استهداف الصحافيين… لا حاجة إلى الدروع في غزة

إزاء منع قوات الاحتلال دخول الصحافيين الدوليين لتغطية الأحداث في غزة، لجأت الشبكات إلى الاعتماد على مراسلين ومصورين من قطاع غزة، ووظفت عاملين جددا من أجل تغطية الحرب وتداعياتها وآثارها على السكان والنازحين. استطاع الصحافيون أن ينقلوا في بسالة نادرة الحدوث، معاناة أهل غزة وآثار العدوان الغاشم، خاصة العاملين في شبكة «الجزيرة» الذين أسهموا بما ينقلونه في وضع الشبكة على قمة المصادر التي اعتمد عليها المتابع العربي، بل واعتمد عليها كثير من الشعوب الغربية في متابعة أخبار الحرب على غزة.
لم تكن دروع الصحافيين ذات قيمة في حماية الذين ارتدوها في غزة من هجمات الصهاينة، الذين ضربوا القوانين والأعراف والمواثيق الدولية بعرض الحائط ووضعوها في حاويات القمامة، لأنهم أمنوا المحاسبة والعقاب، ووجدوا مظلة غربية ممتدة تتيح لهم الاستمرار في جرائمهم دون اكتراث لأي شيء.
استهدف جيش الاحتلال منذ بدء الحرب، العشرات من الإعلاميين من أهل غزة، لأنهم أعين العالم على حقيقة ما يجري في القطاع، ينقلون للرأي العام العربي والإسلامي والعالمي حجم جرائم الاحتلال، من ثم يخشى العدو الصهيوني من الضغط الشعبي على الأنظمة للتحرك باتجاه إدانة الكيان أو العمل على وقف الحرب، إضافة إلى تخوف الاحتلال من توثيق جرائمه حال مقاضاته أمام المحاكم الدولية. وفي تبريره لاغتيال الصحافيين في غزة، اعتاد الاحتلال أن يقدم كذبته الشهيرة، أن هذا الصحافي أو ذاك على علاقة بحركة المقاومة حماس، وقطعا ليس بحاجة إلى أن يقدم برهانا على مزاعمه، وهو يجد الرعاية والحماية والدعم الأمريكي والغربي المفتوح، ويجد من يعتمد روايته مهما بدا كذبها وزيفها ووهنها، فقد سبق له أن قصف مستشفى الشفاء، بحجة وجود قيادات وأنفاق للمقاومة، وسبق أن أحرق مخيمات النازحين في مواصي خان يونس، بزعم وجود محمد الضيف فيها. لا ينشغل العدو الصهيوني بتقديم برهان على ادعاءاته، فيكفي أن يتهم هؤلاء الصحافيين بأنهم تابعون للمقاومة، أو يتعاونون معها.

الصحافيون من أبناء غزة أيقنوا أنهم شهداء يمشون على الأرض ينتظرون دورهم، وآثروا أن يفارقوا الحياة وهم يؤدون رسالتهم في نقل الحقيقة التي يريد الاحتلال طمسها

عندما قتل جيش الاحتلال الصحافي حمزة الدحدوح نجل الصحافي الشهير وائل الدحدوح، ومعه المصور مصطفى ثريا، خلال إحدى الغارات الصهيونية، زعم الاحتلال أنهما كانا عضوين في منظمات إرهابية مقرها غزة. وعندما كان الصحافي في قناة «الجزيرة» إسماعيل الغول ينقل من موقع منزل القائد إسماعيل هنية ردود أفعال الجماهير عقب اغتيال الأخير في طهران، استهدفته قوات الاحتلال بقصف أدى إلى مقتله رفقة المصور رامي الريفي، فزعم الجيش الإسرائيلي أن الغول عضو في قوات النخبة التابعة للجناح العسكري لحركة حماس، وأنه شارك في هجوم السابع من أكتوبر. كما نرى، الأمر يسيرا جدا على الكيان الإسرائيلي أن يلقي للعالم أي مبرر، وعلى من لا يقنعه هذا المبرر أن ينطح الجبل برأسه.
يسهل على الاحتلال اغتيال الصحافيين بدعوى انتمائهم لحركة حماس، فقد سهل عليه قصف المستشفيات بالطريقة نفسها، وسهل عليه ارتكاب تلك المجزرة البشعة في مدرسة التابعين، التي خلفت ما يزيد عن مئة شهيد كانوا يؤدون الصلاة بخلاف المصابين، حيث ادعى الاحتلال كالعادة أنها تؤوي عناصر لحماس. الصحافي في شبكة «الجزيرة» أنس الشريف ابن غزة، كان أبرز أولئك الذين غطوا أحداث هذه المجزرة، وكان عين العالم على جثامين الشهداء، التي احترقت وتناثرت إلى أشلاء متفحمة تكدست في المصلى وتناثر بعضها في فناء المدرسة التي تؤوي النازحين، ونقل صدمة أهالي الشهداء وهم يبحثون عن أشلاء ذويهم ويجمعونها وعجز بعضهم عن توفير أكفان لهم، كما نقل الأوضاع الكارثية في المستشفى الأهلي العربي الذي خلا من أسرّة المرضى والمعدات والأدوية والعلاجات بسبب تدمير القطاع الصحي أثناء الحرب. بعدها مباشرة، خرج المتحدث العسكري باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي بتغريدة له على موقع «إكس»، تعتبر تحريضا صريحا على الصحافي أنس الشريف وتوطئة لاغتياله، وأنقل هنا ما كتبه بالنص مع ما اشتمله من أخطاء لغوية وإملائية: «صوت وصورة الكذب، واضح أن تكون فخرا بهم، يغطي على جرائم حماس والجهاد في الاحتماء داخل المدارس.. أنا مقتنع أن أنس الشريف يعرف عدد كبير ممن قتل داخل مدرسة التابعين من مخربي حماس بأسمائهم، لكنه يتحرك في مسرحية إعلامية كاذبة بدوافع لا تمت لسكان غزة بصلة».
كما يرى القارئ، التغريدة تستخدم المبرر نفسه بشكل استباقي هذه المرة، فبدلا من تقديم المبرر بعد الاستهداف يبدو أن جيش الاحتلال يبادر بتقديم المبرر ابتداء.
على الفور تعالت الأصوات التي تدعو إلى ضرورة حماية الصحافي بناء على هذا التحريض، كما أدانت شبكة «الجزيرة» هذا التصريح واعتبرته بمثابة عمل صارخ من الترهيب والتحريض. تساءلت: هل تُجدي هذه المطالبات بحماية الصحافي أنس الشريف، بينما لم تفلح الصرخات المطالبة بوقف العدوان على مدى عشرة أشهر أحرق فيها الاحتلال الأخضر واليابس، ودمّر القطاع، وقتل عشرات الآلاف بخلاف الجرحى والمصابين والمفقودين؟ وتساءلت: لمن نوجه هذه المطالبات بحماية الصحافي؟ نقدمها للأمم المتحدة التي لا تعدو أن تكون مؤسسة أمريكية؟ أم لمجلس الأمن الذي يخنق أمتنا بالفيتو؟ أم لمنظمات حقوق الإنسان التي تستثني الفلسطيني من الدخول في مسمى الإنسان؟ أم للبيت الأبيض الذي زود الاحتلال بالقذائف التي ارتكب بها المذبحة الأخيرة وما سبقها؟ الصحافيون من أبناء غزة أنفسهم أيقنوا أن دروعهم الصحافية لا قيمة لها، وأنهم شهداء يمشون على الأرض ينتظرون دورهم، هم ضمن أبناء غزة الذين ينشدون مدينة أخرى في السماء، آثروا أن يفارقوا الحياة وهم يؤدون رسالتهم في نقل الحقيقة التي يريد الاحتلال طمسها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    نصيحتي للصحفيين بغزة هي :
    لا ترتدوا سترات الصحافة , لأنكم مستهدفين !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول فضيل الجزائر:

    حرب الإبادة الجماعية التي تشنها أمريكا والصهاينة ومعاونوهم من العرب والعجم ضد أهل غزة أطفالا ونساء وشيوخا وصحفيين، كشفت الوجه الحقيقي للغرب (الرسمي) الإستعماري الإرهابي المتوحش، وأن القوم ليس لديهم خطوط حمراء للقتل بما في ذلك تسميم المواد الغدائية الموردة، أو تلويث المياه الجوفية والبحيرات والأنهار الداخلية في الوطن العربي والإسلامي لسرطنة وقتل أكبر عدد ممكن من الناس. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!

  3. يقول احمد .. فلسطين:

    اصبح العالم الظالم لا يحب سماع او مشاهدة الحقيقه .. وبعد كشف المستور كنا لا نرى الحقيقه .. وأهل فلسطين الكرام يرونها كل يوم .. صدق من قال .. عففت فعفوا ولو رتعت لرتعوا .. صبرا اهل فلسطين الحبيبه إن موعدنا النصر والجنة .. 🌴

اشترك في قائمتنا البريدية