الدوحة ـ «القدس العربي»:
تواصل قطر تحركاتها الدبلوماسية لتفعيل مسار الوساطة، والعودة لطاولة المفاوضات وإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد ما نسفت تل أبيب سابقاً وقف إطلاق النار وعادت لشن حربها على القطاع المحاصر، وهو ما عقد من الوضع للسكان الذين يواجهون حرب إبادة هي الأسوأ في العصر الحديث.
وتأتي جهود الوساطة، في وقت تزداد فيه مناورات أطراف دولية، لدفع سكان غزة للهجرة نحو وجهات خارجية، في مخططات وصفت بالمشبوهة من قبل أطراف فلسطينية.
وتحركت الدبلوماسية القطرية في جميع الاتجاهات، وعززت من تنسيقها مع كافة الفاعلين في الساحة، لنزع فتيل الأزمة التي تعصف بالاستقرار في المنطقة، وتخلق واقعاً قاسيا في غزة التي دمرت بها أسس الحياة.
وتزامناً ودور قطر في تقريب وجهات النظر بين المقاومة الفلسطينية، وسلطات تل أبيب، وصل رئيس جهاز «الموساد» ديفيد برنياع إلى العاصمة القطرية الدوحة، في زيارة تُعد الأولى من نوعها منذ خرق إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في آذار/مارس الماضي. والتقى المسؤول الإسرائيلي رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لبحث آخر التطورات المتعلقة بمفاوضات صفقة تبادل الأسرى مع الفصائل الفلسطينية. وفي سياق دورها الوساطي، تستقبل الدوحة المسؤول الإسرائيلي، الذي يزورها لأول مرة منذ انهيار اتفاق الهدنة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة. ودأب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على المناورة بشأن إيفاد اللجان والمسؤولين إلى الدوحة في مسار الوساطة، ويتراجع في كل مرة عند تحقيق أي تقدم.
وفي مناسبات مختلفة، يسحب نتنياهو فريقه التفاوضي ويطلب منه العودة إلى تل أبيب، حتى لو تم تذليل الكثير من العقبات من قبل الفريق المفاوض القطري، المدعوم من القاهرة وواشنطن.
واستضافت قطر العديد من الوفود، ضمن جهودها، ولم تيأس من مناورات تل أبيب، إيماناً منها بضرورة التوصل لحل سلمي، ينهي الحرب الإسرائيلية على غزة، ومعها معاناة السكان.
وانتقدت مصادر عبرية سلسلة مراوغات نتنياهو المستمرة، بينما يواصل الجيش الإسرائيلي، بدعم أمريكي، حرب الإبادة الجماعية بقطاع غزة منذ أكثر من 14 شهراً.
وفي مناسبات مختلفة صرح نتنياهو أن فريق التفاوض، الذي يضم مسؤولين من جهاز الاستخبارات الخارجية «الموساد» وجهاز الأمن العام «الشاباك» والجيش، يتوجه إلى قطر، لإجراء المفاوضات.
وفي كل مرة يصل الفريق المفاوض إلى مرحلة اختراق في الوساطة، يفاجأ بتراجع بنيامين نتنياهو ويصدم المفاوضون بقرارات سياسية في إسرائيل لا ترغب في التوصل لتسوية.
مفاوضات الدوحة
وصرحت قطر في مناسبات عن استضافتها وبشكل مستمر الوفود الفنية من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، لاستكمال مفاوضات وقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس من دون التنبؤ بموعد الوصول لاتفاق.
وما زالت المفاوضات جارية في الدوحة على المستوى الفني والتقني، وينتظر المراقبون ما تسفر عنه زيارة رئيس جهاز الموساد، والرسائل التي يحملها من بنيامين نتنياهو، لرسم صورة واضحة عن المسر.
وتجرى تزامناً ومفاوضات الدوحة، مسارات وسياقات أخرى في القاهرة، بالتنسيق المستمر مع مصر.
وأكد رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني استمرار جهود قطر لإنهاء الحرب على قطاع غزة. وأوضحت قطر أن وزير الخارجية جدد تأكيد استمرار الجهود لإنهاء الحرب على غزة، خلال لقائه مبعوث الحكومة الصينية للشرق الأوسط جاي جون الذي زار الدوحة مؤخراً.
كما صرح الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن قطر تعمل مع الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، بالتنسيق مع مصر من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة تبادل.
وناقش المسؤول القطري في واشنطن التي زارها، تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
والتقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو واشنطن، وصرح أن السلوك الإسرائيلي في الفترة الماضية يظهر أنها لا تهتم بصفقة. وعبر التصريح عن رؤية قطر لمسار الوساطة، ورغبتها في جدية الطرف الذي يعرقل التوصل لاتفاق. وشددت الدوحة، على تواصل جهود الوساطة من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة.
وشددت الدوحة وواشنطن، على أهمية تواصل الجهود ضمن الوساطة المشتركة للوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة. وجدّد رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري «دعم دولة قطر الكامل لنهج الدبلوماسية والحوار لحل كل القضايا العالقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، في إطار إيمانها الراسخ بأهمية توطيد الأمن والسلم وتعزيز الاستقرار والسلام والتنمية على المستويين الإقليمي والدولي».
ومؤخراً بحث وزير الخارجية القطري مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، التطورات في غزة، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وسط مواصلة إسرائيل حرب الإبادة على القطاع منذ أكثر من عام ونصف.
وتوسع الدوحة من اتصالاتها مع مختلف الأطراف الدولية، في إطار مساعي الوساطة، ومحاولة فتح النقاش مع مختلف الدول التي يمكنها المساهمة في التوصل لتفاهمات واسعة.
أفكار ومقترحات الوسطاء
قدّم الوسطاء القطريون والمصريون مقترحاً جديداً يتضمّن هدنة طويلة في قطاع غزة تمتد ما بين خمس إلى سبع سنوات، وصفقة تبادل تفرج وفقها حركة حماس عن جميع المحتجزين الإسرائيليين مقابل إفراج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين.
ويتضمن المقترح نهاية الحرب وانسحاباً إسرائيلياً كاملاً من القطاع المنكوب، وهو ما يتيح الاستمرار في استكمال التفاهم على بقية النقاط العالقة.
وتعززت في الفترة الأخيرة المقترحات التي قدمها الوسطاء والرامية إلى نزع فتيل الأزمة، وجسر الفجوة بين الطرفين، حيث أبدت المقاومة مرونة، مقابل تشدد الجانب الإسرائيلي الذي يعول على استكمال العمل العسكري، دون تحقيق أي نتيجة.
ونقلت مصادر عبرية، تفاصيل عن كواليس الوساطة، واعترفت أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بمناوراته، وتحديداً تمسكه بمحور فيلادلفيا في غزة، الذي كان ولا يزال السبب الرئيسي لفشل صفقة التبادل.
وتكشف مصادر غربية أن نتنياهو يثير بمطالبه بالتمسك بتواجد عسكري إسرائيلي في محور فيلادلفيا، حفيظة شركائه في واشنطن، وتزعزعت ثقتهم به، لإدراكهم أن تل أبيب، ليست مستعدة للدخول في مسار مفاوضات جاد. وتكشف مصادر أن واشنطن تخطط لتقديم مقترح وساطة معدل، في محاولة لإنقاذ صفقة تبادل الأسرى. وتحاول أمريكا الضغط على الوسطاء لإقناع حركة حماس لإبداء مرونة في المفاوضات. وتأتي تلك الضغوط بمستوى معاكس مع تل أبيب التي لا يضغط عليها البيت الأبيض بالشكل الكافي للمضي نحو التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وحسب مصادر من العاصمة القطرية الدوحة، فإن حركة حماس أبدت مرونة واسعة، للتوصل لاتفاق ينهي الحرب الإسرائيلية على القطاع.
كما كشفت المصادر أن حماس أبدت أيضاً استعدادها لتسليم إدارة غزة لأي كيان فلسطيني يُتفق عليه «على المستويين الوطني والإقليمي»، وأضاف أنّ هذا الكيان قد يكون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو هيئة إدارية يجري تشكيلها.
وفضحت مرونة حماس، نوايا تل أبيب، المحشورة في زاوية، بعدما تأكد للجميع الطرف الذي يعرقل جهود الوساطة، وينسف المقترحات، بسبب مطالب غير عقلانية.
استمرار مخططات التهجير
وتأتي الجهود الرامية لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وسط توالي معلومات وتفاصيل عن مشاريع تهجير مشبوهة من قبل بعض الأطراف الخارجية والدولية، لتحفيز سكان القطاع لترك أرضهم.
وتواترت في الفترة الأخيرة العديد من المعلومات من قطاع غزة المحاصر بشأن محاولات بعض الدول المشاركة في مخططات لتهجير الفلسطينيين عن أرضهم، مع دخول فرنسا على الخط، والحديث عن ممر عبور المهجرين عبر معبر كرم أبو سالم.
وكشفت خطة محكمة لتسهيل مغادرة الأشخاص الذين حصلوا على حق المغادرة، بتنسيق مباشر مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تسمح بمرورهم الآمن حتى معبر كرم أبو سالم للوصول إلى جسر الملك حسين. وينتظر موظفون أجانب في الأردن وصول الحافلات التي تقل سكان غزة، لتأمين سفرهم حتى العواصم التي اقترحت استقبالهم. وانتقدت مصادر من غزة مخططات تهجير الكفاءات الفلسطينية وعائلاتهم من القطاع، بدعم عدد من السفارات والجهات الأجنبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويراقب المجتمع المحلي في غزة بتوجس، نشاط منظمات وجهات أجنبية تساعد سكان القطاع المحاصر على المغادرة، والاستقرار في عدد من الدول الأوروبية والغربية، ضمن مسار أثار قلق الكثيرين، ومخاوف من تنفيذ خطط تهجير الفلسطينيين عن أرضهم ضمن مشاريع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدد من العواصم. وغادرت مؤخراً عشرات العائلات من غزة القطاع المحاصر نحو وجهات مختلفة.
وتأتي برامج مغادرة العائلات ضمن مسميات مختلفة، أبرزها اللجوء الإنساني، والتجمع العائلي، وغيرها من المسميات التي تهدف لخروج سكان القطاع تدريجياً، والإيحاء أن بوسع الغزاويين العيش بعيداً عن أرضهم.