءل، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز). ويُعد هذا تحولا عن التصريح الذي أطلقته المتحدثة الصحافية باسم البيت الابيض كارولين ليفيت في وقت سابق بداية شهر أبريل، والذي أشارت فيه الى أن «أي تقرير صحافي يشير إلى مغادرة ماسك لإدارة (دوغ) هو محض هراء». بعد أن زعم ​​تقرير حصري لموقع «بوليتيكو» أن دونالد ترامب أبلغ دائرته المقربة وأعضاء حكومته أن، إيلون ماسك سيتنحى عن منصبه في البيت الأبيض في الأسابيع المقبلة. وقد لجأت ليفيت إلى منصة أكس لنفي التقرير، مضيفة: «صرح كل من إيلون ماسك والرئيس ترامب علنا، أن إيلون سيترك الخدمة العامة كموظف حكومي خاص عندما يكتمل عمله الرائع في إدارة(دوغ)».
تبدى الجزء المرعب من شخصية ماسك سريعا بعد تشكيل إدارة (دوغ)، ففي مؤتمر العمل السياسي المحافظ (CPAC) في 23 فبراير الماضي، وقف على المنصة مرتديا قبعة سوداء تحمل شعار ترامب (لنجعل من أمريكا عظيمة مرة أخرى MAGA) ونظارة شمسية وسلسلة ذهبية، وهو يحمل بسعادة منشارا كهربائيا أهداه إياه خافيير ميلي الرئيس الأرجنتيني الشعبوي اليميني. وقال: «هذا المنشار الكهربائي لمعالجة البيروقراطية! لقد أصبحتُ ميما». تصدرت الأيام الأولى لإدارة (دوغ) عناوين الصحف لاستهدافها أعدادا كبيرة من موظفي الحكومة بتسريحهم ودفع آخرين إلى الاستقالة، حيث تلقى أكثر من مليوني موظف رسالة بريد إلكتروني في 28 يناير بعنوان «مفترق طرق» تشجع الموظفين على الاستقالة. أصبحت رسائل البريد الإلكتروني، التي سألت: «ما الذي أنجزته هذا الأسبوع؟»، بمثابة توقيع ماسك ومكتبه الجديد، حيث أُرسلت مرارا وتكرارا كلما بدأ الموظفون في اصطياد مجموعة جديدة من موظفي الحكومة. في البداية، بدا أن (دوغ) وماسك يتحركان بسرعة تفوق قدرة النظام القضائي على الاستجابة، إذ قاما بتقليص وتدمير الوكالات الحكومية. ومع ذلك، مع بداية شهر مارس تقريبا، بدأ العديد من القضايا القضائية تُصدر أحكاما حدّت من تسريح (دوغ) للعمال ومنعت مؤقتا وصول موظفيها إلى البيانات. وحكم القضاة بأن إدارة ترامب بحاجة إلى إعادة العمال الموقوفين الذين فصلتهم، وقيدوا وصول بعض موظفي (دوغ) إلى قواعد البيانات في وكالات مثل إدارة الضمان الاجتماعي، وأمروا فريق ماسك بتسليم السجلات الداخلية التي كانت تسعى إلى الحفاظ على سريتها. في حين شنّ ماسك حملة ضد القضاة الفيدراليين، الذين كانوا يُشددون الرقابة ويفرضون المزيد من الشفافية على (دوغ)، كما بدأ في ضخّ الأموال في سباق انتخابي للمحكمة العليا في ولاية ويسكونسن، الذي كان من شأنه أن يُرجّح كفة الهيئة القضائية في الولاية نحو المحافظين. إذ خصص الملياردير أكثر من 20 مليون دولار لانتخاب قاضٍ محافظ، وهو ما ادعى أنه أمر حاسم «لمستقبل الحضارة».
وشهدت علاقات إيلون ماسك توترا مع العديد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين، مثل خلافاته الحادة مع وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير النقل شون دافي، وعدد من كبار موظفي ترامب. وورد أنه دخل في مشادة كلامية شبه جسدية مع وزير الخزانة سكوت بيسنت في الأسابيع الأخيرة، ووصف علنا كبير مستشاري التجارة بيتر نافارو، مهندس سياسات ترامب الجمركية، بأنه «أغبى من كيس من الطوب». الأمر المذهل هو أنهم جميعا لم يفعلوا أي شيء تجاه تجاوزات ماسك، كل ما فعلوه حرفيا هو استسلامهم لتدمير كل شيء. إذن هل أُنجز إيلون ماسك المهمة؟ مع غموض هدف (دوغ) خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أصبح هدف ماسك المعلن في البداية، والمتمثل في خفض أكثر من تريليون دولار من الميزانية، بعيدا عن الأنظار. بدلا من ذلك، غيّر ماسك أهدافه، قائلا إنه يتوقع تحقيق وفورات قدرها 150 مليار دولار هذا العام – وهو جزء بسيط من هدفه الأصلي وأثر طفيف على الميزانية الفدرالية الإجمالية. وقد يكون هذا الرقم وهما أيضا، إذ أن إحصاء إدارة (دوغ) لما وفرته من أموال مليء بالأخطاء والحسابات غير الدقيقة بشكل مثير للضحك. كما يمكن أن يهدر جزء كبير من أموال (دوغ) بسبب تكاليف الدفاع عن نفسها في المحكمة والخسائر المرتبطة بعمليات التسريح الجماعي للعمال.
وهنا تجدر الاشارة إلى أن التوترات بلغت ذروتها قبل حوالي شهر، عندما أخبر ترامب الوزراء إثناء اجتماع مجلس الوزراء في 6 مارس أنهم مسؤولون عن إجراء التخفيضات في وكالاتهم وليس إيلون ماسك. كما ذهب الرئيس ترامب أبعد من ذلك في هذا الاجتماع عندما أكد قرب انتهاء دور ماسك الدائم في البيت الأبيض. وقد شعر بعض الوزراء بالارتياح، وفقا لمصادر مطلعة، لكن إشادة ترامب بصديقه الملياردير المثير للجدل كانت صادقة. فعلى الرغم من علاقتهما المتقلبة، يُصرّ المطلعون على أن إيلون ماسك سيظل دائما محل تقدير كبير في قلب الرئيس، حتى إن لم يكن في إدارته.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الشامي:

    الصين قادمة هناك قشة تغطي التفوق الأمريكي الغربي الذي أصبح هزيلا هرما وسينكشف القناع ويحرك الهواء القشة لنرى انهيارات ضخمة لا تخطر في بال المحللين المتفلسفين

اشترك في قائمتنا البريدية