أنا عاري الضِفَتَين
ما وَرائي
يُشبهُ القادمَ من خلفِ الوعودْ
تَسترُ الأحلامُ عَوراتِ الشُجون
والمُنى جُرحٌ يُداوىٰ بالرقود
وبإرثٍ طافَ آلافَ السنينْ
ناسكاً صرتُ وقد كَلّتْ خُطاي
قِبلَتي نافِذتان
تَعشَقانِ الليلَ والإغفاءَ حَولي
تُفتحُ الأولى على التاريخِ
والأخرىٰ على مُستَقبلٍ أعمى
وأمّا الحاضِرُ المَحشورُ بي
لا يُبصِرُ الأشياءَ
كي أنسىَ إذا رافقتُ حُلْما
وذي نافذتاي
تَلويانِ الضَوءَ فالماضي يُرى
أكذوبةُ الآتي
ولا جرفٌ له يَرتادُهُ
ناجٍ أطالَ البَحثَ عن صِدقِ الوجود
٭ ٭ ٭
هل ترَينْ
راحلاً مثلي أضاعَ الجِهَتين
لم أكُن أعرفُ مَعنىٰ الغُرباء
حينَ ضَمّت نَخلُةٌ ظِلّي
الى أفيائِها
لا تَنكرُ النَخلاتُ إنْ فارَقْتُها أصلي
لكنْ نَخلَتي ماتت
وعافَتني شَريدَ النَفسِ مُدْمىٰ
وطَنٌ يَكتبُ في أوراقهِ
مُغترِبا ظَلّ فلا أسمٌ لهُ
وبلادٌ أُسمِيَت مَنفىٰ
بها اختارَ النوىٰ إسما
وقلبي أينما أسعى
بكى في الأنسِ أشجاناَ ونَزْفا
أينَ مني المَوئِلان…
دَفَنَ الأوّلُ عُتْقي
واستُبيحتْ في الرَديفِ الأُمنِيات
هل أنا أسرَفتُ في حرّيتي
حتى غدا دَيْني بها أعظمَ دَيْن
صهباء
شوقي لكِ
حينَ يغورُ الوقتُ بخِدْرِ الليلْ
ويُنحَّي الصمتُ لِثامَ الشُرُفاتْ
يتوسدُّ عطرَ الفُلّْ
ليسَ هروباً
ليس فراراً مِنّي
من هَلَعِ الذاتْ
أو طيّاً لهمومٍ
لا أُحسنُ إخفاءَ شواهدِها
يرسمُها فوقَ جبيني
قَدَرٌ يعلمُ أينَ أقيمُ
فيأتي وَحِلاً
يتوارى في ظلّ ملاكْ
في يدهِ عُشبَةُ حُبّْ
يجعلُ من وجهي ساحةَ حَربْ
يلْتَذُّ برؤيتِها
تُجّارُ النَكَباتْ
فرسانٌ فوق بِغالِ الكذْبْ
يرمونَ الآتي
بجريرةِ ما فاتْ صهباءْ
يا نفحَةَ ريحٍ في رئَةِ المسلولْ
يا صدْقَ فَمِ القائلِ
لو أعياهُ القولْ
لي…
أنتِ رسالةُ غفرانٍ
ودعاءَ استغفارْ
إنْ خانَ رُؤىٰ عَينيّ القلبْ
إن أخفىٰ ضَعفي
ما كَشَفَ الضوءْ
يا بدءاً لو صَعبَ البدءْ
يا بَوْناً بين عِبادةِ أفّاكٍ
وقداسةِ ربّْ
أسعى نحوَكِ كي أنفُضَ عني بلَلاً
يُثقِلُ جُنحي
فأطيرُ كنسرٍ
جَعَلَ المِخلبَ أعمىٰ
لأعودَ وصَيدي لا يثقلُهُ ذَنبْ
شاعر
في القصيدة الأولى تنويع نغمي أفرزته تفعيلة الرمل الصادحة والتي رغم الحزن الذي في القصيدة فإنها أضافت إنشادا مسترسلا في الحسرة على المكان الذي خربته الأيام. أحسن الشاعر افتتاح قصيدته بتعبير (أنا عاري الضفتين) ليعطي للقارئ فكرة عما سيلي من معنى. أما القصيدة الثانية المعنونة (صهباء) فهي مختلفة كليا في موضوعها وبنائها عن النص الأول فهي غنائية جميلة تنساب خالية من الحشرجة الشعرية ولم يهتم الشاعر كثيرا بتتالي القافية بل غاص في المعنى الذي أراد أن يوصله للقارئ. والقصيدة هذه ليست تغنيا بالخمرة كما قد يبدو ولكنها تتعدى ذلك لبث مواقف الشاعر وأحاسيسه بتلقائية واضحة.
أستمتعت بقراءة النصين متمنيا للشاعر إبداعا متصلا.
الأستاذ علي الاسدي، تقديري وسروري لتعليقكم واستحسانكم النصين.
خالص الود