بغداد- رائد الحامد
في سياق حراك إقليمي أوسع شمل دولا أخرى مثل السعودية والإمارات، وقّع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، اتفاقا “أمنيا” مع نظيره العراقي قاسم الأعرجي، بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وغياب وزيري خارجية البلدين.
والاتفاق الموقع في بغداد في 19 مارس/ آذار الجاري، هو ثمرة مشاورات ثنائية استمرت لأشهر بين البلدين، بحسب بيان لمجلس الأمن القومي الإيراني.
وبشكل كبير، وفقا للبيان، سيُسهم الاتفاق بتقليص واحتواء التحديات الأمنية التي “يرفضها” البلدان، في إشارة إلى مجموعات معارضة إيرانية مسلحة تتخذ من أراضي إقليم كردستان شمال العراق مقرا لها.
في المقابل، لم يعلن مكتب السوداني أي تفاصيل بشأن الاتفاق، أو يعلق على البيان حول الجماعات الإيرانية المعارضة لنظام الحكم في طهران.
واكتفى بيان عراقي بالقول إن الاتفاق يشمل التنسيق للحفاظ على “الحدود المشتركة” بين البلدين، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات الأمنية.
وفقا لخبراء، فإن الاتفاق يستجيب لرغبات طهران بالمقام الأول، ولا يوجد ما يؤكد أن إيران ستلتزم بالحفاظ على أمن الحدود مع العراق ومنع انتقال المقاتلين أو مهربي المخدرات والعملات المزيفة من إيران إلى العراق.
وتعد محافظة ديالى العراقية على الحدود مع إيران، مركزا بارزا لتواجد وسيطرة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لطهران، وأبرزها منظمة “بدر” وحركة “عصائب أهل الحق” ومجموعات أخرى تسيطر على الجزء الأهم من الملف الأمني بالمحافظة، وعلى حركة المنافذ الحدودية الرسمية أو غير الرسمية مع إيران، وحركة الأموال وتبادل السلع بالتهريب، بحسب مراقبين.
كما أن إيران تولي أهمية بالغة لتلك المحافظة، حيث يتواجد الحرس الثوري الإيراني بشكل ما، وفقا لتقارير محلية، في مواقع عديدة أبرزها مخيم أشرف الذي كان مخصصا للاجئين من جماعة “مجاهدي خلق” المعارضة الإيرانية قبل طردهم منه قبل سنوات، بعد أكثر من ثلاثين عاما من التواجد بالعراق.
وبحسب ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤول أمنى عراقي، قال إنه كان حاضرا في توقيع الاتفاق، فإن العراق تعهد للجانب الإيراني بمنع استخدام أراضي إقليم كردستان لشن أي هجوم على الأراضي الإيرانية.
في مقابل ذلك، لم تشر أي من تصريحات المسؤولين في البلدين إلى تعهدات من طهران بوقف القصف الإيراني المتكرر على مواقع في الإقليم.
وفي مجمل التصريحات الإيرانية، لا يوجد ما يشير إلى أي التزام إيراني تجاه العراق، فيما تدور التصريحات حول قضية واحدة هي القضاء على نشاطات الجماعات المسلحة المعارضة لنظام الحكم الإيراني انطلاقا من الأراضي العراقية في إقليم كردستان.
وكان لافتا تصريح للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي لطهران نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إذ حث خامنئي السوداني على توسيع “قدرة الحكومة المركزية في العراق”.
ويقصد خامنئي بتلك الدعوة أن مناطق إقليم كردستان العراق لا تخضع “أمنيا” لسيطرة الحكومة الاتحادية، وبالتالي فإن الحكومة الحليفة لطهران في بغداد، لا تستجيب لكامل متطلبات الحفاظ على أمن الحدود مع إيران بمنع الجماعات المعارضة من استخدام أراضي الإقليم.
واستجابةً لرغبات إيران، اتخذت حكومة السوداني خطوات لضبط الحدود، إذ أفادت وسائل إعلام محلية بأن الحكومة وجّهت مطلع العام الجاري بنشر نحو ستة آلاف جندي إضافي على حدود العراق مع كل من إيران وتركيا.
وتعاني تركيا من نشاطات تنظيم “بي كي كي” الكردي الذي يتخذ من الأراضي العراقية منطلقا لهجمات وأنشطة تستهدف القوات التركية والمدن التركية القريبة من الحدود مع العراق.
ولا تنفي السلطات في بغداد ولا إقليم كردستان العراق وجود جماعات كردية إيرانية مسلحة في مناطق على الحدود مع إيران.
ويتعهد العراق بأنه لن يسمح باستخدام أراضيه لتهديد أمن أي دولة، سواء إيران أو تركيا أو السعودية أو غيرها.
وتتهم إيران جماعات كردية تتواجد في إقليم كردستان بممارسة أنشطة “إرهابية” بالتنسيق مع إسرائيل، وتأجيج التظاهرات المناهضة للحكومة التي اتسعت لتشمل كبريات المدن الإيرانية بعد وفاة الشابة مهسا أميني داخل أحد سجون “شرطة الأخلاق” في سبتمبر/ أيلول الماضي.
ومن أبرز الجماعات الإيرانية المعارضة المتواجدة في الإقليم وتحديدا في مدن ومواقع قريبة من الحدود: حزب الحياة الحرة (الفرع الإيراني لتنظيم بي كي كي) والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وحزب كومله وحزب الحرية الكردستاني، وفقا لتقارير صحافية.
وكثيرا ما تعرضت مواقع تلك الجماعات لهجمات إيرانية بصواريخ وطائرات بدون طيار، وتكتفي حكومتا بغداد وأربيل بإعلان رفضهما لمثل هذه الهجمات، والتشديد على مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتزام الحكومة العراقية بـ”تنفيذ الدستور وعدم السماح باستخدام الأراضي العراقية للإخلال بالأمن في إيران”.
وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2022، أي بعد أيام من اندلاع الاحتجاجات في إيران واتهام طهران لجماعات كردية معارضة بالوقوف وراء الاحتجاجات، باشر الحرس الثوري الإيراني بشن هجمات صاروخية على مواقع في إقليم كردستان العراق.
وربما يكون هناك ما هو أبعد من القصف، إذ لا يُخفي كبار المسؤولين الإيرانيين احتمال إرسال قوات برية إلى داخل الأراضي العراقية.
وسبق أن هدد قائد القوات البرية في الحرس الثوري العميد محمد باكبور، بإرسال قوات خاصة إلى الحدود مع الإقليم، معززة بوحدات من الآليات المدرعة، وأمهل الحكومة العراقية لنزع أسلحة تلك المجموعات وإغلاق مقراتها.
تأتي أهمية زيارة شمخاني المقرب من خامنئي، بأنها تندرج في إطار أوسع من إعادة رسم السياسات الإيرانية مع الدول الإقليمية مثل العراق والإمارات والسعودية.
وجاءت زيارته لبغداد بعد زيارة قصيرة للإمارات أجرى خلالها مباحثات مع كبار المسؤولين، بمن فيهم رئيس الدولة الخليجية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ويزيد من أهميتها أيضا، أنها أعقبت التطور الأبرز في علاقات طهران بمحيطها الإقليمي، حيث وقّعت إيران والسعودية بوساطة صينية في 10 مارس/ آذار الجاري، اتفاقا لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال أسبوعين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات.
ويواصل مسؤولون إيرانيون دعوة الحكومة العراقية إلى تبني قرار يقضي بنزع أسلحة الجماعات الكردية المعارضة لطهران، وإغلاق مقراتها ونقل مخيماتها بعيدا عن الحدود، بل ويدعو مسؤولون آخرون بغداد إلى اعتقال قادة تلك المجموعات وتسليمهم للحكومة الإيرانية.
لكن السوداني يتجنب الحديث عن الطلب الإيراني بنزع أسلحة الجماعات الكردية لأسباب تتعلق بأن فصائل مسلحة حليفة لإيران باتت الركيزة الأساسية لحكومته، وتستحوذ أجنحتها السياسية على أغلبية مجلس النواب، وتهيمن هذه الفصائل على الجزء الأهم من الملف الأمني في محافظات عديدة، مثل الأنبار على الحدود مع سوريا والأردن والسعودية، وديالى على الحدود مع إيران.
(الأناضول)