اسطوانات الغاز التالفة تحصد أرواح اليمنيين والشركة المعنية تتجاهل أعمال الصيانة      

أحمد الأغبري
حجم الخط
0

صنعاء – “القدس العربي”: لم يكن الشاب محمد الجنداري، الذي مات مؤخراً متأثرًا بالحروق التي اصابته جراء انفجار اسطوانة غاز في منزله بصنعاء، هو آخر ضحايا انفجار اسطوانات الغاز التالفة وغير المُصانة في اليمن؛ فهذه الانفجارات تتواصل ولا تتوقف مآسيها في مناطق يمنيّة مختلفة جراء تأخر وتجاهل الشركة اليمنية للغاز لمسؤولياتها في صيانة الاسطوانات وعدم استخدام التالف منها.

قصصٌ مأسوية عديدة تنشرها وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي لضحايا هذه الاسطوانات، والتي تتجدد معها المناشدات للجهات المعنية بتحمل مسؤوليتها وحماية أرواح الناس من خلال إيقاف تعبئة وبيع الاسطوانات التالفة التي باتت كقنابل موقوتة تُزهِق بين الفترة والأخرى عشرات الأرواح بدون ذنب اقترفه أصحابها سوى أنهم تسلموا اسطوانات غاز تالفة تسرّب الغاز في ظل تجاهل كثير من المواطنين لخطر هذا التسريب. وفي المقابل ثمة صمت الجهات المعنية عن هذا الواقع وعدم تحمل مسؤوليتها في إيقاف توزيع اسطوانات الموت في صورة بشعة من صور اقتصاد الحرب.

يقول المواطن عبده سلاّم مُقبل أحمد، من أبناء محافظة تعز ويسكن في صنعاء لـ”القدس العربي”: لا تلوموا المواطن على استخدام الاسطوانات التالفة بل اللوم على مَن عملوا على تعبئة هذه الاسطوانات وبيعها للمواطن الذي لا يملك سوى استخدامها، ولهذا أنا والآخرون مضطرون لاستخدام هذه الاسطوانات… كما أن مندوب شركة الغاز يرفض تغييرها بأخرى جيدة، وهم يعرفون أنها تالفة وتسرّب الغاز. والسؤال موجه لشركة الغاز: لماذا تبيعون لنا اسطوانات تالفة؟ ولماذا تتجاهلون واقع ضحايا هذه الاسطوانات؟”.

وناشد ناشطون مدنيون السلطات في صنعاء بضرورة سحب اسطوانات الغاز التالفة التي توزعها على المواطنين، مؤكدين أهمية القيام بذلك في أسرع وقت حماية لأرواح الناس.

الناشط الحقوقي أحمد ناجي أحمد أعرب عن تضامنه مع عائلات ضحايا اسطوانات الغاز التالفة في كثير من مناطق اليمن، وقال متحدثاً لـ” القدس العربي”: تنامت ظاهرة انفجار أسطوانات الغاز على المواطنين، وفي صنعاء يقول البعض انه مؤخراً توفت امرأتان في مديرية التحرير بأمانة العاصمة نتيجة لانفجار أسطوانة غاز تالفة في منزلهما، وقبل ذلك انفجرت أسطوانة غاز تالفة في مطعم في منطقة دارس بأمانة العاصمة. كتبنا حول ضحايا اسطوانات الغاز التالفة، وكتب الكثيرون حول هذا الموضوع ولكن لا حياة لمن تنادي. كل هذا الحرص على بيع الغاز بالاسطوانات التالفة سببه التعبئة الناقصة لاسطوانة الغاز، ولو أن الشركة رفعت سعر الغاز وسمحت ببيعه للمواطنين من خلال محطات الغاز بدلا عن نظام البيع من خلال عقال (شيوخ) الحارات، لكانت النتيجة الحفاظ على الأرواح، ولكن ماذا عسانا أن نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل.

حوادث لا حصر لها يجرى تداولها وبعضها موثق بالصوت والصورة، وتعكس جميعها واقعاً مؤلماً يؤكد أن ضحايا الحرب الحقيقيين ليسوا فقط مَن يسقطون في جبهات القتال وإنما مَن يسقطون نتيجة فساد واقع بلد الحرب، إذ ثمة موت لا يتوقف في اليمن يتعقب الفقراء والمعوزين والمرضى وممن ارتضوا الكفاف من العيش بما فيهم هؤلاء الذين يموتون تحت أسقف منازلهم جراء انفجارات اسطوانات الغاز التي تروي فصلاً جديداً من فصول الحرب هناك.

وتستقبل المستشفيات عددا من ضحايا هذه الانفجارات باستمرار، وتحدث لـ” القدس العربي” بشكل غير رسمي عدد من الأطباء في مركز الحروق بالمستشفى الجمهوري بصنعاء، مؤكدين أن المركز يتلقى باستمرار حالات من ضحايا انفجارات اسطوانات الغاز، وبعضهم تكون حروقه من الدرجة الأولى وبعضهم من الحالات الخطيرة، وبعضهم يأتي لكنه يتوفى في الطريق وغالبيتهم نساء وأطفال.

أسباب المشكلة

تمتد قراءة أسباب المشكلة بين مصدرين: المصدر الأول يقول إن لجنة شُكلت عام 2010 من عدد من المؤسسات الحكومية لتفادي مشكلة انفجار اسطوانات التالفة أفضت أعمالها إلى سحب أربعة ملايين ونصف المليون اسطوانة غاز من الأسواق، وذلك عندما أُثيرت مشكلتها إعلامياً. وحسب المصدر نفسه فإنه عند تغيير نظام بيع الغاز في صنعاء عام 2018 وإيقاف محطات نظام التعبئة المباشرة للاسطوانات الفردية والتحول إلى نظام البيع عبر الشحنات من خلال عقال (شيوخ) الحارات تم استخدام تلك الكمية المليونية المستبعدة من الاسطوانات التالفة وتعبئتها وإنزالها للأسواق بدون رادع من ضمير؛ فانتشر الموت، عبر هذه الاسطوانات، في كل مكان هناك.

المصدر الثاني لقراءة المشكلة يتمثل فيما قدّمته جماعة “أنصار الله” (الحوثيون) عبر الناطق الرسمي لحكومة سلطة الأمر الواقع في صنعاء ضيف الله الشامي والذي حمّل في منشور له، على صفحته في موقع “فيسبوك” شركة الغاز في محافظة مأرب، الواقعة ضمن نطاق الحكومة الشرعية، مسؤولية الأسطوانات التالفة؛ لأن الشركة  تتقاضى مبلغاً ضمن قيمة الغاز في كل اسطوانة يخص الصيانة، بينما هي ترفض صيانة الاسطوانات التالفة، مطالباً الشركة إما بالصيانة أو بتوريد أي مبلغ إلى صنعاء، وهي ستتولى صيانة الاسطوانات، لكن الشركة ترفض على حد قوله.

ولفت إلى أن مشكلة تراكم الاسطوانات التالفة بلغت حسب تقرير لجنة رسمية من وزارة الصناعة والتجارة وشركة الغاز في العام 2011 ثلاثة ملايين اسطوانة تحتاج إلى صيانة. وأشار الشامي إلى أنه لم تنفذ أي عمليات صيانة لملايين الاسطوانات منذ 2011 وحتى اليوم كما يقول.

حكاية الصيانة

قصص ضحايا هذه الاسطوانات لا تقتصر على منطقة دون أخرى بل تشمل معظم المحافظات، وتوقف صيانة الاسطوانات يشمل جميع المحافظات، وفق مصادر في الشركة التي تتقاضى نحو عشرة ريالات مع قيمة غاز الاسطوانة تحت اسم “الصيانة”، لكنها لم تقم بهذا العمل منذ ثلاثة أعوام تقريباً، بينما يصل مبلغ التحصيل الشهري لهذا المبلغ إلى أكثر من 600 مليون ريال يمني يتم تحصيلها في محافظة مأرب، على اعتبار أن 84 مقطورة غاز تخرج يومياً من منشأة غاز صافر في مأرب لجميع المحافظات، وتحمل كل مقطورة 24 طناً تكفي لتعبئة 24 ألف اسطوانة بالغاز، وبإجراء عملية حسابية للقيمة المضافة لحساب الصيانة على قيمة كل اسطوانة فإن إجمالي إيرادات الصيانة يومياً تصل إلى أكثر من عشرين مليون ريال (الدولار يساوي 560 ريالا يمنيا). وتبرر الشركة توقف أعمال الصيانة بالواقع الراهن الذي تمر به البلاد؛ وهو تبرير يؤكد مسؤولية الشركة ولا ينفيها؛ لأن المسألة متعلقة بأرواح مواطنين.

وكتب د. عوض محمد في صفحته في “فيسبوك”: “أبناء اليمن يقتلون اليوم عمداً داخل منازلهم في ظل صمت مريب من قبل السلطة، لقد صارت كل أسرة في اليمن في انتظار إعدام أبنائها داخل بيوتهم من خلال هذه الاسطوانات”.

نخلص إلى أن المواطن اليمنيّ يدفع فاتورة الحرب أولاً بأول بما فيها تأخر أو تجاهل شركة الغاز والسلطات القائمة في اليمن صيانة اسطوانات الغاز، الأمر الذي يترتب عليه موت مرتقب ينتظره الناس داخل بيوتهم. وهو يضاعف معاناة اليمنيين جراء الحرب، فالحرب الحقيقية هي التي يعيشها اليمنيون مع ظروف الحياة التي فرضتها الحرب العسكرية؛ وهي الظروف التي يتاجر بها تجار الحروب ضمن ما يُعرف باقتصاد الحرب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية